البحث
خلق التواضع في الإسلام
التواضع صفة محمودة وسبيل لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، وقد جعل الله سبحانه وتعالى سنّة جارية في خلقه أن يرفع المتواضعين لجلاله، وأن يذل المتكبرين المتجبرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبد بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (صحيح الجامع [5809]). أمّا الذي يسلك مسلك المتكبّرين، فقد باء بشؤم العاقبة؛ يقول الله عزّ وجل: {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر من الآية:72].
معنى التواضع:
التواضع في اللغة هو التذلل، والتواضع عند علماء الأخلاق هو لين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس؛ حيث قالوا إنّ التواضع هو اللين مع الخلق والخضوع للحق وخفض الجناح.
التواضع في القرآن الكريم:
لم ترد كلمة التواضع بلفظها في القرآن الكريم، إنّما وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها؛ قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان من الآية: 63]. قال القرطبي (هوناً) الهون مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير يمشون على الأرض حُلماء متواضعين يمشون في اقتصاد. كما قال ابن كثير: أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار، لقول الله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37]، قال القرطبي هذا نَهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع، والمرح شدة الفرح وقيل التكبر في المشي، وقيل تجاوز الإنسان قدره.
وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنّه خرج على قومه في زينته وأنّ الله تعالى خسف به وبداره الأرض (تفسير القرآن)، وقال - تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]. قال ابن كثير: لا تتكبّر فتحتقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تفلت أعناقها من رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر. {وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً}، أي متكبّراً جبّاراً عنيداً، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ}، أي مختال مُعجَب بنفسه فخور على غيره (تفسير القرآن العظيم).
التواضع في خُلق الرسل:
عن تواضُع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ومع زوجاته، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعْمَلُ في بَيتِه؟ قالتْ: كان بَشَرًا مِنَ البَشَرِ؛ يَفْلِي ثَوْبَهُ ويَحْلُبُ شَاتَهُ» (صحيح الأدب المفرد [420]). وكان -صلوات ربي وسلامه عليه-، يُدخل السرور إلى قلوب زوجاته أُمّهات المؤمنين ما وجد إلى ذلك سبيلًا، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يُكرمهنّ وينزلهنّ مكانتهنّ.
وقد دعا صلى الله عليه وسلم إلى التواضع، وحَثَّ عليه بقوله: «إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أَحَدٍ، ولا يَبْغِي أحدٌ على أَحَدٍ» (السلسلة الصحيحة [570])، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تُبيِّن ما لفضيلة التواضع من أثر كبير في حياة الإنسان وفي تعامله مع الآخرين.