البحث
المبحث الثالث عشر: مصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم
1139
2019/01/06
2024/12/20
من المعلوم يقينًا أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة كاملة من أعظم درجات الإيمان الصادق؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين))([1])، فإذا فقد الإنسان أهله، أو والده، أو ولده، لا شك أن هذه مصيبة عظيمة من مصائب الدنيا، فكيف إذا فقدهم كلَّهم جميعًا في وقت واحد؟
ولا شك أن مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم المصائب على المسلمين؛ ولهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، فعن عائشة ’ قالت: فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بابًا بينه وبين الناس، أو كشف سترًا فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد اللَّه على ما رآه من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه اللَّه فيهم بالذي رآهم، فقال: ((يا أيها الناس، أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمصيبة فلْيتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدًا من أُمتي لن يُصاب بمصيبة أشدَّ عليه من مُصيبتي))([2]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء([3])، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأيدي([4])، وإنا لفي دفنه([5]) حتى أنكرنا([6]) قلوبنا))([7]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه – بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم – لعمر: انطلق بنا إلى أمِّ أيمن نزورها كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ فما عند اللَّه خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، قالت: إني لأعلم أن ما عند اللَّه خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها([8]).
وما أحسن ما قال القائل:
اصبر لكلِّ مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلَّد
فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد
وخلاصة القول: إن الدروس والفوائد والعبر المستفادة هذا المبحث كثيرة، ومنها:
1 - موت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون.
2 - إنكار الصحابة قلوبهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لفراقهم نزول الوحي، وانقطاعه من السماء.
3 - النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى المسلمين من النفس، والولد، والوالد، والناس أجمعين، وقد ظهر ذلك عند موته بين القريب والبعيد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل وجميع المسلمين.
4 - محبة الصحابة للإقتداء والتأسي برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كل شيء من أمور الدين حتى في زيارة النساء كبار السن، كما فعل أبو بكر وعمر رضي الله عنه.
---------------------------------
([1]) البخاري مع الفتح، 1/58، برقم 15، ومسلم، 1/67، برقم 44.
([2]) أخرجه ابن ماجه، برقم 1599، وغيره وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/267، والأحاديث الصحيحة، برقم 1106، وانظر: البداية والنهاية، 5/276.
([3]) أضاء منها كل شيء: أشرق من المدينة كل شيء. انظر: تحفة الأحوذي، 10/87.
([4]) وما نفضنا: من النفض: وهو تحريك الشيء ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما. انظر: تحفة الأحوذي، 10/88.
([5]) وإنا لفي دفنه: أي مشغولون بدفنه بعد. انظر: تحفة الأحوذي، 10/88.
([6]) حتى أنكرنا قلوبنا: يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة لانقطاع مادة الوحي، وفقدان ما كان يمدهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من التأييد والتعليم، ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق؛ فإن الصحابة رضى الله عنهم أكمل الناس إيماناً وتصديقاً. انظر: تحفة الأحوذي، 10/88.
([7]) الترمذي وصححه، 5/589، برقم 3618، وأحمد، 3/68، برقم 13312، وابن ماجه، برقم 1631، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: صلى الله عليه وسلم إسناده صحيح على شرط الصحيحين، 5/274، وانظر: صحيح ابن ماجه، 1/273.
([8]) مسلم، برقم 2454، وابن ماجه، برقم 1635، واللفظ من المصدرين. وانظر: شرحه في النووي، 16/242.