البحث
فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم
فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم وهو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيله وأشرف الأفخاذ فخذه فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان إلى ها هنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم ( لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) هود 70 71 فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه ولا ريب أن يعقوب عليه السلام داخل في البشارة فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد وهذا ظاهر الكلام وسياقه فإن قيل لو كان الأمر كما ذكرتموه لكان يعقوب مجرورا عطفا على إسحاق فكانت القراءة ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) أي ويعقوب من وراء إسحاق قيل لا يمنع الرفع أن يكون يعقوب مبشرا به لأن البشارة قول مخصوص وهي أول خبر سار صادق وقوله تعالى ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) جملة متضمنة لهذه القيود فتكون بشارة بل حقيقة البشارة هي الجملة الخبرية ولما كانت البشارة قولا كان موضع هذه الجملة نصبا على الحكاية بالقول كأن المعنى وقلنا لها من وراء إسحاق يعقوب والقائل إذا قال بشرت فلانا بقدوم أخيه وثقله في أثره لم يعقل منه إلا بشارته بالأمرين جميعا هذا مما لا يستريب ذو فهم فيه البتة ثم يضعف الجر أمر آخر وهو ضعف قولك مررت بزيد ومن بعده عمرو ولأن العاطف يقوم مقام حرف الجر فلا يفصل بينه وبين المجرور كما لا يفصل بين حرف الجار والمجرور ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه لما ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة الصافات قال (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين) الصافات 103 111 ثم قال تعالى ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) الصافات112 فهذه بشارة من الله تعالى له شكرا على صبره على ما أمر به وهذا ظاهر جدا في أن المبشر به غير الأول بل هو كالنص فيه
فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا فلما بلغ خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة فوصل إلى بصرى ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد وقيل تزوجها وله ثلاثون سنة وقيل إحدى وعشرون وسنها أربعون وهي أول إمرأة تزوجها وأول إمرأة ماتت من نسائه ولم ينكح عليها غيرها وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها ثم حبب الله إليه الخلوة والتعبد لربه وكان يخلو ب غار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد وبغضت إليه الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك فلما كمل له أربعون أشرق عليه نور النبوة وأكرمه الله تعالى برسالته وبعثه إلى خلقه واختصه بكرامته وجعله أمينه بينه وبين عباده ولا خلاف أن مبعثه كان يوم الإثنين واختلف في شهر المبعث فقيل لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل هذا قول الأكثرين وقيل بل كان ذلك في رمضان واحتج هؤلاء بقوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) البقرة 185 قالوا أول ما أكرمه الله تعالى بنبوته أنزل عليه القرآن وإلى هذا ذهب جماعة منهم يحيى الصرصري حيث يقول في نونيته
والأولون قالوا إنما كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة ثم أنزل منجما بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة وقالت طائفة أنزل فيه القرآن أي في شأنه وتعظيمه وفرض صومه وقيل كان ابتداء المبعث في شهر رجب وكمل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة إحداها الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح الثانية ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته الثالثة أنه كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا الرابعة أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها ولقد جاءه الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها الخامسة أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم 7 13 السادسة ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها السابعة كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى ابن عمران وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا هو في حديث الإسراء وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحا من غير حجاب وهذا على مذهب من يقول إنه رأى ربه تبارك وتعالى وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعا للصحابة |