1. المقالات
  2. رعاية العلم والمعرفة
  3. العلم من وظائف رسالته

العلم من وظائف رسالته

3856 2007/11/22 2024/12/18

يقول آتيين دينيه:

".. إن الإسلام منذ البداية في أيامه الأولى قد أخذ في محاربة الخرافات والبدع، وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا هذا" [1] ..

وبالتالي فإن "المنجزات العلمية تتفق تمامًا مع مبادئ الإسلام، لأن الإسلام هو دين العلم" [2]، على حد قول فيلويز [3] .

ومن هنا يذكر جوستاف لوبون أن:"الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم" [4] .

وعلى هذا الأساس يعرّف "جارودي " [5]  الإسلامَ، فيقول :"إنما الإسلام هو تلك الرؤية لله .. وللعالم وللإنسان، التي تنيط بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم إلهي وإنساني لا انفصام فيه باقتضاء البعدين الأعظمين، المفارقة والجماعة، التسامي والأمة" [6] ..

ويبين روم لاندو العلاقة بين الدين والعلم في الإسلام، فيقول :

".. في الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني" [7] .

ويُفصِّل روم لاندو القول في هذه العلاقة، قائلاً : "العلم الإسلامي لم ينفصل عن الدين قط ! والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية) ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها.. إن المسلمين وفّقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين ...وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح لا عامل تعويق وإحباط" [8] ..

ومن ثم بلغوا مبلغاً عظيماً في ميادين العلوم الإنسانية والطبيعية، وظهر منهم مسلمو إسبانيا  " الذين أهدوا إلى الغرب اللاتيني هباتهم النفيسة في ميادين العلم والفلسفة.. وكان الطب كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة" [9] على حد قول سرارنست باركر (1874-1960).

وكانت هذه العلوم التي نبغ فيها المسلمون في عصورهم الذهبية – كما يقول الدومييلي – هي "حلقة الاتصال والاستمرار بين الحضارة القديمة وبين العالم الجديد" [10] .

وهنا يحذر "الدومييلي" من شبهة، فيقول: "ينبغي ألا نظن أن العرب لم يضيفوا شيئًا جديدًا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه ! بل على النقيض من ذلك ." [11]
وعن رسالة المسلمين في هذه العلوم يقول "أرنست بانرث" [12] : إنهم – أي المسلمين -  " لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية، بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها. ونرى هنا أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية ... بواسطة المترجمين، وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية الإسلام بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الأفكار العليا والتي لا تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا. ولا أراني بحاجة إلى ذكر أسماء الفلاسفة[ المسلمين ] الذين فتحوا آفاقًا جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود، ...ولا شك أن الحضارة الإسلامية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينتبه إليه قوم آخرون. ولا يخفى أن هذا الاعتلاء كان ثمرة الاجتهاد في كل نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية. أما الغرب الأوروبي فلم يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها. وكذلك دولة بيزنطية فقد تجمدت، والآن نرى كيف تعجبت الأقوام الأوروبية من جمال الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال البرانس" [13] .

 

------------------------------------------------------------------------------------------------

 

[1] آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 18

[2] هذه الكلمة لفيلويز، انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 6 / 61 .

[3] ح. ف. فيلويز :  ضابط بحرية بريطاني، شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، نشأ في بيئة نصرانية، تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق، ومع ذلك فقد هداه الله إلى الإسلام بعد أن اطلع على القرآن الكريم وقرأ عددًا من المؤلفات الإسلامية، وذلك عام 1924.

[4] فيلويز : حضارة العرب ، ص 126

[5] روجيه جارودي : المفكر الفرنسي المعروف، وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي، سابقًا، تتميز ثقافته بالعمق والشمولية، والرغبة الجادة في البحث عن الحق. أتيح له منذ مطلع الأربعينات أن يحتك بالفكر الإسلامي والحياة الإسلامية. وازداد هذا الاحتكاك بمرور الوقت، وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى خط الإيمان، الأمر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي، كما قاده في نهاية الأمر (أواخر السبعينات) إلى اعتناق الإسلام، حيث تسمى بـ(رجاء جارودي). كتب العديد من المؤلفات منها: (حوار الحضارات)، (منعطف الاشتراكية الكبير)، (البديل)، (واقعية بلا ضفاف)، وبعد إسلامه أنجز سيرة ذاتية خصبة وعددًا من المؤلفات، أبرزها: (دعوة الإسلام)، فضلاً عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد.

[6] روجيه جارودي: دعوة الإسلام ، ص 22

[7] روم لاندو : الإسلام والعرب، 246

[8]روم لاندو:  الإسلام والعرب ، ص 280 – 281

[9] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام ، ص105

[10]الدومييلي: العلم عند العرب ، ص 10 – 11 .

[11] الدومييلي : العلم عند العرب،144

[12] أرنست بانرث : ولد في مدينة ليبزج، سنة 1895، نال الدكتوراه في اللغات الإسلامية من جامعة فينا. وعين أستاذًا للفلسفة والتاريخ والآداب الألمانية. من آثاره: (الإسلام اليوم وغدًا) (1958)، (التفاهم بين الشرق والغرب) (بتكليف من اليونسكو)، وله دراسات عن الفلاسفة المسلمين.

[13] أرنست بانرث : تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي ، ص 8 – 9 .

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day