1. المقالات
  2. الجزء الاول_زاد المعاد
  3. فصل في هديه في سفره وعبادته فيه

فصل في هديه في سفره وعبادته فيه

3697 2007/11/22 2024/12/10

 
فصل في هديه في سفره وعبادته فيه


كانت أسفاره دائرة بين أربعة أسفار سفره لهجرته وسفره للجهاد وهو أكثرها وسفره للعمرة وسفره للحج وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه ولما حج سافر بهن جميعا وكان إذا سافر خرج من أول النهار وكان يستحب الخروج يوم الخميس ودعا الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم ونهى أن يسافر الرجل وحده وأخبر أن الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب وذكر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر للهم إليك توجهت وبك اعتصمت اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها يقول بسم الله حين يضع رجله في الركاب وإذا استوى على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يقول الحمدلله الحمدلله الحمدلله ثم يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم يقول سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وكان يقول اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا الأودية سبحوا

 

 

وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أظللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها وذكر عنه أنه كان يقول اللهم إني أسألك من خير هذه القرية وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة وأما حديث عائشة أن النبي كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم فلا يصح وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هو كذب على رسول  الله انتهى وقد روي كان يقصر وتتم الأول بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق وكذلك يفطر وتصوم أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين قال شيخنا ابن تيمية وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم كيف والصحيح عنها أنها قالت إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي والمسلمين معه قلت وقد أتمت عائشة بعد موت النبي قال ابن عباس وغيره إنها تأولت كما تأول عثمان وإن النبي كان يقصر دائما فركب بعض الرواة من الحديثين حديثا وقال فكان رسول الله يقصر وتتم هي فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم أي هو والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر فإذا زال الخوف زال سبب القصر وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي سافر آمنا وكان يقصر الصلاة والآية قد أشكلت على عمر وعلى غيره فسأل عنها رسول الله فأجابه بالشفاء وأن هذا صدقة من الله وشرع شرعه للأمة وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد وإن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف وغايته أنه نوع تخصيص للمفهوم أو رفع له وقد يقال إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين وقيد ذلك بأمرين الضرب في الأرض والخوف فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورة عددها وأركانها وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده

 

 

فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفي العدد وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية فإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفى الأركان وسميت صلاة أمن وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد وقد تسمى تامة باعتبار إتمام أركانها وأنها لم تدخل في قصر الآية والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين والثاني يدل عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما قالت عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع وإنما هي مفروضة كذلك وأن فرض المسافر ركعتان وقال ابن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة وانفرد مسلم بحديث ابن عباس وقال عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان والجمعة ركعتان والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد وقد خاب من افترى وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه وهو الذي سأل النبي ما بالنا نقصر وقد أمنا فقال له رسول الله صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته ولا تناقض بين حديثيه فإن النبي لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس فقال صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح فإن شاء المصلي فعله وإن شاء أتم وكان رسول الله يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين ولم يربع قط إلا شيئا فعله في بعض صلاة الخوف كما سنذكره هناك ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى

 

 

وقال أنس خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة متفق عليه ولما بلغ عبدالله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات قال إنا لله وإنا إليه راجعون صليت مع رسول الله بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان متفق عليه ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما بل الأولى على قول وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال صحبت رسول الله فكان في السفر لا يزيد على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان يعني في صدر خلافة عثمان وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه وقد خرج لفعله تأويلات أحدها أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي فكانوا حديثي عهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب ومع هذا فلم يربع بهم النبي التأويل الثاني أنه كان إماما للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته فكأنه وطنه ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله كان هو أولى بذلك وكان هو الإمام المطلق ولم يربع التأويل الثالث أن منى كانت قد بنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله بل كانت فضاء ولهذا قيل له يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتا يظلك من الحر فقال لا منى مناخ من سبق فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر ورد هذا التأويل بأن النبي أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة التأويل الرابع أنه أقام بها ثلاثا وقد قال النبي يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثة فسماه مقيما والمقيم غير مسافر ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر وقد أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة التأويل الخامس أنه كان قد عزم على الإقامة والإستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة فلهذا أتم ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة وهذا التأويل أيضا مما لا يقوى فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين وقد منع المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكهم ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي من ذلك وإنما رخص فيها ثلاثا وذلك لأنهم تركوها لله وما ترك لله فإنه لا يعاد فيه ولا يسترجع ولهذا منع النبي من شراء المتصدق لصدقته وقال لعمر لا تشترها ولا تعد في صدقتك فجعله عائدا في صدقته مع أخذها بالثمن التأويل السادس أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم ويروي في ذلك حديث مرفوع عن النبي فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن ابن أبي ذباب عن أبيه قال صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإني سمعت رسول الله يقول إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها مقيم رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وعبدالله بن الزبير الحميدي في مسنده أيضا وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم

 

 

 قال أبو البركات ابن تيمية ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان وقد اعتذر عن عائشة أنها كانت أم المؤمنين فحيث نزلت كان وطنها وهو أيضا اعتذار ضعيف فإن النبي أبو المؤمنين أيضا وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ولم يكن يتم لهذا السبب وقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي قال الشافعي رحمه الله لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتمها عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم وقد قالت عائشة كل ذلك قد فعل رسول الله أتم وأقصر ثم روى عن إبراهيم ابن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت كل ذلك فعل النبي قصر الصلاة في السفر وأتم وقصر ثم روى عن قال البيهقي وكذلك رواه المغيرة بن زياد عن عطاء وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي عن الدارقطني عن المحاملي حدثنا سعيد ابن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمر بن سعيد عن عطاء عن عائشة أن النبي كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم قال الدارقطني وهذا إسناد صحيح ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري عن عباس الدوري أنبأنا أبو نعيم حدثنا العلاء بن زهير حدثني عبدالرحمن بن الأسود عن عائشة أنها اعتمرت مع النبي من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت قال أحسنت يا عائشة وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب كيف وهي القائلة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله وأصحابه قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك فما شأنها كانت تتم الصلاة فقال تأولت كما تأول عثمان فإذا كان النبي قد حسن فعلها وأقرها عليه فما للتأويل حينئذ وجه ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير وقد أخبر ابن عمر أن رسول الله لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ولا أبو بكر ولا عمر أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم وهي تراهم يقصرون وأما بعد موته فإنها أتمت كما أتم عثمان وكلاهما تأول تأويلا والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم وقد قال أمية بن خالد لعبدالله بن عمر إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن فقال له ابن عمر يا أخي إن الله بعث محمدا ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا محمدا يفعل وقد قال أنس خرجنا مع رسول الله إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة وقال ابن عمر صحبت رسول الله فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وهذه كلها أحاديث صحيحة

 

 


فصل


وكان من هديه في سفره الإقتصار على الفرض ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإنه لم يكن ليدعهما حضرا ولا سفرا قال ابن عمر وقد سئل عن ذلك فقال صحبت النبي فلم أره يسبح في السفر وقال الله عز وجل (   لقد كان لكم  في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب 21 ومراده بالتسبيح السنة الراتبة وإلا فقد صح عنه أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه وفي الصحيحين عن ابن عمر قال كان رسول الله يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت يومىء إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته قال الشافعي رحمه الله وثبت عن النبي أنه كان يتنفل ليلا وهو يقصر وفي الصحيحين عن عامر بن ربيعة أنه رأى النبي يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته فهذا قيام الليل
وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن التطوع في السفر فقال أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس وروي عن الحسن قال كانأصحاب رسول الله يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها وروي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وأنس وابن عباس وأبي ذر وأما ابن عمر فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها إلا من جوف الليل مع الوتر وهذا هو الظاهر من هدي النبي أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئا ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها فهو كالتطوع المطلق لا أنه سنة راتبة للصلاة كسنة صلاة الإقامة ويؤيد هذا أن الرباعية قد خففت إلى ركعتين تخفيفا على المسافر فكيف يجعل لها سنة راتبة يحافظ عليها وفد خفف الفرض إلى ركعتين فلولا قصد التخفيف على المسافر وإلا كان الإتمام أولى به ولهذا قال عبدالله بن عمر لو كنت مسبحا لأتممت وقد ثبت عنه أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات ضحى وهو إذ ذاك مسافر وأما ما رواه أبو داود والترمذي في السنن من حديث الليث عن صفوان بن سليم عن أبي بسرة الغفاري عن البراء بن عازب قال سافرت مع رسول الله ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين عند زيغ الشمس قبل الظهر قال الترمذي هذا حديث غريب قال وسألت محمدا عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد ولم يعرف اسم أبي بسرة ورآه حسنا وبسرة بالباء الموحدة المضمونة وسكون السين المهملة وأما حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها فرواه البخاري في صحيحه ولكنه ليس بصريح في فعله ذلك في السفر ولعلها أخبرت عن أكثر أحواله وهو الإقامة والرجال أعلم بسفره من النساء وقد أخبر ابن عمر أنه لم يزد على ركعتين ولم يكن ابن عمر يصلي قبلها ولا بعدها شيئا والله أعلم

 

 

 


فصل


وكان من هديه صلاة التطوع على راحلته حيث توجهت به وكان يومىء إيماء برأسه في ركوعه وسجوده وسجوده أخفض من ركوعه وروى أحمد وأبو داود عنه من حديث أنس أنه كان يستقبل بناقته القبلة عند تكبيرة الإفتتاح ثم يصلي سائر الصلاة حيث توجهت به وفي هذا الحديث نظر وسائر من وصف صلاته على راحلته أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام ولا غيرها كعامر بن ربيعة وعبدالله بن عمر وجابر بن عبدالله وأحاديثهم أصح من حديث أنس هذا والله أعلم

 


وصلى على الراحلة وعلى الحمار إن صح عنه وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر وصلى الفرض بهم على الرواحل لأجل المطر والطين إن صح الخبر بذلك وقد رواه أحمد والترمذي والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله على راحلته فصلى بهم يومىء إيماء فجعل السجود أخفض من الركوع قال الترمذي حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح وثبت ذلك على أنس من فعله

 

 


فصل


وكان من هديه أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب وكان إذا أعجله السير أخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء وقد روي عنه في غزوة تبوك أنه كان إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر فيصليهما جميعا وكذلك في المغرب والعشاء لكن اختلف في هذا الحديث فمن مصحح له ومن محسن ومن قادح فيه وجعله موضوعا كالحاكم وإسناده على شرط الصحيح لكن رمي بعلة عجيبة قال الحاكم حدثنا أبو بكر بن محمد ابن أحمد بن بالويه حدثنا موسى بن هارون حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ويصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب قال الحاكم هذا الحديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن ثم لا نعرف علة نعله بها فلو كان الحديث عن الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث ولو كان عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل لعللنا به فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولا ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عن أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي الطفيل فقلنا الحديث شاذ وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال كان قتيبة بن سعيد يقول لنا على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه ثم لم يبلغنا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث علة ثم قال فنظرنا فإذا الحديث موضوع وقتيبة ثقة مأمون ثم ذكر بإسناده إلى البخاري قال قلت لقتيبة بن سعيد مع من كتبت عن الليث ابن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل قال كتبته مع خالد ابن القاسم أبي الهيثم المدائني قال البخاري وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ ..

 

 

قلت وحكمه بالوضع على هذا الحديث غير مسلم فإن أبا داود رواه عن يزيد بن خالد بن عبدالله بن موهب الرملي حدثنا المفضل بن فضالة عن الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ فذكره فهذا المفضل قد تابع قتيبة وإن كان قتيبة أجل من المفضل واحفظ قد تابع قتيبة أجل من المفضل وأحفظ لكن زال تفرد قتيبة به ثم إن قتيبة صرح بالسماع فقال حدثنا ولم يعنعن فكيف يقدح في سماعه مع أنه بالمكان الذي جعله الله به من الأمانة والحفظ والثقة والعدالة وقد روى إسحاق بن راهويه حدثنا شبابة حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر ثم ارتحل وهذا إسناد كما ترى وشبابة هو شبابة بن سوار الثقة المتفق على الإحتجاج بحديثه وقد روى له مسلم في صحيحه عن الليث ابن سعد بهذا الإسناد على شرط الشيخين وأقل درجاته أن يكون مقويا لحديث معاذ وأصله في الصحيحين لكن ليس فيه جمع التقديم ثم قال أبو داود وروى هشام عن عروة عن حسين بن عبدالله عن كريب عن ابن عباس عن النبي نحو حديث المفضل يعني حديث معاذ في جمع التقديم ولفظه عن حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن عباس عن كريب عن ابن عباس أنه قال ألا أخبركم عن صلاة النبي في السفر كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال وإذا سافر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر قال وأحسبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك ورواه الشافعي من حديث ابن أبي يحيى عن حسين ومن حديث ابن عجلان بلاغا عن حسين قال البيهقي هكذا رواه الأكابر هشام بن عروة وغيره عن حسين ابن عبدالله ورواه عبدالرزاق عن ابن جريج عن حسين عن عكرمة وعن كريب كلاهما عن ابن عباس ورواه أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس قال ولا أعلمه إلا مرفوعا وقال إسماعيل بن إسحاق حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس قال حدثني أخي عن سليمان بن مالك عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس قال كان رسول بالله إذا جد به السير فراح قبل أن تزيغ الشمس ركب فسار ثم نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا لم يرح حتى تزيغ الشمس جمع بين الظهر والعصر ثم ركب وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاة المغرب جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء قال أبو العباس بن سريج روى يحيى بن عبد الحميد عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال كان رسول الله إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا فإذا لم تزغ أخرها حتى يجمع بينهما في وقت العصر قال شيخ الإسلام ابن تيمية ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف ليتصل وقت الدعاء ولا يقطعه بالنزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة فالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى قال الشافعي وكان أرفق به يوم عرفة تقديم العصر لأن يتصل له الدعاء فلا يقطعه بصلاة العصر وأرفق بالمزدلفة أن يتصل له المسير ولا يقطعه بالنزول للمغرب لما في ذلك من التضييق على الناس والله أعلم

 

 


فصل


ولم يكن من هديه الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من الناس ولا الجمع حال نزوله أيضا وإنما كان يجمع إذا جد به السير وإذا سار عقيب الصلاة كما ذكرنا في قصة تبوك وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة لأجل اتصال الوقوف كما قال الشافعي رحمه الله وشيخنا ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفة وجعله من تمام النسك ولا تأثير للسفر عنده فيه وأحمد ومالك والشافعي جعلوا سبب السفر ثم اختلفوا فجعل الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل ولم يجوزاه لأهل مكة وجوز مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنه لأهل مكة الجمع والقصر بعرفة واختارها شيخنا وأبو الخطاب في عباداته ثم طرد شيخنا هذا وجعله أصلا في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره كما هو مذهب كثير من السلف وجعله مالك وأبو الخطاب مخصوصا بأهل مكة ولم يحد لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض كما أطلق لهم التيمم في كل سفر وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شيء البتة والله أعلم


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day