البحث
فصل في هدية في الصيام
فصل في هدية في الصيام
لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماعه وتلجم بلجامة فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الإبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبودت فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثار لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه تركت طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استبلتبه منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعلى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة 185 وقال النبي الصوم جنة وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدره له عليه بالصيام وجعله هذه الشهوة
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة وكان هدي رسول الله فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرصتة إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقت إليه بالتدريج
وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله وقد صام تسع رمضانات وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرآة إذا لم يطيقا الصيام فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا ورخص للمريض والسافر أن يفطرا ويقضيا وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك فإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم فإن فطرهما لم يكن لخوف مرض وإنما كان مع الصحة فجبر بإ4طعام المسكين كفطر الصحيح في أول الإسلام وكان للصوم رتب ثلاث إحداها إيجابة بوصف التخيير والثانية تحتمه لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة
فصل
وكان من هدية في شهر رمضان الإكثار من انواع العبادات فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه احيانا ليوفر ساعات ليلة ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له إنك تواصل فيقول لست كهيئتكم إني أبيت وفي رواية إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني وقد أختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين احدهما أنه طعام وشراب حسي للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنها الثاني أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس والروح والقلب بما هو اعظم غذاء وأجوده وأنفعه وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان كما قيل
( لها أحاديث من ذكراك تشفلها % عن الشراب وتلهيها عن الزاد )
( لها بوجهك نور تستضيء به % ومن حديثك في أعقابها حادي )
( إذا شكت من كلال السير أوعدها % روح القدوم فتحيا عند ميعاد )
ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضى عنه وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كلت وقت ومحبوبه حفي به معتن بأمره مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه ولا أعظم ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانا إذا امتلأ قلب المحب بحبه وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكن حبه منه أعظم تمكن وهذا حاله مع حبيبه أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا ولهذا قال إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ولو كان ذلك طعاما وشرابا للفم لما كان صائما فضلا عن كونه مواصلا وأيضا فلو كان ذلك في الليل لم يكن مواصلا ولقال لأصحابه إذ قالوا له إنك تواصل لست أواصل ولم يقل لست كهيئتكم بل أقرهم على نسبة الوصال إليه وقطع الإلحاق بينه وبينهم في ذلك بما بينه من الفارق كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم فقيل له أنت تواصل فقال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى وسياق البخاري لهذا الحديث نهى رسول الله عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة نهى رسول الله عن الوصال فقال رجل من المسلمين إنك يا الله تواصل فقال الله وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني وأيضا فإن النبي لما نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين ابوا أبن ينتهوا عن الوصال
وفي لفظ آخر لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم أو قال إنكم لستم مثلي فإني أظل يطعمني ربي ويسقيني فاخبر أنه يطعم وسقى مع كونه مواصلا وقد فعل فعلهم منكلا بهم معجزا لهم فلو كان يأكل ويشرب لما كان ذلك تنكيلا ولا ت عجيزا بل ولا وصالا وهذا بحمد الله واضح وقد نهى رسول الله عن الوصال رحمه للأمة وأذن إلى السحر وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي يقول لا تواصلو فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فإن قيل فما حكم هذه المسألة وهل الوصال جائز أو محرم أو مكروه قيل اختلف الناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال .. أحدها أنه جائزت أن قدر عليه وهو مروي عن عبد الله بن الزبير وغيره من السفق وكان ابن الزبير يواصل الأيام ومن حجة أرباب هذا القول أن النبي واصل بالصحابة مع نهية لهم عن الوصال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه نهى عن الوصال وقال إني لست كهيئتكم فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما فهذا وصاله بهم بعد نهية عن الوصال ولو كان النهي للتحريم لما أبوا أن ينتهوا ولما أقرهم عليه بعد ذلك قالوا فلما فعلوه بعد نهيه وهو يعلم ويقرهم علم أنه أراد الرحمة بهم والتخفيف عنهم وقد قالت عائشة نهى رسول الله عن الوصالت رحمه لهم متفق عليه وقالت طائفة أخرى لا يجوز الوصال منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري رحمهم الله قال ابن عبد البر وقد حكاه عنهم إنهم لم يجيزوه لأحد قلت الشافعي رحمه الله نص على كراهته واختلف أصحابه هل هي كراهة تحريم أو تنزيه على وجهين واحتج المحرمون بنهي النبي قالوا والنهي يقتضي التحريم قالوا وقول عائشة رحمه لهم لا يمنع ان يكون للتحريم بل يؤكده فإن من رحمته بهم أن حرمه عليهم بل سائر مناهية للأمة وحمية وصيانة قالوا وأما مواصلته بهم بعد نهية فلم يكن تقررا لهم كيف وقد نهاهم ولكن تقريعا وتنكيلا فاحتمل منهم الوصال بعد نهيه لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم وبيان الحكمة في نهيهم عنه بظهور المفسدة التي نهاهم لأجلهم فإذا ظهرت لهم مفسدة الوصال وظهرت حكمة النهي عنه كان ذلك أدعي إلى قبولهم وتركهم له فإنهم إذا ظهر لهم ما في الوصال وأحسوا منه الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمرة الله والخشوع في فرائضه والإيتان بحقوقها الظاهرة والباطنة والجوع الشديد ينافي ذلك ويحول بين العبد وبينه تبين لهم حكمة النهي عن الوصال والمفسدة التي فيه لهم دونه قالوا
وليس إقراه لهم على الوصال لهذه المصلحة التأليف ولئلا ينفر عن الإسلام ولا بأعظم من إقراره المسيء في صلاته على الصلاة التي أخبرهم أنها ليست بصلاة وأن فاعلها غير مصل بل هي صلاة باطلة في دينة فأقره عليه المصلة تعليمة وقبوله بعد الفراغ فإنه أبلغ في التعليم والتعلم قالوا وقد قال إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه لم استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه قالوا وقد ذكر في الحديث ما يدل على ان الوصال من خصائصه فقال إني لست كهيئتكم ولو كان مباحا لهم لم يكن من خصائصه قالوا وفي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم وفي الصحيحين نحوه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قالوا فجعله مفطرا حكما بدخول وقت الفطر وإن لم يفطر وذلك يحيل الوصال شرعا قالوا وقد قال لا تزال أمتي على الفطرة أو لا تزال أمتي أمتي بخير ما عجلوا الفطر وفي السنن عن أبي هريرة عنه لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون وفي السنن عنه قال قال الله عز وجل أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا وهذ يقتضي كراهة تأخيرا الفظر فكيف تركه وإذا كان مكروها لم يكن عبادة فإن أقل درجات العبادة ان تكون مستحبة والقول الثالث وهو أعدل الأقوال أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر وهذا هو المحفوظ عن أحمد وإسحاق لحديث أبي سعيد الخدري عن النبي لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر رواه البخاري وهو أعدل الوصال وأسهله على الصائم وهو في الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخر فالصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها في السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره والله أعلم
فصل
وكان من هديه أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما صام بشهادة ابن عمر وصام مرة بشهادة أعرابي واعتمد على خبرهما ولم يكلفهما لفظ الشهادة فإن كان ذلك
إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم وكان يفعل كذلك فهذا فعله وهذا أمره ولا يناقض هذا قوله ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) فان القدر هو الحساب المقدر والمراد به الإكمال كما قال فأكملوا العدة والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غم كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري فأكملوا عدة شعبان وقال لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة والذي أمر بإكمال عدته هو الشهر الذي يغم وهو عند صيامه وعند الفطر منه وأصرح من هذا قوله الشهر تسعة وعشرون فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه فلا يجوز إلغاء ما دل عليه لفظه واعتبار ما دل عليه من جهة المعنى وقال الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين وقال لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين وقال لا تقدموا لاشهر حتى تروا الهلال أو تكلموا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال او تكملوا العدة وقالت عاشئة رضي الله عنها كان رسول الله يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤيته فإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما ثم صام صححه الدراقطني وابن حبان وقال صموا لرؤيته وأفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له وقال لا تقدموا رمضان وفي لفظ لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه والدليل على ان يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس يرفعه لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين ذكره ابن حبان في صحيحه فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين صوم قبل رمضان
وقال لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة وقال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي النسائي من حديث يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ولا تصوموا قبلة يوما فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة عدة شعبان شعبان وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس تماري الناس في رؤية هلال رمضان فقال بعضهم اليوم وقال بعضهم غدا فجاء أعرابي إلى النبي فذكر أنه رآه فقال النبي أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال نعم فأمر النبي بلالا فنادى في الناس صوموا ثم قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ولا تصوموا قبله يوما وكل هذه الأحاديث صحيحة فبعضها في الصحيحين وبعضها في صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما قد أعل بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها وتفسير بعضها ببعض واعتبار بعضها ببعض وكلها يصدق بعضها بعضا والمراد منها متفق عليه فإن قيل فإذا كان هذا هدية فكيف خالفه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص والحكم بن أيوب الغفاري وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر وخالفه سالم بن عبد الله ومجاهد وطاووس وابو عثمان النهدي ومطرق بن الشخير وميمون بن مهران وبكر بن عبد الله المزني وكيف خالفه إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل ونحن نوجدكم أقوال هؤلاء مسندة فاما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الوليد بن مسلم أخبرنا ثوبان عن أبيه عن مكحول أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة مغيمة ويقول ليس هذا بالتقدم ولكنه التحري وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال الشافعي أخبرنا عبد العزيز ابن محمد الدرواري عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان عن أمة فاطمة بنت حسين أن علي بن ابي طالب قال لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر من رمضان وأما الرواية عن ابن عمر ففي كتاب عبد الرزارق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن عمر قال كان إذا كان سحاب أصبح صائما وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا وفي الصحيحين عنه أن النبي قال إذا رأيتموه فصوموا وإذا رايتموه فأفطروا وإن غم عليكم فاقدروا له زاد الإمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح عن نافع قال كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم بحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصيح صائما
وأما الرواية عن أنس رضي الله عنه الإمام أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبا منه فأفطر ناس من الناس فأتينا أنس بن مالك فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار من أفطر فقال هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يوما وذلك لأن الحكم بن أيوب أرسل إلي قبل صيام الناس إني صائم غدا فكرهت الخلاف عليه فصمت وأنا متم يومي هذا إلي الليل وأما الرواية عن معاوية فقال أحمد حدثنا المغيرة حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال حدثني مكحول ويونس بن ميسرة بن حلبس أن معاوية ابن أبي سفيان كان يقول لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وأما الرواية عن عمرو بن العاص فقال أحمد حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عمرو بن العاص انه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان وأما الرواية عن أبي هريرة فقال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن أبي مريم مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقول لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم احب إلي من أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني وإذا تأخرت فاتني وأما الروية عن عائشة رضي الله عنها فقال سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن خمير عن الرسول الذي أتى عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان قال قالت عائشة لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وأما الرواية عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال سعيد أيضا حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت ما غم هلال رمضان إلا كانت أسماء متقدمة بيوم وتأمر بتقدمة
وقال أحمد حدثنا روح بن عباد عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان وكل ما ذكرناه عن أحمد فمن مسائل الفضل بن زياد عنه وقال في رواية الأثرم إذا كان في السماء سحابة أبو علة أصبح صائما وإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطرا وكذلك نقل عنه ابناه صالح وعبد الله والمروزي والفضل بن زياد وغيرهم فالجواب من وجوه أحدهما أن يقال ليس فيما ذكرتم عن الصحابة أثر صالح صريح في وجوب صومه حتى يكون فعلهم مخالفا لهدي رسول الله وإنما غاية المنقول عنهم صومه احتياطا وقد صرح أنس بأنه إنما صامه كراهة للخلاف على الأمراء ولهذا قال الإمام أحمد في رواية الناس تبع للإمام في صومه وإفطاره والنصوص التي حكيناها عن رسول الله من فعله وقوله إنما تدل على أنه لا يجب صوم يوم الإغمام ولا تدل على تحريمه فمن أفطره أخذ بالجواز ومن صامه أخذ بالأحتياط الثاني أن الصحابة كان بعضهم يصومه كما حكيتم وكان بعضهم لا يصومه وأصبح وأصح من روي عنه صومه عبدالله بن عمر قال ابن عبد البر وإلى قوله ذهب طاووس اليماني وأحمد بن حنبل وروي مثل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ولا أعلم أحدا ذهب مذهب ابن عمر غيرهم قال وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم قلت المنقول عن علي وعمر وعمار وحذيفة وابن مسعود المنع من صيام آخر يوم من شعبان تطوعا وهو الذي قال فيه عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم فأما صوم يوم الغيم احتياطا على انه إن كان من رمضان فهو فرضه وإلا فهو تطوع فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه وهو الذي كان يفعله ابن عمر وعائشة هذا مع رواية عائشة أن النبي كان إذا غم هلال شعبان عد ثلاثين يوما ثم صام وقد رد حديثها هذا بأنه لو كان صحيحا لما خالفته وجعل صيامها علة في الحديث وليس الأمر كذلك فإنها لم توجب صيامه وإنما صامته احتياطا وفهمت من فعل النبي وأمره أن الصيام لا يجب حتى تكمل العدة ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنه لا يجوز وهذا أعدل الأقوال في المسألة وبه تجتمع الأحاديث والآثار ويدل عليه ما رواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ورواه ابن أبي رواد عن نافع عنه فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين
وقال مالك وعبيد الله عن نافع عنه فاقدروا له فدل على أن ابن عمر لم يفهم من الحديث وجوب إكمال الثلاثين بل جوازه فإنه إذا صام يوم الثلاثين فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطا ويدل على ذلك أنه رضي الله عنه لو فهم من قوله اقدروا له تسعا وعشرين ثم صوموا كما يقوله الموجبون لصومه لكان يأمر بذلك أهله وغيرهم ولم يكن يقتصر على صومه في خاصة نفسه ولا يأمر به ولبين أن ذلك هو الواجب على الناس وكان ابن عباس رضي الله عنه لا يصومه ويحتج بقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وذكر مالك في موطئة هذا بعد أن ذكر حديث ابن عمر كأنه جعله مفسرا لحديث ابن عمر وقوله فاقدروا له وكان ابن عباس يقول عجبت ممن يتقدم الشهر بيوم أو يومين وقد قال رسول الله لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين كأنه ينكر على ابن عمر وكذلك كان هذان الصاحبان الإمامان أحدهما يميل إلى التشديد والآخر إلى الترخيص وذلك في غير مسألة وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد وكان يمنع من دخول الحمام وكان إذا دخله اغتسل منه وابن عباس كان يدخل الحمام وكان ابن عمر يتيمم بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ولا يقتصر على ضربة واحدة ولا على الكفين وكان ابن عباس يخالفه ويقول التيمم ضربة للوجه والكفين وكان ابن عمر يتوضأ من قبله امرأته ويفتي بذلك وكان إذا قبل أولاده تمضمض ثم صلى وكان ابن عباس يقول ما أبالي قبلتها أو شممت ريحانا وكان يأمر من ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى أن يتمها ثم يصلي الصلاة التي ذكرها ثم يعيد الصلاة التي كان فيها وروى أبو يعلى الموصلي في ذلك حديثا مرفوعا في مسنده والصواب انه موقوف على ابن عمر قال البيهقي وقد روي عن ابن عمر مرفوعا ولا يصح قال وقد روي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح والمقصود أن عبد الله بن عمر كان يسلك طريق التشديد والأحتياط وقد روى معمر عن أيوب عن نافع عنه انه كان إذا أدرك مع الإمام ركعة أضاف إليها أخرى فإذا فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو قال الزهري ولا أعلم أحدا فعله غيره قلت وكأن هذا السجود لما حصل له من الجلوس عقيب الركعة وإنما محله عقيب الشفع ويدل على أن الصحابة لم يصوموا هذا اليوم على سبيل الوجوب أنهم قالوا لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان ولو كان هذا اليوم من رمضان حتما عندهم لقالوا هذا اليوم من رمضان فلا يجوز لنا فطره والله أعلم
ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابا وتحريا ما روي عنهم من فطره بيانا للجواز فهذا ابن عمر قد قال حنبل في مسائله حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال سمعت ابن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه قال حنبل وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد قال أخبرنا عبدالعزيز بن حكيم قال سألوا ابن عمر قالوا نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء فقال أف أف صوموا مع الجماعة فقد صح عن ابن عمر أنه قال لا يتقدمن الشهر منكم أحد وصح عنه أنه قال صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة وقال ابن مسعود رضي الله عنه فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما فهذه الآثار إن قدر أنها معارضة لتلك الآثار التي رويت عنهم في الصوم فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظا ومعنى وإن قدر أنها لا تعارض بينها فهاهنا طريقتان من الجمع إحداهما حملها على غير صورة الإغمام أو على الإغمام في آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم والثانية حمل آثار الصوم عنهم على التحري والاحتياط استحبابا لا وجوبا وهذه الآثار صريحة في نفي الوجوب وهذه الطريقة أقرب إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك فيجعل أحدهما يوم شك والثاني يوم يقين مع حصول الشك فيه قطعا وتكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعا مع شكه هل هو منه أم لا تكليف بما لا يطاق وتفريق بين المتماثلين والله أعلم
فصل
وكان من هدية أمر الناست بالصوم بشهادة الرجل الواحد المسلم وخروجهم منه بشهادة اثنين وكان من هدية إذا شهد الشاهدان برؤية الهلال بعد خروج وقت العيد أن يفطر ويأمرهم بالفطر ويصلي العيد من الغد في وقتها وكان يعجل الفطر ويحض عليه ويتسحر ويحث على السحور ويؤخره ويرغب في تأخيره وكان يحض على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على امته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعي إلى قبوله وانتفاع القوى به ولا سليمان القوة الباصرة فإنها تقوى به وحلاوة المدينة التمر ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب
فصل
وكان يفطر قبل أن يصلي وكان فطره على رطبات إن وجدها فإن لم يجدها فعلى تمرات فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء ويذكر عنه أنه كان يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ولا يثبت وروى عنه أيضا أنه كان يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذكره أبو داود عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي كان يقول ذلك
وروي عنه انه كان يقول إذا أفطرت الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إنشاء الله تعالى ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد عن مروان بن سالم المقفع عن ابن عمر ويذكر عنه إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد رواه ابن ماجه وصح عنه أنه قال إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهاء من هاهنا فقط أفطر الصائم وفسر بأنه قد أفطر حكما وإن لم ينوه وبأنه قد دخل وقت فطره كأصبح وأمسى ونهى الصائم عن الرفث والصخب والسباب وجواب السباب فأمرة أن يقول لمن سابة إني صائم فقيل يقوله بلسانه وهو أظهر وفي التطوع في نفسه لأنه أبعد عن الرياء
فصل
وسافر رسول الله في رمضان فصام وأفطر وخير الصحابة بين الأمرين وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله فلو اتفق مثل هذا الحضر وكان في الفطر قوة لهم على لقاءت عدوهم فهل لهم الفطر فيه قولان أصحهما دليلا أن لهم ذلك وهو اختيار ابن تيمية وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهرة دمشقت ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة فإنها أحق بجوازه لأن القوة هناك تختص بالمسافر والقوة هنا له وللمسلمين ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر ولأن الله تعالى قال ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال 60 والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة والنبي قد فسر بالرمي وهو لا يتم يحصل به مقصوده إلا بما يقوي ويعين عليه من الفطر والغذاء ولأن النبي قال للصحابة لما دنوا من عدوهم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم وكانت رخصة ثم نزلوا منزلا آخر فقال إنك مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا فكانت عزمة فأفطرنا فعلل بدنوهم من عدوهم وأحتياجهم إلى القوة التيت يلقون بها العدو وهذا سبب ىخر غير السفر والسفر مستقل بنفسه ولم يذكره في تعليله ولا أشار إيه فالتعليل به اعتبار لما ألغاه الشارع في هذا الفطر الخاص وإلغاء وصف القوة التي يقاوم بها العدو واعتبار السفر المجرد إلغاء لما اعتبره الشارع وعلل به وبالجملة فتنبيه وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر فكيف وقد أشار إلى العلة ونبه عليها وصرح بحكمها وعزل عليهم بأن يفطروا لأجلها ويدل عليه ما رواه عيسى بن يونست عن شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله لأصحابه يوم فتح مكة أنه يوم قتال فافطروا تابعه سعيد بن الربيع عن شعبة فعلل بالقتال ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء وكل أحد يغهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال وأما إذا تجرد السفر عن الجهاد فكان رسول الله يقول في الفطر هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه
فصل
وسافر رسول الله في رمضان في أعظم الغزوات وأجهلها في غزاة بدر وفي غزاة الفتح قال عمر بن الخطاب غزونا مع رسول الله في رمضان غزوتين يوم بدر والفتح فأفطرنا فيهما وأما ما رواه الدارقطين وغيرهت عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله في عمره في رمضان فأفطر رسول الله وصمت وقصر وأتممت فغلط إما عليها وهو الأظهر أو منها وأصابها فيه ما أصاب ابن عمر في قوله اعتمر رسول الله إلا وهو معه وما اعتمر في رجب قط وكذلك أيضا عمره كلها في ذي القعدة وما اعتمر في رمضان قط
فصل
ولم يكن من هدية تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد ولا صح عنه في ذلك شيء وقد أفطر دحية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال وقال لمن صام قد رغبوا عن هدي محمد وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت ويخبرون ان ذلك سنته وهدية كما قال عبيد بن جبر ركبت مع ابي بصرة الغفاري صاحب رسول الله في سفينة من الفسطاط في رمضان فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أب و بصرة أترغب عن سنة رسول الله رواه ابو داود وأحمد ولفظ أحمد ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الأسكندرية في سفينة فلما دنونا من مرساها امر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغذاء وذلك في رمضان فقلت يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد قال أترغب عن سنة رسول الله فقلت لا قال فكل قال فلم نزل مفطرين حتى بلغنا وقال محمد بن كعب أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته وقد لبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ثم ركب قال الترمذي حديث حسن وقال الدراقطني فيه فأكل وقد تقارب غروب الشمس وهذه الآثار صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه
فصل
وكان من هدية أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيغتسل بعد الفجر ويصوم وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء
وأما ما رواه أبو داود عن مصدع بن يحيى عن عائشة أن النبي كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها فهذا الحديث قد اختلف فيه فضعفه طائفة بمصدع هذا وهو مختلف فيه قال السعدي زائغ جائر عن الطريق وحسنة طائفة وقالوا هو ثقة صدوق روى له مسلم في صحيحة وفي محمد بن دينار الطاحي البصري مختلف فيه أيضا قال يحيى ضعيف وفي رواية عنه ليس به بأس وقال غيره صدوق وقال ابن عدي قوله ويمص لسانها لا يقوله إلا محمد بن دينار وهو الذي رواه وفي إسناده أيضا سعد بن أوس مختلف فيه أيضا قال يحيى بصري ضعيف وقال غيره ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وأما الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي قالت سئل النبي عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال قد أفطر فلا يصح عن رسول الله وفيه أبو يزيد الضني رواه عن ميمونة وهي بنت سعد قال الدراقطني ليس بمعروف ولا يثبت هذا وقال البخاري هذا لا أحدث به هذا حديث منكر وأبو يزيد رجل مجهول ولا يصح عنه التفريق بين الشاب والشيخ ولم يجىء من وجه يثبت وأجود ما فيه حديث أبي داود عن نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة أن رجلا سأل النبي عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب وإسرائيل وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به وبقية الستة فعلة هذا الحديث أن بينه وبين الأغر فيه أبا العنبس العدوي الكوفي واسمه الحارث بن عبيد سكتوا عنه
فصل
وكان من هدية إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه فيفطر به فإنما يفطر بما فعله وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه إذ لا تكليف بفعل النائم ولا بفعل الناسي
فصل
والذي صح عنه أن الذي يفطر به الصائم الأكل والشرب والحجامة والقيء والقرآن دال على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب لا يعرف فيه خلاف ولا يصح عنه في الكحل شيء وصح أنه كان يستاك وهو صائم وذكر الإمام أحمد عنه أنه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم ومنع الصائم من المبالغة في الأستنشاق ولا يصح عنه انه احتجم وهو صائم قاله الإمام أحمد وقد رواه البخاري في صحيحة قال أحمد حدثنا يحيى بن سعيد قال لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة في الصيام يعني حديث سعيد عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم محرم قال مهنا وسألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم محرم فقال ليس بصحيح قد انكره يحيى بن سعيد الأنصاري إنما كانت أحاديث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثا وقال الآثرم سمعت أبا عبد الله ذكر هذا الحديث فضعفه وقال مهنا سألت أحمد عن حديث قبيصة عن سفيان عن حماد عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس احتجم رسول الله صائما محرما فقال هو خطأ من قبل قبيصة وسالت يحيى عن قبيصة بن عقبة فقال رجل صدق والحديث الذي يحدث به عن سفيان عن سعيد بن جبير خطأ من قبله قال أحمد في كتاب الأشجعي عن سعيد بن جبير مرسلا ان النبي احتجم وهو محرم ولا يذكر فيه صائما قال مهنا وسألت أحمد عن حديث ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم محرم فقال ليس فيه صائم إنما هو محرم ذكره سفيان عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس احتجم رسول الله على رأسه وهو محرم ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس احتجم النبي وهو محرم وروح عن زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاووس عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو محرم وهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صائما وقال حنبل حدثنا أبو عبد الله حدثنا وكيع عن ياسين الزيات عن رجل عن انس أن انبي احتجم في رمضان بعد ما قال أفطر الحاجم والمحجوم قال ابو عبد الله الرجل أراه أبان بن أبي عياش يعني ولا يحتج به وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى محمد بن معاوية النيسابوري عن أبي عوانة عن السدي عن أنس أن النبي احتجم وهو صائم فأنكر هذا ثم قال السدي عن أنس قلت نعم فعجب من هذا قال أحمد وفي قوله أفطر الحاجم والمحجوم غير حديث ثابت وقال إسحاق قد ثبت هذا من خمسة اوجه عن النبي والمقصود أنه لم يصح عنه أنه احتجم وهو صائم ولا صح عنه انه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره بل قد روي عنه خلافه ويذكر عنه من خير خصال الصائم السواك رواه ابن ماجه من حديث مجالد وفيه ضعف
فصل
وروي عنه أنه اكتحل وهو صائم وروي عنه أنه خرج عليهم في رمضان وعيناه مملؤتان من الإثمد ولا يصح وروي عنه أنه قال في الأثمد ليتقه الصائم ولا يصح قال أبو داود قال لي يحيى
ابن معين هو حديث منكر