1. المقالات
  2. الإستقامة في مائة حديث نبوي
  3. الصدق

الصدق

الكاتب : محمد زكي محمد خضر
527 2022/02/07 2024/12/18

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ـ” إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر وإنّ البرّ يهدي إلى الجَنّةِ ، وإنّ الرجُلَ ليَصدِقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ اللّه صِدّيقا ، وإنّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار ، وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى يُكتَبَ عِندَ اللّهِ كَذابا ” ـ

(متفق عليه)

قال أحمد بن خضرويه: مَن أراد أن يكون مع الله فليلزم الصدق فإن الله تعالى يقول: 

” يا أيُّها الذينَ آمَنوا اتَّقوا اللّهَ وكونوا مَعَ الصادقينَ ” 

إن أفضل الصدق هو الصدق مع الله في السر والعلن أي أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . أما الصدق مع العباد فمنه صدق بالقلب وهو صدق العزم على أداء ما يريد ، وصدق باللسان وهو الإخبار بالشيء على حقيقته ، وصدق بالعمل وهو إيقاع العمل كما يجب . والصادق يوافق قصده قوله و فعله.

الصدق مع الناس يجب أن يكون أساس التعامل . ولا يريد الله أن يبنى المجتمع إلاّ على أساس من الصدق ، فإذا كان ذلك ، عاش الناس في طمأنينة وسعادة . أما إن كان الأساس هو الكذب تعب الناس وشقوا في دنياهم قبل أخراهم . ولقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصدق حتى أنه نهى عن نقل كلام يعرف الإنسان أنه كذب دون أن ينبه على ذلك وكفى بالمرء كذبا أن ينقل كل ما سمع . وقد مر بنا قوله أن المؤمن يجبل على كل خلق ليس الكذب والخيانة. قال بعض الصالحين: عليك بالصدق حيث تخاف أن يضرك فإنه ينفعك ، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك.

شاع بين الناس أن هناك كذبا أبيضا وكذبا أسود. الكذب بصورة عامة حرام فهو أسود كله. إلاّ أن هناك إستثناءات ضرورية في حالات خاصة ، وهي حالات إختيار أخفّ الضررين . فإذا كان الإثم الذي يقع نتيجة الإخبار بالحقيقة أكبر من الإثم عند عدم ذكرها ، كحالات الصلح بين المتخاصمين الذين يذكر أحدهما الآخر بسوء ، فمن نقل أفضل ما سمع من أحدهما عن الآخر لم يكن كاذبا . كما أن الإخبار بالمعاريض (أي التلميح أوالتمويه) وسيلة لتحاشي الكذب . ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه حينما سأله أعرابي قبيل معركة بدر أنتم ممن؟ فقال: ” نحنُ من ماء ” ، فانصرف الأعرابي وهو يقول من أي ماء؟ أمن ماء العراق؟ بينما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشتقا من قوله تعالى: 

” واللّهُ خَلَقَ كُلّ دابَّة مِن ماء ”

فلم يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستفد الأعرابي من جوابه شيئا ، وهكذا على المؤمن أن يتخلص من المواقف الصعبة دون أن يخالف الشريعة بالكذب . وكثيرا ما تكون النجاة في الصدق. كان الشيخ محمد الرضواني رحمه الله في مسجده فدخل عليه رجل هاربا ممن يريد أن يبطش به ظلما ، وطلب من الشيخ إجارته ، فأشار إليه أن يلف نفسه بحصير في المسجد. فلما دخل من يطلبه وسأل عنه الشيخ ، تذكر أن النجاة في الصدق وهو موقن بذلك ، فقال له هناك مشيرا إلى الحصير ، فظن الرجل أنه يهزأ به ، فانتهره وخرج ، ونجا الرجل الهارب

إن أحد أصناف البلاء الذي إبتلي به المسلمون اليوم هو الكذب . ففي الوقت الذي ترى فيه أمما أخرى تستند اليوم في معاملاتها بين أفرادها على الصدق ، وتربي أطفالها عليه من نعومة أظفارهم ، بينما المسلمون اليوم ، الذين أمرهم دينهم بالصدق ، ترى الكذب شائعا بينهم بكثرة ، حتى إنك لتجد بينهم اليوم من يفخر به ، بينما كان عرب الجاهلية يستحيون أن يعرفوا بالكذب . فحينما أدخل أبو سفيان بن حرب مع نفر من قومه وكان مشركا عقب صلح الحديبية على هرقل في أرض الشام ، وقد وصله كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما دعاه إلى الإسلام ، فسأل هرقل أبا سفيان جملة أسئلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكذب عليه ، وكانت إجاباته كلها مدحا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خشية أن يعرف أمام قومه بالكذب ، فهو خلق ذميم كانت تأبى أنفسهم أن يعرفوا به.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day