1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. فضل ختمة القرآن وأحكامها

فضل ختمة القرآن وأحكامها

تحت قسم : مقالات و خواطر
3495 2012/08/13 2024/03/28

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن ختم القرآن من الأعمال الجليلة التي يثاب عليها العبد وينال بها الدرجات العلى، فيستحب للمسلم أن يختم القرآن مرة بعد مرة ويواظب على ذلك، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (رواه الترمذي).

 

وتلاوة القرآن فيها فضائل حسنة ومزايا عظيمة كما ورد في النصوص، من شفاعة في الآخرة وكثرة الحسنات، ورفعة الدرجات، وزيادة اليقين، وانشراح الصدر، وشفاء من الأسقام، واطمئنان الروح، وجلاء الهموم والأحزان في الدنيا، وبصيرة في الدين، وفرقان في المشتبهات، ورفعة في الدنيا، وغير ذلك من الشمائل التي لا يحصيها القلم ولا يحدها الوصف.

 

وفي الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترُجّة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها».

 

أما مدة ختم القرآن فلم يرد حدٌّ مؤقتٌ في السنة في أكثرها، وإن كان ورد ذم في السنة وعن السلف هجر القرآن وإطالة المدة في ختمها، وقد حدها بعضهم بالأربعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المدة لعبد الله بن عمرو لختم القرآن لما أخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو: "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم ‏يُقرأ القرآن؟ قال: «في أربعين يومًا، ثم قال في شهر...». وفي رواية البخاري قال له: «اقرأ القرآن في كل شهر، قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في سبع ولا تزد».

 

وقد كره بعض الفقهاء تجاوز هذه المدة من غير ختم القرآن، والصحيح أنه لا يكره ذلك لأن هذه الأحاديث خرجت مخرج الأفضلية والاستحباب، ولذلك اختلفت الروايات في تحديد المدة، والمقصود أنه ينبغي للمؤمن أن يتعاهد القرآن، ويكون كثير المدارسة له، ولا يهجره ويكون بعيد العهد به، ولذلك روى أبو ‏داود عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون في شهرين ختمة واحدة.‏

 

أما أقل المدة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ختمه بأقل من ثلاث ليال لحديث عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏قال: ‏«أمرني رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن لا أقرأ القرآن في أقل من ثلاث» (رواه الدارمي)، وفي سنن أبي داود: «لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث»، وهذا النهي على سبيل الكراهة.

 

واختلف أهل العلم هل هذا النهي عام في جميع الأحوال أم خاص؟ وذهب كثير من فقهاء السلف وعبادهم إلى حمل هذا النهي على معنى خاص كالمداومة على ذلك، أو في أيام السنة التي لا مزية فيها، أما في الأزمان الفاضلة كشهر رمضان وغيره فلا حرج على المسلم في ختم القرآن بأقل من ثلاث، لأن الأفضل في الزمان الفاضل والمكان الفاضل الإكثار من العبادة مع إقبال النفس وانشراحها لعمل الخيرات، وقالوا إن المقصود من النهي عدم عقل القرآن وفقه معانيه أو خشية السآمة والملل في العبادة، والذي يظهر أن هذا المسلك وجيه يتحقق فيه مصالح كثيرة.

 

قال ابن رجب في اللطائف: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة شرفها الله لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهذا قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة".

 

قال إبراهيم النخعي: "كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين"، وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة، وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة، وعن مجاهد قال: "كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة"، وقال الربيع بن سليمان: "كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة"، وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: "كان أبي مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم".

 

والحاصل أن الأفضل للإنسان أن يختم في كل سبع كما كان كثير من الصحابة يسبع، واختاره كثير من أهل العلم، فإن لم يتيسر له ففي عشر، وإن رغب في الخير في الأوقات الفاضلة فختم بأقل من ثلاث من غير مفسدة فلا حرج عليه.

 

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم في كل سبع ولا يصح.

والصحيح أنه ليس هناك وقت محدد في الشرع لوقت الختمة في ساعة من الليل أو النهار أو ليلة معينة في الأسبوع كليلة الجمعة، فيفعل العبد ما هو أيسر له، وأجمع لقلبه، وأشرح للعبادة، وأفرغ لوقته، فلا فضل في وقت معين، وما ورد من آثار بعض الصحابة والتابعين لا يدل على التحديد في هذا الباب، لأن هذا اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الشرع والأمر في ذلك واسع.

 

وكذلك جميع ما روي من استغفار ستين ألف ملك عند ختمة القرآن، أو استغفار عدد معين عند ختمة القرآن أول الليل فمنكر لا يصح منه شيء في هذا الباب، كحديث: «إذا ختم العبد القرآن صلى عليه عند ختمه ستون ألف ملك»، وحديث: «من ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، ومن ختمه آخر النهار صلت عليه الملائكة حتى يصبح». فلا يجوز للمسلم أن يعتقد للختمة ثوابًا خاصًّا لم ترد في الشرع، وإن كان فيها فضل عظيم، وموطن دعاء وتعرض لعطايا الرب لأنه ختام عمل صالح تلاوة أشرف كلام.

 

وينبغي للمسلم أن يجعل له ورد من القرآن من ليل أو نهار، سواء كان ذلك داخل صلاة النفل أو خارجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها» (رواه مسلم)، وقد كان الصحابة يواظبون على قراءة حزب معين كل ليلة، وآثارهم كثيرة في هذا الباب، ولم يرد في الشرع قدر محدد من السور أو الآيات يقرؤها كل ليلة أو يوم، ومن حدد شيئا في هذا فقد أخطأ، وما يُروى في هذا الباب لا يصح منه شيء، وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل لم تكن مؤقتة في القدر، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة البقرة، ثم افتتح النساء، ثم افتتح آل عمران.

 

وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الحزب ولم يقيده بقدر فقال: «من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل» (رواه مسلم)، والصحابة رضي الله عنهم كانت تختلف مسالكهم في هذا الباب، فمنهم من كان يختم في ليلة، ومنهم في ثلاث، ومنهم في سبع، ومنهم في عشر، ومنهم في شهر، ومنهم في شهرين.

 

ولكن لا بأس للإنسان أن يحدد ورده من باب التنظيم والاجتهاد في الختم، وإن نشط في بعض الليالي طول القراءة، وإن كسل قصرها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، والأمر في ذلك واسع، لكن لا يُشرع له أن يعتقد أفضلية لقدر معين من الآيات وينسب ذلك للسنة.

 

واستحب بعض الفقهاء لمن ختم القرآن أن يقرأ الفاتحة وأول البقرة إلى قوله: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، ويجعل ذلك ختام قراءته لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "أن رجلًا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: «الحال المرتحل»، قال: يا رسول الله وما الحال المرتحل؟ قال: «يضرب من أول القرآن إلى آخره، ومن آخره إلى أوله» (رواه الترمذي واستغربه)، لكن هذا الخبر لا يصح فلا يُعمل به، فعلى هذا لا يستحب ذلك على الصحيح والعمل على تركه.

 

وإذا ختم القرآن استحب الفقهاء أن يدعو بعد ذلك، ويجمع أهله على ذلك إن تيسر، لأن الدعاء يُرجى قبوله بعد الفراغ من العمل الصالح، ولأنه ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم" (رواه الدارمي)، وعن مجاهد قال: "كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون: إن الرحمة تنزل عند القرآن"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه كان يجعل رجلًا يراقب رجلًا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس رضي الله عنهما فيشهد ذلك" (رواه الدارمي).

 

ولا يُشرع الاجتماع عند الختمة وصنع الطعام لذلك وتوزيعه قصد الثواب للحي أو الميت يوم الخميس أو غيره، بل ذلك من البدع والمحدثات التي ليس لها أصل في الشرع بهذه الكيفية.

ولا يُسن تخصيص الصوم ليوم الختمة أو عبادة أخرى، واعتقاد أن ذلك له مزية في الشرع.

 

أما الدعاء لختم القرآن في صلاة القيام في رمضان قبل الركوع فقد استحبه طائفة من الفقهاء، وهو عمل أهل مكة اشتُهر عنهم، وأخذ به الإمام أحمد ومتأخرو المذاهب الثلاثة، ويغلب على الظن أنهم تلقوا ذلك عن الصحابة، والذي يظهر أنه لا بأس بعمله لمناسبة المحل بعد ختم القرآن، ولأنه يجوز الدعاء في الصلاة كدعاء الوتر وهذا من جنسه، ولأنه يُشرع للمصلي السؤال والاستعاذة عند ذكر ما يقتضي ذلك من الآيات كما ثبت في السنة، ولأن أبا بكر رضي الله عنه لما أنابه النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة لمرضه، ثم دخل في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي رفع يديه ودعا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على جواز الدعاء العارض أثناء الصلاة لأنه ذكر مشروع من جنس أذكار الصلاة، ولأن الصحابة رضي الله عنهم توسعوا في دعاء القنوت، وزادوا عليه فأدخلوا فيها الصلاة وغيره، مما يدل على أن الأمر واسع في هذا الباب.

 

والحاصل أن الإمام إذا كان يرى مشروعية ذلك، ويقتدي بقول عالم، فينبغي متابعته وعدم مخالفته أو الإنكار عليه كما كان كثير من أئمة السلف من الفقهاء والمحدثين لا ينكرون هذه المسائل، ويرون أن الخلاف سائغ لا يقتضي الإنكار والتدابر وترك الاجتماع على القيام لأجل ذلك، وهو أدب وفقه يَعزُب عن بعض الصالحين اليوم.

 

والصحيح أنه ليس هناك دعاء خاص لختمة القرآن ينبغي التزامه في جميع الأحوال لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه شيء مؤقت، وما يُنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية من دعاء الختمة مطعون فيه أنكره العلماء.

 

فيدعو الإنسان بما تيسر له من الدعاء، ويختار الأدعية الجامعة والمناسبة لفضل القرآن ومنزلته، والثناء على الله المتكلِّم به، ونحو ذلك، والأمر في هذا الباب واسع، لكن لا ينبغي له التزام ألفاظ وعبارات معينة في دعاء الختمة، واعتقاد نسبتها إلى الشرع والمحافظة عليها كالأذكار الشرعية الراتبة.

 

وقد كان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يُكثرون من ختم القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ولهم في ذلك أحوال عجيبة وإن كانوا في هذا الباب على مراتب، منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن يجمعهم العناية بتلاوة القرآن، وامتلاء صدورهم بتعظيم القرآن وعلو منزلته، حتى كان الفقيه الناسك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يترك صوم النفل لأنه يشغله عن تلاوة القرآن، وهذا من الفقه الدقيق الذي لا يُوفق إليه إلا من أوتي الحكمة ورُزق البصيرة في الدين.

 

وما عليه السلف الصالح من التنسك والاجتهاد مخالف لما عليه كثير من الناس في هذا الزمن من هجر القرآن وجفائه، والاعتياض عنه بالصحف والمجلات والروايات، حتى صار يأتي على الرجل سنون كثيرة وهو لم يختم القرآن ولا مرة، وكثير من الناس لا يختم إلا في رمضان والله المستعان.

ولا يليق بالمنتسبين للعلم والدعوة أن يزهدوا في تلاوة القرآن وختمه ويقصروا في هذا الباب العظيم الذي يُعد نورًا وهداية وزكاة وفرقانًا لطريقهم وسبيلهم، ولا يُقبل لهم عذر في هذا التفريط، ومن كان زاهدًا في القرآن والسنة كان أمره في سفال ودعوته في ريبة.

 

ويُستحب للإمام أن يعتني بختم القرآن في صلاة التراويح في رمضان، ويحرص على ذلك إن تيسر له، لأن رمضان شهر القرآن وقد ثبت في البخاري: «أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه»، فينبغي أن يُسمعهم جميع القرآن، يحرك قلوبهم ويبصرهم في الشرع لا سيما وإن كثيرًا من الناس هاجرٌ لكتاب الله مقصرٌ في معرفة أحكام التلاوة، لا يعرف القرآن إلا في هذا الشهر والله المستعان.

ويُشترط لصحة الختمة اتصال القراءة في الحكم، بأن يقصد القارئ حال قراءته الختمة، وبناء قراءته على القراءة السابقة سواء كانت القراءة داخل الصلاة أو خارجها، أو من المصحف أو عن ظهر قلب، أما إذا قرأ سورة منفردة، أو كررها للرقية أو التدبر أو تعلم التجويد أو الحفظ فلا تدخل قراءته هذه في الختمة، ولا تُعتبر منها كمن كرر سورة الإخلاص لنيل ثوابها الخاص، أو قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ونحو ذلك.

 

ويجوز أن تكون له ختمتان في الليل والنهار لأن باب التطوع واسع، لكن الأولى أن لا يشرع في ختمة إلا بعد الفراغ من الختمة الأولى.

 

ويُستحب للمسلم الحرص على الختمة في الأزمان الفاضلة والأماكن الفاضلة، واغتنام مواسم الخيرات بذلك، لأن العمل يتفاضل، وتلاوة القرآن من أَجَلّ الأعمال، وقد كان السلف يحرصون على ذلك إذا نزلوا مكة والمدينة.

 

والتحقيق أن ما يسمى بالختمة الجماعية بأن: يجتمع قوم كل واحد يقرأ جزءًا من القرآن في نفس الوقت أو متعاقبين إلى أن ينهوا القرآن ليس ذلك داخلًا في حُكم الختمة الواردة في الشرع، لأن التلاوة عبادة متصلة الأجزاء، يُشترط أن تصدر من مكلف معين لا من أكثر من واحد كالأذان والإقامة وغيرها من العبادات القولية، فلا يُشرع هذا العمل لأنه مخالف للسنة إلا إذا كان على سبيل التعليم والمذاكرة لا قصد ثواب الختمة.

 

خالد بن سعود البليهد عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day