البحث
قتل كعب بن الأشرف
كان أحد يهود بني النضير يقود حربًا ضروسًا ضد المسلمين، وليس قبيلة بني النضير بكاملها، وكان اسمه كعب بن الأشرف، وهو من قادة وزعماء بني النضير، وكان يصرِّح بسبِّ الله وسبِّ الرسول الكريم ، وينشد الأشعار في هجاء الصحابة ، ولم يكتفِ بهذا الأمر، بل إنه ذهب ليؤلِّب القبائل على الدولة الإسلامية، وذهب أيضًا إلى مكة المكرمة، وألّب قريشًا على المسلمين، وبدأ يذكِّرهم ويتذاكر معهم قتلاهم في بدر، بل فعل ما هو أشد من ذلك وأنكى -وهو كما نعرف من اليهود ويعلم أن الرسول مُرسَل من رب العالمين- فعندما سأله القرشيون وهم يعبدون الأصنام، قالوا له: "أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأيُّ الفريقين أهدى سبيلاً؟"
فقال الكافر: "أنتم أهدى منهم سبيلاً"[1].
وفي ذلك أنزل الله : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء: 51].
وهذا الكلام الذي قاله كعب لقريش شجَّعهم على حرب المسلمين، بل فعل هذا الكافر أمورًا تخرج عن أدب العرب وعن فطرتهم، سواء في إسلامهم أو في جاهليتهم، فقد بدأ يتحدث بالفاحشة في أشعاره عن نساء الصحابة، رضي الله عنهن وعن أزواجهن جميعًا.
ارتكب كعب بن الأشرف -إذن- مجموعة من الجرائم والمخالفات الصريحة والواضحة للمعاهدة بينه وبين الرسول ؛ لأنه كان من نصوص المعاهدة ألا تُجار قريش ولا تُنصر على المسلمين، وقد كان ما فعله كعب كفيلاً بأن يأخذ النبي قرارًا في منتهى الحسم، وهو قرار قتل كعب بن الأشرف، فقال : "مَنْ لِي بِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟".
فقام محمد بن مسلمة وعباد بن بشر وأبو نائلة والحارث بن أوس ومجموعة من الأوس ، وقرروا القيام بهذه المهمة، وأدوها على أحسن وجه، وبهذا تخلصت الدولة الإسلامية من أحد ألدِّ أعدائها، وهو كعب بن الأشرف.
السيئة لا تعمُّ عند رسول الله
لماذا قتل الرسول كعب بن الأشرف وحده دون قبيلته، بينما في بني قينقاع أخرج القبيلة بكاملها عندما خالفت؟
الفرق بين الموقفين أن قبيلة بني قينقاع كانت تجاهر بالعداء كقبيلة، وكان موقفها العدائي واضحًا وصريحًا مع الرسول ومع المسلمين، بينما لم تجاهر قبيلة بني النضير بهذا العداء إلى هذه اللحظة، بل إنهم بعد قتل كعب بن الأشرف جاءوا إلى الرسول يقرُّون العهد ويطيلون المدة. إذن فالعداء الظاهر هنا في هذا الموقف من كعب بن الأشرف كان عداءً فرديًّا، والسيئة عند رسول الله لا تَعُمّ.
اليهود والانحراف الجنسي
يظهر من خلال مواقف بني قينقاع وكعب بن الأشرف مدى الانحراف الجنسي ومحاولة إثارة الغرائز واستخدام ذلك في إفساد الأرض؛ ففي قصة المرأة حاولوا كشف وجهها، ثم بعد ذلك كشفوا عورتها، وفي قصة كعب بن الأشرف نجده يتحدث عن نساء الصحابة رضي الله عنهن؛ يتحدث بالفاحشة وبما لا يستقيم مع صاحب فطرة سليمة، فكانت هذه إحدى طرق اليهود التي استخدموها قبْل النبي وفي عصره وبعده، كما فشا فيهم الزنا.
قال : "أَوَّلُ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"[2].
وكان هذا شيئًا عامًّا في تاريخهم وإلى الآن؛ فمعظم وسائل الإعلان من سينما وغيرها من برامج وأفلام إباحية تمتّ بصلة قوية إلى اليهود، فأكثر من 50 % من وسائل الإعلام في العالم مملوكة لليهود، وما بين 80 إلى 90 % من الإعلانات التي تقدم في هذه الوسائل من البرامج أو الأفلام تقوم أساسًا على إثارة الغرائز والجنس والنساء، ولا بد أن ينتبه المسلمون إلى هذا الأمر جيدًا.
كان هذا هو موقف الرسول من بني قينقاع، ومن كعب بن الأشرف.
ونستطيع هنا أن نقول: إن الوضع داخل المدينة المنورة أصبح مستقرًّا إلى حد ما، ومعظم الناس قد أعلنوا إسلامهم، ومنهم منافقون، لكن الذي يحكم المدينة المنورة حُكمًا تامًّا كاملاً هو الرسول .
وبعد الموقف الحاسم من رسول الله مع بني قينقاع ومع كعب بن الأشرف، بدأ اليهود من بني النضير وبني قريظة يتربصون بالمسلمين.
د. راغب السرجاني