1. المقالات
  2. مَوَاعِظُ الشيخ عَبْدالقَادِر الجيلاني
  3. مجالس وعظ الشيخ عبدالقادر

مجالس وعظ الشيخ عبدالقادر

الكاتب : صالح أحمد الشامي

مجالس وعظه وتدريسه

كان شيخه القاضي أبو سعيد المخرمي الحنبلي قد بنى لنفسه مدرسة بباب الأزج في بغداد، وكان يدرس فيها الفقه على المذهب الحنبلي. وقد انقطع إليه الشيخ عبدالقادر في سنوات دراسته الأخيرة من سنة (521 هـ) وكان يساعد شيخه في التدريس إلى أن توفي الشيخ رحمه الله. 

ولما توفي الشيخ أبو سعيد لم يجد تلاميذه أفضل من الشيخ عبدالقادر يفوضون مدرسته إليه، فجلس فيها للتدريس والفتوى والوعظ والإرشاد، ولكنها ضافت بالناس فخرج إلى المصلى، خارج سور بغداد ليلقي دروسه هنا.

ثم اشترى أهل الخير مدرسة المخرمي من ورثته ووسعوها وبنوها من جديد على شكل مدرسة للعلم، ورباط للمريدين والتلاميذ، وصارت تدعى بمدرسة الشيخ عبدالقادر الكيلاني، وهي لا تزال موجودة حتى الآن في بغداد، وتدعى المدرسة القادرية (1). 

وقد اشتهر الشيخ بمجالس وعظه التي كان يقصدها الآلاف، وقد كان له التأثير الكبير في إصلاح المجتمع، فقد أسلم على يده أكثر من خمسة آلاف، وتاب على يده أكثر من عشرين ألفاً (2). 

وكان للشيخ نوعان من الدروس:

دروس منتظمة تتناول شتى فنون المعرفة إضافة إلى التربية الروحية المنتظمة، وهو ما كان يقوم به في المدرسة المذكورة 

ودروس الوعظ والدعوة للجماهير، وكان يلقيها في ثلاثة أوقات بانتظام: صباح يوم الجمعة، ومساء يوم الثلاثاء، ومكان ذلك في المدرسة المذكورة، وصباح يوم الأحد في الرباط. 

بدأت دروسه بالرجلين والثلاثة، ثم تكاثر الناس وتزاحموا في درسه، حتى اضطره ذلك إلى الخروج من المدرسة، وإلقاء درسه بالرباط بجانب سور بغداد. 

وتقول بعض الروايات: إن مجلسه كان يضم سبعين ألفاً، وهذه الرواية وإن كانت لا تخلو من مبالغة فإنها تدل على كثرة القاصدين لدرس الشيخ. 

وقد يسأل سائل: لماذا اتجه الشيخ إلى الوعظ، حتى اشتهر به وعرف؟ إن دراسة عصر الشيخ يمكن أن تعطي الجواب على هذا السؤال.

فقد كثر في زمنه الفقهاء والعلماء الذين يلقون دروسهم المتخصصة على طلابها، ولم تكن بغداد يومئذ ينقصها هذا الصنف 

وقد كثر الفساد في المجتمع واتسعت دائرته، فكان عامة الناس بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويردهم إلى دائرة الشريعة، ويعلمهم ما هم بحاجة إليه. . وهي القضية التي تنبه إليها الشيخ، ورآها وقد احتلت الدرجة الأولى في سلم الأولويات فكانت دروس وعظه تلبية لحاجة ملحة. 

يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في وصف الشيخ ووصف مجلسه:

"كان صاحب نفس زكية، وهمة قوية مؤثرة، وعلى جانب عظيم من الزهد والقناعة والعزوف عن الشهوات". 

يجد ضعاف الإيمان في مجالسه قوة اليقين وحرارة الإيمان.

ويجد أهل الشك والارتياب السكينة والإذعان. 

ويجد أصحاب النفوس القلقة والقلوب الجريحة المنكسرة: الهدوء والعزاء والسلوان. 

ويجد هواة الحقائق والمعارف وأصحاب الدراسات: العلوم الدقيقة، والنكت اللطيفة. 

ويجد أصحاب البطالة والعطلة، وأصحاب القلوب الخامدة ما يملؤهم حماسة وإيماناً، وما يحفزهم إلى العمل والجهاد. 

ويجد عباد الملذات والشهوات، والمترفون في الحياة، الذين تجرؤوا على المعاصي والمحارم: ما يبعث فيهم الإقلاع والندامة والتوبة والإنابة. 

وبالجملة: يجد كل أحد في مجالسه: غناءه ودواءه وغذاءه وشفاءه، ويقف كمنارة عالية من الإيمان والعلم في بحر الظلمات والجاهلية يأوي إليها الغرقى ويهتدي بها الحائرون. ." (1). 

هذا النوع من الدروس، الذي يلبي حاجة كل طالب، هو ما يفسر لنا كثرة القاصدين له حتى بلغ عشرات الآلاف. 

على أن الشيخ - مع ذلك - لم يترك دروس العلم في مدرسته كما رأينا، ولكنها كانت ممزوجة بالتربية الروحية والتطبيق العملي للمعلومات. 

وقد آتت هذه التربية ثمارها فكان لتلاميذ الشيخ أثرهم الكبير في الحياة الاجتماعية في شتى أنحاء العالم الإسلامي (2).

المراجع

  1. المرجع السابق، ص 127. 
  2. (2) الفتح الرباني، ص 145.
  3. رجال الفكر والدعوة في الإسلام، لأبي الحسن الندوي، ص 251.
  4.  انظر في ذلك - إن رغبت - كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين" للدكتور ماجد عرسان كيلاني، فهو من الكتب القيمة التي بُذِلَ فيها جهد مشكور.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day