البحث
الاعتراف بالعيوب
الاعتراف بالعيوب ، والإقرار بالخطأ من أشق الأمور على الإنسان وأقساها ، ويزداد الأمر صعوبة إذا كان الاعتراف علنيا : منطوقا أو مكتوبا ، أما إذا كان هذا الاعتراف أمام من يحبون الشخص ويجلونه ، ويعتبرونه قدوة ونموذجا يحتذى به ، فتلك عقبة كأداء لا يتجاوزها إلا فئة نادرة من البشر .
وما أسهل أن يقول المرء بتواضع كاذب : أنا في عيوب ، ورحم الله امرأ اهدى إلي عيوبي ، فإذا ما جاء لبيان تلك العيوب مر عليها مرور الكرام ، ولخصها في ألفاظ قليلة ، وربما ساقها في ثوب الذم المراد به المدح ، أما إذا واجهه أحد بعيوبه تلك ، فكأنما ارتكب إحدى الكبر ، وأساء لتلك الذات المصونة غير القابلة للمس ولو بحرف .
ومن المدهش أن يرى الإنسان نماذج من تلك المصارحة النفسية نادرة المثال في كتاب لإمام كبير كابن حزم رحمه الله ، والذي ساق في كتابه الأخلاق والسير عددا من تلك العيوب التي لاحظها في نفسه ، ومن ذلك قوله ص 71
" ولقد أصابتني علة شديدة ولدت علي ربوا في الطحال شديدا فولد ذلك علي من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنزق أمرا حاسبت نفسي فيه إذ أنكرت تبدل خلقي واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي وصح عندي أن الطحال موضع الفرح إذا فسد تولد ضده "
( ملاحظة مهمة : لا تعارض بين الأمر الشرعي بالستر على النفس وعدم المجاهرة بالذنب ، وبين الاعتراف بالعيوب ومحاولة إصلاحها ، فلكل منهما مقامه الذي يختلف عن الآخر )