1. المقالات
  2. الجزء الثاني_زاد المعاد
  3. فصل في هدية في صيام التطوع

فصل في هدية في صيام التطوع

4066 2007/11/24 2024/11/15

 
فصل في هدية في صيام التطوع


كان يصوم حتى يقال لا يفطر حتى يقال لا يصوم وما استكمل صيام شهر غير رمضان وكان يصوم في شهر أكثر مما يصوم في شعبان ولم يخرج عنه شهر حتى يصوم منه ولم يصم الثلاثة الأشهر سردا كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه بل روي عنه النهي عن صيامه ذكره ابن ماجة وكان يتحرى صيام الإثنين والخميس وقال ابن عباس رضي الله عنه كان رسول الله لا يفطر أيام البيض في سفر ولا حضر ذكره النسائي وكان يحض على صيامها وقال ابن مسعود رضي الله عنه كان رسول الله يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام ذكره أبو داود والنسائي وقالت عائشة لم يكن يبالي من أي الشهر صامها ذكره مسلم ولا تناقض بين هذه الآثار وأما صيام عشر ذي الحجة فقد اختلف فيه فقالت عائشة ما رأيته صائما في العشر قط ذكره مسلم
وقالت حفصة أربع لم يكن يدعهن رسول الله صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتا الفجر ذكره الإمام أحمد رحمه الله وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ويصوم عاشوراء وثلاثة أيام من الشهر أو الأثنين من الشهر والخميس وفي لفظ الخميسين والمثبت مقدم على النافي إن صح واما صيام سنة أيام من شوال فصح عنه أنه قال صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر

 

 


وأما صيام يوم عاشوراء فإنه كان يتحرى صومه على سائر الأيام ولما قدم المدينة وجد اليهود تصومه وتعظمه فقال نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه وذلك قبل فرض رمضان فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه وقد استشكل بعض الناس هذا وقال إنما قدم رسول الله المدينة في شهر ربيع الأول فكيف يقول ابن عباس إنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء وفيه إشكال آخر وهو أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان عليه الصلاة والسلام يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض شهر رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه وإشكال آخر وهو ما ثبت في الصحيحين أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود وهو يتغدى فقال يا أبا محمد ادن إلى الغداء فقال أوليس اليوم يوم عاشوراء فقال وهل تدري ما يوم عاشوراء قال وما هو قال إنما هو يوم كان رسول الله يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان تركه وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن رسول الله حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمة اليهود والنصارى فقال رسول الله إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله

 

فهذا فيه أن صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعام وحديثه المتقدم فيه أن ذلك كان عند مقدمه المدينة ثم إن أبن مسعود أخبر أن يوم عاشوراء ترك برمضان وهذا يخالفه حديث ابن عباس المذكور ولا يمكن أن يقال ترك فرضة لأن لم يفرض لما ثبت في الصحيحين عن معاوية ابن ابي سفيان سمعت رسول الله يقول هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ومعاوية إنما سمع هذا بعد الفتح قطعا وإشكال آخر وهو أن مسلما روى في صحيحه عن عبد الله بن عباس أنه لما قيل رسول الله أن هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى قال إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فلم يأت العام القابل حتى توفي رسول الله ثم روى مسلم في صحيحة عن الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له اخبرني عن صوم عاشوراء فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما قلت هكذا كان رسول الله يصومه قال نعم وإشكال آخر وهو أن صومه إن كان واجبا مفروضا في أول الإسلام فلم يأمرهم بقضائه وقد فات تبييت النية له من الليل وإن لم يكن فرضا فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل كما في المسند والسنن من وجوه  متعددة أنه عليه السلام أمر من كان طعم فيه أن يصوم بقية يومه وهذا إنما يكون في الواجب وكيف يصح قول ابن مسعود فلما فرض رمضان ترك عاشوراء واستحبابه لم يترك وإشكال آخر وهو أن ابن عباس جعل يوم عاشوراء يوم التاسع وأخبر أن هكذا كان يصومه وهو الذي روى عن النبي صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوما قبلة أو يوما بعده ذكره أحمد وهو الذي روى أمرنا رسول الله بصوم عاشوراء يوم العاشر ذكره الترمذي

 

 

فالجواب عن هذه الإشكالات بعون الله وتأييده وتوفيقه إما الإشكال الأول وهو أنه لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه فإنه إنما قدم يوم الأثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية وإن كان بالشمسية زالالإشكال بالكلية ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرم فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية فوافق ذلك مقدم النبي المدينة في ربيع الاول وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي وكذلك حجهم وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب فقال النبي نحن أحق بموسى منكم فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية كما أخطأ النصاري في تعيين صومهم بان جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر وأما الإشكال الثاني وهو أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله يصومه فلا ريب أن قريشا كانت تعظم هذا اليوم وكانوا يكسون الكعبة فيه وصومه من تمام تعظيمه ولكن إنما كانوا يعدون بالأهلة فكان عندهم عاشر المحرم فلما قدم النبي المدينة وجدهم يعظمون ذلك اليوم ويصومونه فسألهم عنه فقالوا هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون فقال نحن أحق منكم بموسى فصامه وأمر بصيامه تقريرا لتعظيمه وتأكيدا وأخبر أنه وأمته أحق بموسى من اليهود فإذا صامه موسى شكرا لله كنا أحق أن نقتدي به من اليهود لا سيما إذا قلنا شرع من قبلنا شرع الناس لا ما لم يخالفه شرعنا فإن قيل من أين لكم أن موسى صامه قلنا ثبت في الصحيحين ان رسول الله لما سألهم عنه فقالوا يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه فقال رسول الله فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه فلما أقرهم على ذلك ولم يكذبهم علم ان موسى صامه شكرا لله فانضم هذا القدر إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة فازداد تأكيدا حتى بعث رسول الله مناديا ينادي في الأمصار بصومه وإمساك من كان أكل والظاهر أنه حتم ذلك عليهم وأوجبه كما سيأتي تقريره وأما الإشكال الثالث وهو أن رسول الله كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان فلما نزل فرض رمضان تركه فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه ويتعين هذا ولا بد لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام وقد قيل له إن اليهود يصومونه لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع أي معه وقال خالفوا اليهود وصوموا يوما قبله أو يوما بعده أي معه

 

 

 ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر وأما في أول الأمر فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فعلم أن استحبابة لم يترك ويلزم من قال إن صومه لم يكن واجبا أحد الأمرين إما أن تقول بترك استحبابه فلم يبق مستحبا أو يقول هذا قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برأيه وخفي عليه استحباب صومه هذا بعيد فإن النبي حثهم على صيامه وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية واستمر الصحابة على صيامة إلى حين وفاته ولم يرو عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه فعلم ان الذي ترك و جوبه لا استحبابه فإن قيل حديث معغاوية المتفق على صحته صريح في عدم فرضيته وأنه لم يفرض قط فالجواب أن حديث معاوية صريح في نفي استمرار وجوبه وأنه الآن غير واجب ولا ينفي وجوبا متقدما منسوخا فإنه لا يمتنع أن يقال لما كان واجبا ونسخ وجوبه إن الله لم يكتبه علينا وجواب ثان أن غيايته أن يكون النفي عاما في الزمان الماضي والحاضر فيخص بأدلة الوجوب في الماضي وترك النفي في استمرار الوجوب وجواب ثالث وهو أنه إنما نفى ان يكون فرضه ووجوبه مستفادا من جهة القرآن ويدل على قوله إن الله لم يكتبه علينا وهلا لاينفي الوجوب بغير ذلك فإن الواجب الذي كتبه الله على عباده هو ما أخبرهم بأنه كتبه عليهم كقوله تعالى (كتب عليكم الصيام ) البقرة 183 فاخبر أن صوم يوم عاشوراء لم يكن داخلا في هذا المكتوب تناقض بين هذا وبين الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا بهذا الصيام المكتوب يوضح هذا أن معاوية إنما سمع هذا منه بعد فتح مكة واستقرار فرض رمضان ونسخ وجوب عاشوراء به والذين شهدوا أمره بصيامه والنداء بذلك وبالإمساك لمن أكل شهدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقدمة المدينة وفرض رمضان كان في السنة الثانية الأمر بصيامه شهده قبل نزول رمضان ومن شهد الإخابر عن عدم فرضه شهده في آخر الأمر بعد فرض رمضان وإن لم يسلك هذا المسلك تناقضت أحاديث الباب واضطربتفإن قيل فكيف يكون فرضا ولم يحصل تبييت النية من الليل وقد قال لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل فالجواب أن هذا الحديث مختلف فيه هل هو من كلام النبي أو من قول حفصة وعائشة فأما حديث حفصة فأوقفه عليها معمر والزهري وسفيان بن عيينة ويونس بن يزيد الأيلي عن الزهري ورفعه بعضهم وأكثر أهل الحديث يقولون الموقوف أصح قال الترمذي وقد رواه نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح ومنهم من يصحح رفعه لثقة رافعه وعدالته وحديث عائشة أيضا روي مرفوعا وموقوفا واختلف في تصحيح رفعه فإن لم يثبت رفعه فلا كلام وإن ثبت رفعه فمعلوم أن هذا إنما قاله بعد فرض رمضان وذلك متاخر عن الأمر بصيام يوم عاشوراء وذلك تجديد حكم واجب وهو التبييت وليس نسخا لحكم ثابت بخطاب فإجزاء صيام يوم عاشوراء بنية من النهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التبييت من الليل ثم نسخ وجوب صومه برمضان وتجدد وجوب التبييت فهذه طريقة وطريقة ثانية هي طريقة أصحاب أبي حنفة أن وجوب صيام يوم عاشوراء تضمن أمرين وجوب صوم ذلك اليوم وإجزاء صومه بنية من النهار ثم نسخ تعيين الواجب بواجب آخر فبقي حكم الإجزاء بنية من النهار غير منسوخ وطريقة ثالثة وهي أن الواجب تابع للعلم ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار وحينئذ فلم يكن التبيت ممكنا فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به والإ كان تكليفا بما لا يطاق وهو ممتنع قالوا وعلى هذا إذا قالمت البينة بالرؤية في أثناء النهارت أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب وأصله صوم يوم عاشوراء وهذه طريقة شيخنا وهي كما تراها أصح الطرق وأقربها إلى موافقة أصول الشرع وقواعده وعليها تدل الأحاديث ويجتمع شملها الذي يظن تفرقه ويتخلص من دعوى السنخ بغير ضرورة وغير هذه الطريقة لا بد فيه من مخالفة قاعدة من قواعد الشرع او مخالفة بعض الآثار وإذا كان النبي لم يأمر أهل قباء بإعادة الصلاة التي صلوا بعضها إلى القبلة المنسوخة إذا لم يبلغهم وجوب التحول فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم أو لم يتمكن من العلم بسبب وجوبه لم يؤمر بالقضاء ولا يقال إنه ترك التبييت الواجب إذ وجوب التبييت تابع للعلم بوجوب المبيت وهذا في غاية الظهور ولا ريب أن هذه الطريقة أصح من طريقة من يقول كان عاشوراء فرضا وكن يجزي صيامه بنية من النهار لأن متعلقاته تابعة له وإذا زال المتبوع زالت توابعه وتعلقاته فإن إجزاء الصوم الواجب بنية من النهار لم يكن من متعلقات خصوص هذا اليوم بل من متعلقات الصوم الواجب والصوم الواجب لم يزل وإنما زال تعيينه فنقل من محل إلى محل والإجزاء بينة من النهار وعدمه من توابع أصل الصوم لا تعيينه وأصح من طريقة من يقول إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبا قط لأنه قد ثبت الأمر به وتأكيد الأمر بالنداء العام وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك وكل هذا ظاهر قوي في الوجوب ويقول ابن مسعود إنه لما فرض رمضان ترك عاشوراء ومعلومأن استحبابه لم يترك بالأدلة التي تقدمت وغيرها فيتعين ان يكون المتروك وجوبه فهذه خمس طرق للناس في ذلك والله اعلم

 

 

 وأما الإشكال الرابع وهو أن رسول الله قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع وأنه توفي قبل العام وقول ابن عباس إن رسول الله كان يصوم التاسع فابن عباس روى هذا وهذا وصح عنه هذا وهذا ولا تنافي بينهما إذ من الممكن ان يصوم التاسع ويخبر انه إن بقي إلى العام المقبل صامه أو يكون ابن عباس أخبر عن فعله مستندا إلى ما عزم عليه ووعد به ويصح الإخبار عن ذلك مقيدا أي كذلك كان يفعل لو بقي ومطلقا إذا علم الحال وعلى كل واحد من الاحتمالين فلا تنافي بين الخبرين وأما الإشكال الخامس فقد تقدم جوابه بما فيه كفاية وأما الإشكال السادس وهو قول ابن عباس أعدد وأصبح يوم التاسع صائما فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال وسعة علم ابن عباس فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع بل قال للسائل صم اليوم التاسع واكتفى بمعرفة السائل ان يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء فارشد السائل إلى صيام التاسع معه وأخبر رسول الله كما يصومه كذلك فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى وإما ان يكو حمل فعله على الأمر به وعزمه عليه في المستقبل ويدل على ذلك أنه هو الذي روى صوموا يوما قبله ويوما بعده وهو الذي روى أمرنا رسول الله بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها بعضا ويؤيد بعضها بعضا فمراتب صومه ثلاثة أكملها أن يصوم قبله يوم وبعده يوم ويلي ذلك ان يصام التاس والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاش وحده بالصوم وأما إفراد التسا فمن نقص فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع والله الموفق للصواب وقد سلك بعض أهل العلم مسلكا آخر فقال قد ظهرت أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذة العبادة مع الإتيان بها وذلك يحصل بأحد أمرين إما ينقل العاشر إلى التاسع أو بصيامهما معا وقوله إذا كان العام المقبل صمنا التاسع يحتمل الأمرين فتوفي رسول الله قبل أن يتبين لنا مراده فكان الاحتياط صيام اليومين معا والطريقة التي ذكرناها أصوب إن شاء الله ومجموع أحاديث ابن عباس عليها تدل لأن قوله في حديث أحمد خالفوا اليهود صوموا يوما قبله أبو يوما بعده وقوله في حديث الترمذي أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر يبين صحة الطريقة التي سلكناها والله أعلم

 

 


فصل


وكان من هدية إفطار يوم عرفة بعرفة ثبت عنه ذلك في الصحيحين وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة رواه عنه أهل السنن وصح عنه أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية ذكره مسلم وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم منها أنه أقوى على الدعاء ومنها أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكتب بنفله ومنها أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم فاحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة وكان شيخنا رحمه الله يسلك مسلكا آخر وهو انه يوم عيد لأهل عرفة لإجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الافاق قال وقد أشار النبي إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام ومعوم ان كونه عيدا هو لأهل ذلك الجمع لاجتماعهم فيه والله أعلم

 

 


فصل


وقد روي أنه كان يصوم السبت والأحد كثيرا يقصد بذلك مخالفة اليهود والنصارى كما في المسند وسنن النسائي عن كريب مولى ابن عباس قال ارسلني ابن عباس رضي الله عنه وناس من أصحاب النبي إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي أكثرها صياما قالت يوم السبت والأحد ويقول إنهما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم وفي صحة هذا الحديث نظر فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وقد استنكر بعض حديثه وقد قال عبد الحق في أحكامه من حديث ابن جريج عن عباس بن عبد الله بن عباس عن عمه الفضل زار النبي عباس في بادية لنا ثم قال إسناده ضعيف قال ابن القطان هو كما ذكر ضعيف ولا يعرف حال محمد بن عمر وذكر حديثه هذا عن أمر سلمة في صيام يوم السبت والأحد وقال سكت عنه عبد الحق مصححا له ومحمد بن عمر هذا لا يعرف حاله ويرويه عنه ابنه عبد اله بن محمد بن عمر ولا يعرف أيضا حاله فالحديث أراه حسنا والله أعلم وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء ان النبي قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيمات افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه فاختلف الناس في هذين الحديثين فقال مالك رحمه الله هذا كذب يريد حديث عبد الله بن بسر ذكره عنه أبو دواد هذا الحديث منسوخ وقال النسائي هو حديث مضطرب وقال جماعة من أهل العلم لا تعارض بينة وبين حديث أم سلمة فإن النهي عن صومه إنما هو إفراده وعلى ذلك ترجم أبو داود فقال باب النهي ان يخص يوم السبت بالصوم وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد قالوا ونظير هذا انه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده وبهذا يزول الإشكال الذي ظنه من قال إن صومه نوع تعظيم له فهو موافقة لأهل الكتاب في تعظيمة وإن تضمن مخالفتهم في صومه فإن التعظيم إنما يكون إذا أفرد بالصوم ولا ريب أن الحديث لم يجىء بإفراده وأما إذا صامه مع غيره لم يكن فيه تعظيم والله أعلم

 

 


فصل


ولم يكن من هديه سرد الصوم وصيام الدهر بل قد قال من صام الدهر لا صام ولا أفطر وليس مراده بهذا من صام الإيام المحرمة فإنه ذكر ذلك جوابا لمن قال أرأيت من صام الدهر ولا يقال في جواب من فعل المحرم لا صام ولا أفطر فإن هذا يؤذن بانه سواء فطره وصومه لا يثاب عليه ولا يعاقب وليس كذلك من فعل ما حرم الله عليه من الصيام فليس هذا جوابا مطابقا للسؤال عن المحرم من الصوم وأيضا فإن هذا عند من استحب صوم الدهر قد فعل مستحبا وحراما وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الإستحباب وارتكب محرما بالنسبة إلى أيام التحريم وفي كل منهما لا يقال لا صام ولا أفطر فتنزيل قوله على ذلك غلط ظاهر وأيضا فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعا فهي بمنزلة الليل شرعا وبمنزلة أيام الحيض فلم يكن الصحابة ليسألوه عن صومها وقد علموا عدم قبولها للصوم ولم يكن ليجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله لا صام ولا أفطر فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم فهديه الذي لا شك فيه أن صيام يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وأحب إلى الله وسرد صيام الدهر مكروه فإنه لو لم يكن مكروها لزم أحد ثلاثة أمور ممتنعة أن يكون أحب إلى الله من صوم يوم وفطر يوم وأفضل منه لأنه زيادة عمل وهذا مردود بالحديث الصحيح إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وإنه لا أفضل منه وإما أن يكون مساويا له في الفضل وهو ممتنع أيضا وإما أن يكون مباحا متساوي الطرفين لا اتحباب فيه ولا كراهة وهذا ممتنع إذ ليس هذا شأن العبادات بل إما أن تكون راجحة أو مرجوحة والله أعلم فإن قيل فقد قال النبي من صام رمضان وأتبعة ستة أيام من شوال فكأنما صام الدهر

 

 

وقال فيما صام ثلاثة أيام من كل شهر إن ذلك يعدل صوم الدهر وذلك يدل على أن صوم الدهر أفضل مما عدل به وأنه أمر مطلوب وثوابه أكثر من ثواب الصائمين حتى شبه به من صام هذا الصيام قيل نفس هذا التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جوازه فضلا عن استحبابة وإنما يقتضي التشبيه به في ثوابه لو كان مستحبا والدليل عليه من نفس الحديث فإنه جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر بمنزلة صيام الدهر إذ الحسنة بعشر أمثالها وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائة وستين يوما ومعلوم أن هذا حرام قطعا فعلم أن المراد به حصول هذا الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما وكذلك قوله في صيام ستة أيام من شوال إنه يعدل مع صيام رمضان السنة ثم قرأ ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) الأنعام 160 فهذا صيام ستة وثلاثين يوما تعدل صيام ثلاثمائة وستين يوما وهو غير جائز بالاتفاق بل قد يجيء مثل هذا فيما يمتنع فعل المشبه به عادة بل يستحيل وإنما شبه به من فعل ذلك على تقدير إمكانه كقوله لمن سأله عن عمل يعدل الجهاد هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم ولا تفتر وأن تصوم ولا تفطر ومعلوم أن هذا ممتنع عادة كامتناع صوم ثلاثمائة وستين يوما شرعا وقد شبه العمل الفاضل بكل منهما يزيده وضوحا أن أحب القيام إلى الله قيام داود وهو أفضل من قيام الليل كله بصريح السنة الصحيحة وقد مثل من صلى العشاء الآخرة والصبح في جماعة بمن قام الليل كله فإن قيل فما تقولون في حديث أبي موسى الأشعري من صام الدهر ضيقت عليه جهنم حتى تكون هكذا وقبض كفه وهو في مسند أحمد قيل قد اختلف في معنى هذا الحديث فقيل ضيقت عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن هدي رسول الله واعتقاده أن غيره أفضل منه وقال آخرون بل ضيقت عليه فلا يبقى له فيها موضع ورجحت هذه الطائفة هذا التأويل بأن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات وطرقها بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لانه ضيق طرقها عنه ورجحت الطائفة الأولى تأويلها بأن قالت لو أراد هذا المعنى لقال ضيقت عنه وأما التضييق عليه فلا يكون إلا وهو فيها قالوا وهذا التأويل موافق لأحاديث كراهة صوم الدهر وأن فاعله بمنزلة من لم يصم والله أعلم

 


فصل


وكان يدخل على أهله فيقول هل عندكم شيء فإن قالوا لا قال إني إذا صائم فينشىء النية للتطوع من النهار وكان أحيانا ينوي صوم التطوع ثم يفطر بعد أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها بهذا وهذا فالأول في صحيح مسلم والثاني في كتاب النسائي وأما الحديث الذي في السنن عن عائشة كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال اقضيا يوما مكانه فهو حديث معلول قال الترمذي رواه مالك بن أنس ومعمر وعبد الله بن عمر وزياد ابن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا لم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح رواه أبو داود والنسائي عن حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن زميل ليس بالمشهور وقال البخاري لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد بن الهاد من زميل ولا تقوم به الحجة وكان إذا كان صائما ونزل على قوم أتم صيامه ولم يفطر كما دخل على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا سمنكم في سقائه


وتمركم في وعائه فإني صائم ولكن أم سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته وقد ثبت عنه في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم وأما الحدؤث الذي رواه ابن ماجه والترمذي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ترفعه من نزل على قوم فلا يصو من تطوعا إلا بإذنهم فقال الترمذي هذا الحديث منكر لا نعرف أحدا من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة

 

 


فصل


وكان من هدبة كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم فعلا منه وقولا فصح النهي عن إفراده بالصوم من حديث جابر بن عبد الله وابي هريرة وجويرية بنت الحارث وعبد اله بن عمرو وجنادة الأزدي وغيرهم وشرب يوم الجمعة وهو على المنبر يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة ذكره الإمام أحمد وعلل المنع من صومه بأنه يوم عيد فروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده فإن قيل فيوم العيد لا يصام مع ما قبله ولا بعده قيل لما كان يوم الجمعة مشبها بالعيد أخذ من شهبه النهي عن تحري صيامه فإذا صام ما قبله او ما بعده لم يكن قد تحراه وكان حمه حكم الشهر أو العشر منه أو صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يوم جمعة فإنه لا يكره صومه في شيء من ذلك فإن قيل فما تصنعون بحديث عبد الله بن مسعند قال رايت رسول الله يفطر في يوم الجمعة رواه أهلا السنن قيل نقبله إن كان صحيحا ويتعين حمله على صومه مع ما قبله أبو بعده ونريده إن لم يصح فإنه من الغرائب قال الترمذي هذا حديث غريب


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day