1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. جذور كراهية عتيدة :2 الفاتيكان والقرآن (2/3)

جذور كراهية عتيدة :2 الفاتيكان والقرآن (2/3)

تحت قسم : مقالات و خواطر
3190 2012/08/14 2024/11/05
المقال مترجم الى : Français English

 

الفاتيكان والقرآن (2/3) 

 

 

بقلم دكتورة زينب عبد العزيز

استاذة الحضارة االفرنسية

2 ـ القرآن الكريم وتأليه يسوع

يمثل تأليه يسوع الحاجز الذى لا يمكن تخطيه أو الإلتفاف حوله الذى يفصل بين المسيحيين والمسلمين. ومن يقول "تأليه يسوع" يشير فى نفس الوقت إلى مرادفه "الثالوث" الذى لا ينفصل عنه بما أن الإثنان ممثلان عبارة لعقيدة واحدة. وقبل أن نتناول ما يقوله القرآن الكريم حول هذا "الكفر البواح" ، من الضرورى متابعة خط سير هذه العقيدة التى لم تنته حتى يومنا هذا من إثارة الإنقسامات و ردود الأفعال بين أتباع المسيحية ومؤسساتها، وهو ما يؤدى إلى قول أنه حينما تكون عقيدة ما منذ تكوينها وعلى مدى الفى عام لا تتمكن من أن يتبعها الجميع أو تثير كمّا من المعارك تصل حتى الإغتيالات ، فذلك يعنى أن هناك شئ لا يقبله العقل ..

وما من أحد يجهل أن كلمة "الثالوث" غير واردة فى العهد الجديد، ولا فى نصوص جماعة المسيحيين الأوائل. والكلمة اليونانية "ترياس" التى تعنى "ثلاثة" بالنسبة لأشخاص الثالوث  قد ظهرت لأول مرة حوالى عام 180 ، أى بعد صياغة الأناجيل ، والأب ترتوليان (150ـ220) هو الذى أدخل عبارة "الثالوث" ، بعد الصلب المزعوم بحوالى قرنين من الزمان. أما فكرة تأليه يسوع فظهرت فى آخر القرن الأول فى النصوص المسندة إلى يوحنا الذى جعل يسوع الله حينما قال : "فى البدء كانت الكلمة، الكلمة كانت مع الله، والله كان الكلمة".. وهى عبارة قد لعبت دورا كبيرا فى استتباب هذه العقيدة والمكانة التى تحتلها فى التراث المسيحى، وإن كان التحليل اللغوى لهذه العبارة يطيح بمصداقيتها.

وتجب ملاحظة أن رسالة التوحيد، منذ البداية، تفرّق تماما بين الرب والعبد : "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تثنية 6 : 4). كما يفرّق يسوع فى أكثر من عشر جمل تفرقة صريحة بينه وبين الله عز وجل. وقد بدأت المشاكل والمعارك منذ اللحظات الأولى لتحريف هذا التصعيد المطلق لله والإصرار الغريب لفرض شئ آخر.. فمن المعروف أنه فى مجمع نيقية الأول (325) الذى فرض عقيدة التأليه هذه ، كان هناك 130 مذهبا مختلفا فى المسيحية !

ويحاول القاموس النقدى للاهوتشرح : "أن الثالوث سر إله واحد فى ثلاثة أشخاص : الآب ، والإبن ، والروح القدس المعترف بوحدتهم فى طبيعة واحدة ، أو جوهر واحد ، أو كيان واحد " ، بينما يضيف القاموس الصغير للاهوت الكاثوليكى : "أنه سر لا يُعرف إلا بالكشف ، وحتى الكشف لا  يمكّن العقل المخلوق من أن يفهمه " ! أى إن الشخص الذى لم يحصل له كشفا غيبيا يظل على عدم فهمه !!

وتمتد قائمة المعترضين على تأليه يسوع ويصعب حصرها هنا ، فالأسقف آريوس عاش فى القرن الرابع، وقد أدانه مجمع نيقية الأول (325) وإتهمه بالهرطقة ، لأنه كان يصر على شرح الفرق بين الآب والإبن. وقد عرف تياره الفكرى ، الرافض لتأليه يسوع ، إنتشارا واسعا ولا يزال مستمرا ، بل ونجم عنه عدة تيارات أخرى ترفض أيضا تأليه يسوع ، ومنها الكنيسة الوحدوية ، وكنيسة الرب ، والعِلم المسيحى، وأتباع يسوع ، وكنيسة الرب العالمية ، وأتباع أنطوان ، وشهود يهوة ، وجمعية دارسى الكتاب المقدس وغيرها ... ولا نقول شيئا عن الكنيسة الهولندية التى إستبعدت عقيدة الثالوث تماما من تراثها الكنسى سنة 1966 لأنها "غير مفهومة" ..

وفى محاولة لفرض ما لا يقبله العقل البشرى ، لكل إنسان يستعين منطقيا بعقله ، قام القديس أغسطين بتمضية ستة عشر عاما من عمره ، من سنة 400 إلى 416 ، لكتابة بحث مكون من 15 مجلدا يشرح فيها عقيدة الثالوث .. ورغم كل هذه المجلدات والعديد غيرها أدت معركة بنوة يسوع كإبن لله ، وهى من أهم المعارك التى نجمت فى القرن الثامن بين الكنيسة الرومية والكنيسة اليونانية ، وإنتهت إلى الإنقسام الكبير فى الشرق سنة 1054 الذى أدى إلى الفصل بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأورثوذكسية ، إذ أن كلا منهما تود تحديد ممن أيهما ينبثق الروح القدس ، من الله أم من المسيح !

ومن غير المجدى معرفة عدد ضحايا الكنائس المختلفة فى هذه المعارك وطوال مسيرة هذا التحريف ، ويكفى أن نقفذ إلى القرن السادس عشر ونذكر مثال ميشيل سيرڤيه ، عالم اللاهوت والطبيب الأسبانى ، المولود سنة 1511 ، الذى تم قتله حرقا وهو حىّ يوم 27 أكتوبر 1553 فى مدينة ݘينيڤ بسويسرا ، على محرقة محاكم التفتيش ، بناء على قرار المجلس الأعلى للمدينة ، وذلك لأنه كان يرفض عقيدة التثليث "التى لا أثر لها فى الكتاب المقدس وناجمة عن التعاليم الخاطئة للفلاسفة اليونان" كما كان يقول .. ويعلم الله وحده عدد ضحايا هذه الفرية على مر العصور .

وقبل أن نتناول ما يقوله القرآن الكريم ، وهو الدليل الإلهى المنزّل ضد هذا التحريف ، نوضح أن القرآن يحتوى على 6236 آية ، وأن ثلث هذه الآيات ، أى حوالى 2078 آية منها تتناول موضوع أهل الكتاب ، والكفر ، والشرك بالله ، والثالوث ، والتحريف الخ. أى أن الآيات التالية عبارة عن مجرد أمثلة من بين العديد غيرها :

*  "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا / لقد جئتم شيئا إدا / تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا / أن دعوا للرحمن ولدا / وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولداً" (مريم 88ـ92) ؛

"... ومن يُشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق " (الحج :31) ؛

*  "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح عيسى بن مريم ..." (الآية ، المائدة : 17) ؛

*  "لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ..." (الآية ، المائدة 73) ؛

*  "وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله ..." (الآية ، إبراهيم 30) ؛

*  "ما المسيح ابن مريم ألا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنّى يؤفكون" (المائدة : 75) ؛

*  "وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا / ما لهم به من علم ولا لأبائهم كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" (الكهف : 4ـ5) ؛

*  "قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا" (مريم : 30)

وهنا من المهم أن نورد مباشرة ما تقوله الأناجيل أو حتى يسوع نفسه، لأن العقائد التى تم نسجها عبر المجامع والتى تضع يسوع على قدم المساواة مع الله، يتم تفنيدها بالجُمل الآتية :

*  "قالت له إمرأة : يا سيدى ، أرى أنك نبى" (يوحنا 4 :19) ؛

*  "فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع قالوا : إن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم" (يوحنا 6 : 14) ؛

*  "فأخذ الجميع خوف ، ومجدوا الله قائلين : قد قام فينا نبى عظيم ، وافتقد الله شعبه" (لوقا 7 :16)؛

*  "فقال لهما : ماهى ؟ فقالا : المختصة بيسوع الناصرى ، الذى كان إنسانا نبيا مقتدرا فى الفعل والقول أمام الله وجميع الشعوب" (لوقا 24 : 19) ؛

*  "ولما دخل أورشليم إرتجت المدينة كلها قائلة من هذا فقالت الجموع : هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل" (متى 21 : 10ـ11) ؛

*  "فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا : هذا بالحقيقة هو النبى" (يوحنا 7 : 40).

ولا داعى للإشارة إلى أن صفة "النبى" الواردة فى كل الأناجيل تثبت أنها المفهوم العام السائد الذى كان الناس يعرفونه عن ذلك المرسل من الله. بل والأأكثر من ذلك ، أن يسوع ، مثله مثل كل الأنبياء ، يقول فى القرآن الكريم أنه كان يقوم بالمعجزات بأمر الله وليس بواسطة أى شئ آخر :

*"ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله  وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية إن كنتم مؤمنين" (آل عمران : 49)

ويرد نفس التحديد لهذه الرسالة والأعمال التى كان يقوم بها بإذن الله وارد فى سورة المائدة آية 110 ، ولا تقول الأناجيل شئ آخر مخالف ، إذ نطالع فى أعمال الرسل (2 : 22) :

* "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه القوال : يسوع الناصرى رجل قد تبرهن لكم من قِبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده فى وسطكم ، كما أنتم أيضا تعلمون" ؛

فهل يمكن لشخص أن يكون أكثر وضوحا ؟ بالفعل ، إن يسوع الإنسان والنبى العظيم ، كان يقوم بالمعجزات وبالأعمال العظيمة بإرادة الله سبحانه وتعالى وبرغبته عز وجل ، الذى ليس كمثله شئ خالق السماوات والأرض..

أما عن الطبيعة البشرية ليسوع فهو ذاته الذى يحدد قائلا :

*  "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى ، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله. هذا لم يعمله إبراهيم" (يوحنا 8 : 40) .

ومن المحرج قول أن كل تاريخ الكنيسة قائم على كمّ مهول من الأساطير التى تضعها فى تناقض مباشر مع النصوص. فهى تلغى كلام النصوص لصالح تثبيت تراثها وطموحها فى تنصير العالم للحفاظ على سلطتها. وتقوم بطرد وحرمان كل من لا يتقبل عقائدها ، الغريبة عن الكتاب المقدس ، وذلك لتسهيل عملية إجتذاب أتباع جدد.. فكممن الوصايا والتعاليم قامت بتغييرها ، ولا نذكر على سبيل المثال إلا : إلغاء الختان الذى أراده الله عهدا أزليا ؛ فرض الثالوث ، السائد مفهومه فى الكثير من الحضارات القديمة؛ إلغاء الوصية الثانية من الوصايا العشر وإدخال بدعة عبادة الأيقونات لفرض ما تقوم به من تحريف عن طريق الفن وجعله "إنجيلا للأميين" (وفقا لقرار مجمع نيقية الثانى 787) !!

وقد قام الباحث شارل ڤودييه ، فى كتابه المعنون قضية المسيحية(1933) الذى لخّص فيه تقريبا كل إعتراضات القرآن الكريم ، معتبرا المسيحية الحالية عبارة عن عملية نصب على الشعوب "فهى تهدف من خلال اللؤم والأكاذيب إلى تحقيق مشروعها للسيطرة على العالم". موضحا كيف تطورت الكنيسة بالأكاذيب : بتزوير نصوصها ؛ وبالرهبة : بتهديد كل من يرفض طاعتها ؛ وبالعنف : بالحروب الصليبية، والحروب الدينية ، ومجزرة سان برتلمى ، والإغتيالات ، وعصر الرعب الأبيض ، والحروب التى أشعلتها بين الشعوب ؛ وبالثروات : باستيلائها بأقبح الوسائل على الثروات العامة والخاصة..

لذلك يقول القرآن الكريم :

*  "إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد افترى اإثما عظيما" (النساء : 47).

ومن أجل وضع حدا لكل هذا التحريف ، ولإنهاء كل المجازر الناجمة عنه ، وكل المعارك ، وتقديم حلا منطقيا ، يقدم القرآن الكريم ما يجب عمله للخروج من هذه المشكلة وذلك الكذب الذى امتد عشرون قرنا حول الإنسان الإله ، الكامل وغير الكامل ، المخلوق وغير المخلوق ، الجاهل والعليم ، المسامح وغير المسامح الخ .. لأنه من العار للإنسانية أن تنحنى طوال كل تلك القرون لهذا الكمّ من الأكاذيب ، وقال تعالى :

*  " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضُنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنّا مسلمون" (آل عمران : 64).

وأن يكون المرء مسلما فذلك يعنى أن يسلّم أمره تماما إلى الله ، بكل إطمئنان وثقة فى إرادة الله. إن وضوح تعاليم الإسلام التى تم الحفاظ عليها سليمة منذ أنزلها المولى عز وجل حتى يومنا وإلى يوم الدين، لا تتضمن أية شعوذة فرضتها الظلمات ، ولا توجد به وساطة بين الإنسان وربه ،  ولا تاريخ تم توضيبه وإعادة صياغته وضبطه أو تحريفه ،لا يوجد مخلص أو وساطة منسوجة أو مختلقة ! لا يوجد بالإسلام أى من هذه الخزعبلات الكهنوتية.. لا يوجد به إلا الإختيار الواضح بين الخير والشر ، وبين الحلال والحرام ، بين الطريق المستقيم الذى تم شرحه بوضوح والإلتفاف المعوّج .. إنه إختيار متواصل يقوم به كل مسلم ، ويضعه هذا الإختيار وحده أمام الخالق ، وليس معه سوى عمله ، الذى اختاره بمحض إرادته ، لتتم محاسبته فى اليوم الآخر .. ذلك هو الإسلام.

أما الفاتيكان ، فقد رفض اليد الممدودة فى الاية الكريمة ، وآثر الحفاظ على تحريفه ، وأصدر فى مجمعه المسكونى الثانى عام 1965 قرار تنصير العالم ..وإن كان هذا القرار الظالم قد بدأ بصيغة مضغمة تقول : "توصيل الإنجيل لكافة البشر" .. فيكفى الآن أن نطالع المواقع الإلكترونية الخاصة بالفاتيكان أو بالعديد من المواقع المسيحية لنرى كم الكراهية المقززة المهينة ، التى يحثون بها الأتباع للمساهمة فى هذه المعركة التى يعدون لها !

وإلى كل هؤلاء المحرّفين ، اإلى كل المزيفين الكفرة على مر التاريخ الممتد عشرون قرنا تقريبا ، نقول أن هناك آيات فى القرآن الكريم موجهة إلى المؤمنين ، عل قراءتها تعاونهم على أن يروا بوضوح ، بدلا من تجييش كل أتباعهم بالغش والخداع ، وبدلا من إشعال كراهية لن تأكل إلا مشعليها :

*  "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا  أنفسهم وما يشعرون" (آل عمران : 69)

*  "قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عماتعملون" (آل عمران : 99) ؛

*  "قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" (المائدة : 59) ؛

*  "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون" (التوبة : 32).

 

 1 أغسطس 2012

 

 

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day