1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. الدعاء المقبول

الدعاء المقبول

الكاتب : د. عبد الرحمن فودة
تحت قسم : مقالات و خواطر
2604 2014/08/31 2024/11/15

روى مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51]، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]»، ثم ذكر «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يَمُدُّ يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِى بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟».

إن الله تعالى مقدَّس منزَّه عن النقائص والعيوب كلها، وهو سبحانه لا يَقبل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها كالرياء والعُجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالاً، فإن الطيب يوصف به الأعمال والأقوال والاعتقادات، وكل هذه تنقسم إلى طيب وخبيث، ولا يستوى الخبيث والطيب.

وقد قسم الله تعالى الكلامَ إلى طيب وخبيث فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24]، وقال تعالى {مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم: 26]، وقال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، فالله تعالى لا يقبل إلا الطيب من القول، ومن العمل، ومن الاعتقاد. والمؤمن كله طيب: قلبه ولسانه وجسده، بما يسكن في قلبه من الإيمان ويظهر على لسانه من الذكر وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان وداخلة في اسمه، فهذه الطيبات كلها يقبلُها الله عز وجل، ومن أعظم ما يَحصل به طِيب الأعمال للمؤمن طِيبُ مطعمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله. أما أكلُ الحرام فيُفسد العملَ ويَمنع قبولَه.

أخي الكريم.. لقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، أمرهم بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالاً فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟ ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام «ثم ذكر الرجل يطيل السفر..».

وفى الحديث إشارة إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضى إجابته، وإلى ما يمنع من إجابته.

فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة:
أحدها: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضى إجابة الدعاء كما فى حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده».

ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء، لأنه مظنةُ حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمُّل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

الثاني: حصول التبذّل في اللباس، والهيئة، بالشَّعَث والإغبار، وهو من المقتضيات لإجابة الدعاء كما فى الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم «رُبَّ أشعث أغبر ذى طِمْرَيْن مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره».

الثالث: مدّ يديه إلى السماء، وفى حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى حَيىُّ كريم يستحيى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفْرًا خائبتين».

والرابع: الإلحاح على الله عز وجل بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يُطلب به إجابةُ الدعاء. وكم في القرآن الكريم -أخي المستمع الحبيب- من أدعية افتُتِحت باسم الرب سبحانه، كقوله تعالى {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] وقولِه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8].

أما ما يمنع إجابة الدعاء، فهو التوسع في الحرام أكلاً وشُربًا ولُبسًا وتغذية، قيل لسعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالمٌ من أين مجيئُها ومن أين خرجت. ورُوي عن بعض الصالحين الأوائل أنه قال: بَلَغَنَا أن دعاء العبد يُحبس عن السماوات بسوء المطعم.

ومن موانع الإجابة أيضًا ارتكاب المحرمات وترك الواجبات، وقد قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة، وقد سَددْتَ طُرقَها بالمعاصي، وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال:

نحن ندعو الإلهَ فى كل كـرب *** ثم ننساهُ عند كشــف الكروب
كيـف نـرجو إجابـةَ لدعــــاء *** قـد سددنا طريقَهــا بالذنـــوب

ولذا فقد قال صلى الله عليه وسلم «فأنى يستجاب لذلك»؛ وهو استفهام واقع على وجه التعجب والاستبعاد، إذ كيف يدعو هذا الآكل للحرام وينتظر الإجابة مع تيقنه من سوء فعاله، نسأل الله أن يطعمنا الحلال ويجنبنا مهاوي الضلال إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

المصدر: كتاب (قبس من نور النبوة).

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day