جاء في كتاب فتح الباري على شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: "حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: «اللهم علّمه الحكمة»" (فتح الباري لابن حجر العسقلاني ص 100 ج 7 برقم [3756]).
وفي ذات المصدر: " عن طاووس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: «اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب» وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث الباب بلفظ مسح على رأسي.
اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن، وقيل العمل به، وقيل السنة، وقيل الإصابة في القول، وقيل الخشية، وقيل الفهم عن الله، وقيل العقل، وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة " [فتح الباري لابن حجر العسقلاني ص 170 ج 1].
سبق لنا الحديث عن مشروع الطريق إلى الحكمة، والحديث عن مؤسسه العلامة الدكتور على شراب، وقلنا: إننا إزاء مشروع عالمي الروح، إنساني الرسالة، وهذا ما كنا قد فهمناه من مؤسسه من خلال المتابعة والتحليل لما قدمه عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي استفرغنا على إثرها الوسع للمشاركة الحقيقية والفاعلة في التعاون معه، بما رأينا فيه من معالم حقيقية لمشروع تغيير حكيم للحاضر والمستقبل، يستهدف الأفراد، والمؤسسات، والمجتمعات، والإنسانية جمعاء، كما إن الانتماء السنني هو أبرز خصائص المنهج في هذا المشروع، أما اجتناب الانتماء إلى أي جماعات تنظيمية أو كيانات حزبية، والابتعاد عن الاتجاهات الفكرية المختلفة؛ فهو أول شروط العمل الواجب توافرها في أعضاء الفريق العامل معه والقائم على إعداد وتجهيز المشروع؛ وتلك التي نسعى وندعو إليها، وننصح بها أصحاب المشاريع الكبرى إذا ما أرادوا النجاح المتوّج بتجرّد الغايات، وشرف الوسائل، ونقاء الأهداف.
وهذا ليس تقليلاً أو انتقاصاً من شأن العاملين المخلصين في هذه الكيانات؛ وإنما هي قراءتنا ومحصّلة خبرتنا عبر مسيرتنا، والتي هي من أسس رسالتنا ورؤيتنا، والتي تطابقت تماماً مع جوهر ومظهر منهج الطريق إلى الحكمة.
بعد أيام وأسابيع من البحث والمتابعة والعمل؛ استمعت وطالعت على مدار ساعات تميّز فيها الحديث والعرض بالعمق والشمول والبساطة التي تميّز منهج الطريق إلى الحكمة، والتي تصنع عقلاً وتكوّن فكراً يتسم بالتوازن والتكامل والانسجام، في الطاقات والأدوار والأداء، وتقدم للإنسانية إنساناً يتفق ما يفكر فيه مع ما يقوله، وما يقوله مع ما يفعله، ويتفق ما يفعله مع مصلحة أسرته، التي ينبغي أن تتفق مصلحتها مع مصلحة العالم، شريطة أن تتفق مصلحة العالم مع مصلحة البيئة أو الكون، بما يعني استقامة الحياة وفقاً لنواميس فطرة الله التي فطر الناس عليها والعودة إليها، لتتحقق السعادة الحقيقية للجميع في هذا العالم، بمفهومها عند مؤسس منهج الطريق إلى الحكمة، والذي يتمثل في اليقين والتوكل والرضا.
كان انصات وصمت الراغب في التعلّم والمعرفة هو خياري في لقاءات ودروس مؤسس الطريق إلى الحكمة –إلا ما اقتضاه لازم الحال – لاستكمال رحلة الفهم والاستيعاب لذلك المشروع، الذي نرى مسيس حاجة البشرية إليه بكل ما تعنيه الجملة من معان ومفردات.
تلقيت المشروع شفاهية وسرداً، وطالعته قراءة ونظراً، غير أن أكثر ما أسعدني ويستوجب الشكر لربي؛ هو ما عاينته سلوكاً وأثراً.
كثيرون هم أولئك المبدعون في خداعنا حيناً طويلاً من الدهر، من أصحاب المشاريع التي كان سقوطها على قدر ارتفاعها، وزوالها واندثارها كما كان ظهورها وانتشارها. إن الفكرة التي لا تسمو بنفس صاحبها قَلّ أن تسمو بنفوس الآخرين.
وهذا ما كنا في حاجة للوقوف عليه مع يقين اعتقادنا أن الرجال يُعرفون بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال.
من فريضة القول في ضوء الأحداث الجسام والأمور العظام ، التي تجري من حولنا في هذا العالم ، وفي قلبها أصحاب الرسالات والحقوق والدعوات ؛ أرى أن أذكّر الجميع بمدى الحاجة إلى هذا المنهج وهذا المشروع، الذي يتعلم فيه كل إنسان:
أنه من المهم أن تكون صاحب حق؛ لكن الأهم أن تكون حكيماً في تمسكك به وذودك عنه.
قال هيجل: "الحكمة هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتوصل إليها الإنسان، فبعد أن تكتمل المعرفة، ويصل التاريخ إلى قمته ، تحصل الحكمة، وبالتالي فالحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف، والحكمة هي المرحلة التالية والأخيرة بعد الفلسفة. إنها ذروة الذرى وغاية الغايات، وهنيئا لمن يتوصل إلى الحكمة والرزانة".
وسئل سقراط: "لماذا اخترت أحكم حكماء اليونان؟"
فقال: "ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعترف أنه لا يعرف".
الوصف بالخير الكثير لم يرد في القرآن إلا في موضعين أحدهما:
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269].
إذا وجدت فيما ذكرناه من إفادة فالفضل فيها لله أولاً، ثم لمؤسس منهج الطريق إلى الحكمة، وإن لم تجد فيها شيئاً مفيداً، فذلك مني، وأنا الممتن الشاكر لسعة صدرك، وجميل صبرك.
والحديث متواصل عن الطريق إلى الحكمة، ونأمل في كل راغب، ومحب للحكمة، وساع إليها، وحامل لها، أن يقدّم ما عنده من فسائل خير وحكمة لهذا العالم، الذي لا ينقصه الذكاء ولكن ينقصه الحكمة، والذي أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم واصطفاه برحمته وهداه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].