1. المقالات
  2. الإستقامة في مائة حديث نبوي
  3. تقدير الرخص بقدرها

تقدير الرخص بقدرها

الكاتب : محمد زكي محمد خضر
422 2021/12/09 2021/12/09

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 

” إن اللّهَ تَجاوَزَ عَن أمّتي الخَطأُ والنِسيانُ وما إستُكرِهوا عليه ” .

(رواه إبن ماجه والطبراني عن إبن عباس وثوبان)

المسلم يدعو ربه: 

” ربّنا لا تؤاخِذنا إن نَسينا أو أخطأنا ”

 فيستجيب الله تعالى للصادقين في دعائهم . فقد جبل إبن آدم على النسيان: 

” ولَقد عَهِدنا إلى آدمَ مِن قَبلُ فنَسيَ ولَم نَجِد لهُ عَزما ” 

 أما الإصرار على الخطإ فهو ذنب مستقل لا علاقة له بالخطا . 

قال الله تعالى في مدح المؤمنين: 

” إنّ الّذينَ اتَّقوا إذا مسَّهُم طائِف من الشيطانِ تَذَكّروا فإذا هُم مبصِرون ”

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: 

” كُلّ إبن آدمَ خطّاء ، وَخيرُ الخَطّائين التوابونَ ”

أما الإكراه ، فيقدر بحسب الظروف. قال الله تعالى: 

” إلاّ مَن أُكرِهَ وقَلبُهُ مُطمَئِن بالإيمانِ ” 

وقد يتوسّع بعض المسلمين في تعدّي حدود ما يدخل تحت حكم الإكراه ، فتراهم يقولون عند إرتكاب بعض الآثام أنهم مجبرون في حين أنه ليس هناك من أجبرهم حقيقة . إن من الإكراه ما هو بدني وما هو معنوي ، فحد الإكراه البدني يعتمد على قابلية المرء البدنية لتحمل ذلك . قيل أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان نحيف البنية قصير القامة جدا ، فكان يقول لو أكرهني شخص بضربي سوطين أو أقول ما يريد مني قوله ، لقلت مثل ما أراد. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان قوي البنية يخافه الشجعان ، لذلك وبخلاف معظم الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة سرا ، وقف عمر بعد أن طاف حول الكعبة سبعا وعلى ملأ من سادة قريش قال: إنني مهاجر عند الصباح ، فمن أراد أن تثكله أمه فليلحق بي ببطن وادي كذا . فالإكراه الذي إضطر المهاجرين إلى التخفي والهجرة سرا لم يكن إكراها كافيا لعمر بحيث يتبع الأسلوب نفسه. وأساس التقية هو هذا . 

قال الله تعالى: 

” إلاّ أن تتّقوا منهُم تُقاة ” 

فإتقاء أذى المتجبرين والطاغين خوفا من بطشهم جائز لضعفاء المسلمين كرخصة ، لكن التوسع في التقية بحيث يعيش المرء بوجهين ، وجه مع من يأمنهم ، ووجه مع من يخافهم ولو خوفا بسيطا هو إستخدام للرخصة الخاصة في غير موضعها وقد يؤدي ذلك إلى إقتراب المسلم من تصرف المنافقين والعياذ بالله. ومثال الإكراه المعنوي التعذيب النفسي والإهانات على ملأ من الناس ، وهي مختلفة الوطأة بين الناس بحسب أحوالهم أيضا . أما الأخذ بالعزيمة وعدم الخضوع للإكراه مهما كانت النتائج من أذى دنيوي فهو دأب المجاهدين الصادقين السابقين بالخيرات . قال صلى الله عليه وآله وسلم: 

” سيد الشُهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ”

ولقد أجمل الإمام الشافعي النتائج المترتبة على الإكراه بقاعدة فقهية في غاية الإيجاز وتنطبق في حالات الإكراه والمشقة والمرض والضعف وغيرها ، وهي: -كلما ضاق الأمر اتسع- ، فكلما إستجدت ظروف صعبة طارئة أو جديدة تستدعي معالجة على غير العادة ، كلما كانت الشريعة سمحة بحيث تزداد الحدود التي بإمكان المسلم أن يتحرك فيها ويكون معذورا على ذلك ، وينطبق هذا الأمر على الإكراه وعلى المشاق والظروف الطارئة الأخرى . ويستطيع إدراك ذلك من أوتي نصيبا من فهم كتاب الله وسنة رسوله وحظا من الفقه وعند ذلك يمكن أن يفتي لغيره من الناس.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day