البحث
فصل فيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه
فصل فيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه
منها أن الجهاد يلزم بالشروع فيه حتى إن من لبس لأمته وشرع في أسبابه وتأهب للخروج ليس له أن يرجع عن الخروج حتى يقاتل عدوه ومنها أنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم كما أشار به رسول الله عليهم يوم أحد ومنها جواز سلوك الإمام بالعسكر في بعض أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقه وإن لم يرض المالك ومنها أنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين بل يردهم إذا خرجوا كما رد رسول الله ابن عمر ومن معه ومنها جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن في الجهاد ومنها جواز الانغماس في العدو كما انغمس أنس بن النضر وغيره ومنها أن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بهم قاعدا وصلوا وراءه قعودا كما فعل رسول الله في هذه الغزوة واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته ومنها جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه كما قال عبد الله بن جحش اللهم لقني من المشركين رجلا عظيما كفره شديدا حرده فأقاتله فيقتلني فيك ويسلبني ثم يجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك فقلت يا عبد الله بن جحش فيم جدعت قلت فيك يا رب
ومنها أن المسلم إذا قتل نفسه فهو من أهل النار لقوله في قزمان الذي أبلى يوم أحد بلاء شديدا فلما اشتدت به الجراح نحر نفسه فقال هو من أهل النار ومنها أن السنة في الشهيد أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن في غير ثيابه بل يدفن فيها بدمه وكلومه إلا أن يسلبها فيكفن في غيرها ومنها أنه إذا كان جنبا غسل كما غسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومنها أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم ولا ينقلوا إلى مكان آخر فإن قوما من الصحابة نقلوا قتلاهم إلى المدينة فنادى منادي رسول الله بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم قال جابر بينا أنا في النظارة إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لندفنهما في مقابرنا وجاء رجل ينادي ألا أن رسول الله يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت قال فرجعنا بهما فدفناهما في القتلى حيث قتلا فبينا أنا في خلافة معاوية ابن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال يا جابر والله لقد أثار أباك عمال معاوية فبدا فخرج طائفة منه قال فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته لم يتغير منه شيء قال فواريته فصارت سنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم ومنها جوزا دفن الرجلين أو الثلاثة في القبر الواحد فإن رسول الله كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر ويقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد ودفن عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد ثم حفر عنهما بعد زمن طويل ويد عبدالله بن عمرو بن حرام على جرحه كما وضعها حين جرح فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم
وقال جابر رأيت أبي في حفرته حين حفر عليه كأنه نائم وما تغير من حاله قليل ولا كثير قيل له أفرأيت أكفانه فقال إنما دفن في نمرة خمر وجهه وعلى رجليه الحرمل فوجدنا النمرة كما هي والحرمل على رجليه على هيئته وبين ذلك ست وأربعون سنة وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي أن يدفن شهداء أحد في ثيابهم هل هو على وجه الاستحباب والأولوية أو على وجه الوجوب على قولين الثاني أظهرهما وهو المعروف عن أبي حنيفة والأول هو المعروف عن أصحاب الشافعي وأحمد فإن قيل فقد روى يعقوب ابن شيبة وغيره بإسناد جيد أن صفية أرسلت إلى النبي ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر قيل حمزة كان الكفار قد سلبوه ومثلوا به وبقروا عن بطنه واستخرجوا كبده فلذلك كفن في كفن آخر وهذا القول في الضعف نظير قول من قال يغسل الشهيد وسنة رسول الله أولى بالاتباع ومنها أن شهيد المعركة لا يصلى عليه لأن رسول الله لم يصل على شهداء أحد ولم يعرف عنه أنه صلى على أحد ممن استشهد معه في مغازيه وكذلك خلفاؤه الراشدون ونوابهم من بعدهم فإن قيل فقد ثبت في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن النبي خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر وقال ابن عباس صلى رسول الله على قتلى أحد قيل أما صلاته عليهم فكانت بعد ثمان سنين من قتلهم قرب موته كالمودع لهم ويشبه هذا خروجه إلى البقيع قبل موته يستغفر لهم كالمودع للأحياء والأموات فهذه كانت توديعا منه لهم لا أنها سنة الصلاة على الميت ولو كان ذلك كذلك لم يؤخرها ثمان سنين لا سيما عند من يقول لا يصلى على القبر أو يصلى عليه إلى شهر ومنها أن من عذره الله في التخلف عن الجهاد لمرض أو عرج يجوز له الخروج إليه وإن لم يجب عليه كما خرج عمرو بن الجموح وهو أعرج ومنها أن المسلمين إذا قتلوا واحدا منهم في الجهاد يظنونه كافرا فعلى الإمام ديته من بيت المال لأن رسول الله أراد أن يدي اليمان أبا حذيفة فامتنع حذيفة من أخذ الدية وتصدق بها على المسلمين