البحث
سلاحه و خاتمه - صلى الله عليه وسلم-
عن أنس - رضي الله عنه- قال : (كان النبي- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم- قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول :(لم تراعوا، لم تراعوا) وهو على فرس لأبي طلحة عريّ ما عليه سرج، في عنقه سيف فقال : لقد وجدته بحراً أو إنه لبحر)(1). عن عبد الله بن الزبير بن العوام - رضي الله عنه- قال: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، قال الزبير- رضي الله عنه- فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول : (أوجب طلحة)(2). وعن أنس- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم-:(أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي فقيل إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خاتما حلقة فضة، ونقش فيه محمد رسول الله)(3). كثيراً ما تكون القوّة النافذة، والآلة الحربية المتطوّرة سبباً لطغيان الأمم وسطوتها على غيرها؛ لتحقق أكبر قدر من الثروات وانتهاك الحرمات! ما دام أن الحكم والقانون مستمدان من إله الهوى والمادة. وفي رحاب الإسلام تقترن القوة بالعدل في تلازم دائم، وتكامل متّزن، منبثق من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي يدعو إلى ابتغاء سبل القوة، واتخاذ العدة المرهبة للعدو، إلى جانب العناية بالضوابط الشرعية لها، ووضعها في مواضعها المناسبة، متوخّيا العدل والحق، فحينما حمل السيف، واتخذ الدرع، وخاض الغزوات، محرزاً انتصارات عظيمة، وفتوحاً كبيرة، لم تغره نشوة الفرح بالعدوان واستباحة ما حرم الله تعالى مع من حارب الله ورسوله، ممتثلاً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(4). هذا الميزان الرباني العظيم الذي أقامه المولى -سبحانه- تجسّد في خلق النبي - صلى الله عليه وسلم- مع أعدائه في الحرب والسلم، والغضب والرضا، والمكره والمنشط، مسطراً أروع صور العزة والبسالة، والإقدام والعدالة. و كان - صلى الله عليه وسلم - بحراً... في غزارة قوته، واتساع أفقه، وعمق خبرته، وروعة عزيمته وتوكّله!. بحراً... في الثبات عند الفتن، والصبر حين المحن، وتحقيق أدب الحرب، وتأصيل الخبرات العسكرية الفذّة، وإعداد الجيوش المنظّمة. متخذاً بأس السيف وحدّته، ورمي السهم وسرعته، و ما استطاعه من قوّة ومن رباط الخيل! كأفضل سلاح ومركب عرفه الناس في عصره، مع الإفادة من خطط فارس، وحضارة كسرى وقيصر في الصناعة كاتخاذ الخاتم، وإضافة الطابع الإسلامي الذي يميّز حامله بنقش (محمد رسول الله). و م يتخلّى عن اتخاذ الأسباب المعينة على النصر، القاهرة للعدو، اتّكالاً على عصمة الله له، وشرفه عند ربه -سبحانه-. إن الأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى أن تعود لله حقّاً، وتصدق إيمانها به، وتحقق التقوى، كما عليها أن تقتبس من هدي نبيها -صلى الله عليه وسلم- القيم الحضارية الحربية، ومنهج الإعداد والتسلّح بكلّ أنواع القوة العلمية والعملية؛ لتبني مجدها، وتبسط عزها، وترغم أعداءها على احترام كيانها، وسلامة أوطانها. كما أوصى ربنا تبارك وتعالى في كتابه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ...)(5) (1) صحيح البخاري (5686). (2) المستدرك على الصحيحين (5602)، سنن الترمذي (1692). (3) صحيح مسلم (2092). (4) سورة المائدة، الآية(8). (5) سورة الأنفال، الآية(60).