البحث
فصل فيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية
فصل فيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية
فمنها محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم فإن رسول الله رجع من الحديبية في ذي الحجة فمكث بها أياما ثم سار إلى خيبر في المحرم كذلك قال الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة وكذلك قال الواقدي خرج في أول سنة سبع من الهجرة ولكن في الاستدلال بذلك نظر فإن خروجه كان في أواخر المحرم لا في أوله وفتحها إنما كان في صفر وأقوى من هذا الاستدلال بيعة النبي أصحابه عند الشجرة بيعة الرضوان على القتال وألا يفروا وكانت في ذي القعدة ولكن لا دليل في ذلك لأنه إنما بايعهم على ذلك لما بلغه أنهم قد قتلوا عثمان وهم يريدون قتاله فحينئذ بايع الصحابة ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام إذا بدأ العدو إنما الخلاف أن يقاتل فيه ابتداء فالجمهور جوزوه وقالوا تحريم القتال فيه منسوخ وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله وذهب عطاء وغيره إلى أنه ثابت غير منسوخ وكان عطاء يحلف بالله ما يحل القتال في الشهر الحرام ولا نسخ تحريمه شيء وأقوى من هذين الاستدلالين الاستدلال بحصار النبي للطائف فإنه خرج إليها في أواخر شوال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة فبعضها كان في ذي القعدة فإنه ففتح مكة لعشر بقين من رمضان وأقام بها بعد الفتح تسع عشرة يقصر الصلاة فخرج إلى هوازن وقد بقي من شوال عشرون يوما ففتح الله عليه هوازن وقسم غنائمها
ثم ذهب منها إلى الطائف فحاصرها بضعا وعشرين ليلة وهذا يقتضي أن بعضها في ذي القعدة بلا شك وقد قيل إنما حاصرهم بضع عشرة ليلة قال ابن حزم وهو الصحيح بلا شك وهذا عجيب منه فمن أين له هذا التصحيح والجزم به وفي الصحيحين عن أنس بن مالك في قصة الطائف قال فحاصرناهم أربعين يوما فاستعصوا وتمنعوا وذكر الحديث فهذا الحصار وقع في ذي القعدة بلا ريب ومع هذا فلا دليل في القصة لأن غزو الطائف كان من تمام غزوة هوازن وهم بدؤوا رسول الله بالقتال ولما انهزموا دخل ملكهم وهو مالك بن عوف النضري مع ثقيف في حصن الطائف محاربين رسول الله فكان غزوهم من تمام الغزوة التي شرع فيها والله أعلم وقال الله تعالى في سورة المائدة وهي من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ) ( المائدة 2 ) وقال في سورة البقرة ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله ) ( البقرة 217 ) فهاتان آيتان مدنيتان بينهما في النزول نحو ثمانية أعوام وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ناسخ لحكمهما ولا أجمعت الأمة على نسخه ومن استدل على نسخة بقوله تعالى ( وقاتلوا المشركين كافة ) (التوبة 36 ) ونحوها من العمومات فقد استدل على النسخ بما لا يدل عليه ومن استدل عليه بأن النبي بعث أبا عامر في سرية إلى أوطاس في ذي القعدة فقد استدل بغير دليل لأن ذلك كان من تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال ولم يكن ابتداء منه لقتالهم في الشهر الحرام
فصل
ومنها قسمة الغنائم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم وقد تقدم تقريرة ومنها أنه يجوز لآحاد الجيش إذا وجد طعاما أن يأكله ولا يخمسه كما أخذ عبد الله بن المغفل جراب الشحم الذي دلي يوم خيبر واختص به بمحضر النبي ومنها أنه إذا لحق مدد بالجيش بعد تقضي الحرب فلا سهم له إلا بإذن الجيش ورضاهم فإن النبي كلم أصحابه في أهل السفينة حين قدموا عليه بخيبر جعفر وأصحابه أن يسهم لهم فأسهم لهم
فصل
ومنها تحريم لحوم الحمر الإنسية صح عنه تحريمها يوم خيبر وصح عنه تعليل التحريم بأنها رجس وهذا مقدم على قول من قال من الصحابة إنما حرمها لأنها كانت ظهر القوم وحمولتهم فلما قيل له فني الظهر وأكلت الحمر حرمها وعلى قول من قال إنما حرمها لأنها لم تخمس وعلى قول من قال إنما حرمها لأنها كانت حول القرية وكانت تأكل العذرة وكل هذا في الصحيح لكن قول رسول الله إنها رجس مقدم على هذا كله لأنه من ظن الراوي وقوله بخلاف التعليل بكونها رجسا ولا تعارض بين هذا التحريم وبين قوله تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به ) ( الأنعام 145 ) فإنه لم يكن قد حرم حين نزول هذه الآية من المطاعم إلا هذه الأربعة والتحريم كان يتجدد شيئا فشيئا فتحريم الحمر بعد ذلك تحريم مبتدأ لما سكت عنه النص لا أنه رافع لما أباحه القرآن ولا مخصص لعمومه فضلا عن أن يكون ناسخا والله أعلم
فصل
ولم تحرم المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح هذا هو الصواب وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر واحتجوا ما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وفي الصحيحين أيضا أن عليا رضي الله عنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية وفي لفظ للبخاري عنه أن رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ولما رأى هؤلاء أن رسول الله أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا حرمت ثم أيبحت ثم حرمت قال الشافعي لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم الا المتعة قالوا نسخت مرتين وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا لم تحرم إلا عام الفتح وقبل ذلك كانت مباحة قالوا وإنما جمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية لأن ابن عباس كان يبيحهما فروى له علي تحريمهما عن النبي ردا عليه وكان تحريم الحمر يوم خيبر بلا شك وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وحرم متعة النساء وفي لفظ حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر وقيده بالظرف فمن هاهنا يشأ الوهم وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما بخلاف غزاة الفتح فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريما مشهورة وهذه الطريقة أصح الطريقين وفيها طريقة ثالثة وهي أن رسول الله لم يحرمها تحريما عاما البتة بل حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها وهذه كانت طريقة ابن عباس حتى كان يفتي بها ويقول هي كالميتة والدم ولحم الخنزير تباح عند الضرورة وخشية العنت فلم يفهم عنه أكثر الناس ذلك وظنوا أنه أباحها إباحة مطلقة وشببوا في ذلك بالأشعار فلما رأى ابن عباس ذلك رجع إلى القول بالتحريم
فصل
ومنها جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع كما عامل رسول الله أهل خيبر على ذلك واستمر ذلك إلى حين وفاته لم ينسخ البتة واستمر عمل خلفائه الراشدين عليه وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء بل من باب المشاركة وهو نظير المضاربة سواء فمن أباح المضاربة وحرم ذلك فقد فرق بين متماثلين
فصل
ومنها أنه دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من أموالهم ولم يدفع إليهم البذر ولا كان يحمل إليهم البذر من المدينة قطعا فدل على أن هديه عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض وأنه يجوز أن يكون من العامل وهذا كان هدى خلفائه الراشدين من بعده وكما أنه هو المنقول فهو الموافق للقياس فإن الأرض بمنزلة رأس المال في القراض والبذر يجري مجرى سقي الماء ولهذا يموت في الأرض ولا يرجع إلى صاحبه ولو كان بمنزلة رأس مال المضاربة لاشترط عوده إلى صاحبه وهذا يفسد المزارعة فعلم أن القياس الصحيح هو الموافق لهدي رسول الله وخلفائه الراشدين في ذلك والله أعلم
فصل
ومنها خرص الثمار على رؤوس النخل وقسمتها كذلك وأن القسمة ليست بيعا ومنها الاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد ومنا جواز عقد المهادنة عقدا جائزا للإمام فسخه متى شاء ومنها جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط كما عقد لهم رسول الله بشرط أن لا يغيبوا ولا يكتموا ومنها جواز تقرير أرباب التهم بالعقوبة وأن ذلك من الشريعة العادلة لا من السياسة الظالمة ومنها الأخذ في الأحكام بالقرائن والأمارات كما قال النبي لكنانة المال كثير والعهد قريب فاستدل بهذا على كذبه في قوله أذهبته الحروب والنفقة ومنها أن من كان القول قوله إذا قامت قرينة على كذبه لم يلتفت إلى قوله ونزل منزلة الخائن ومنها أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم لم يبق لهم ذمة وحلت دماؤهم وأموالهم لأن رسول الله عقد لهؤلاء الهدنة وشرط عليهم أن لا يغيبوا ولا يكتموا فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم فلما لم يفوا بالشرط استباح دماءهم وأموالهم وبهذا اقتدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الشروط التي اشترطها على أهل الذمة فشرط عليهم أنهم متى خالفوا شيئا منها فقد حل له منهم ما يحل من أهل الشقاق والعداوة ومنها جواز نسخ الأمر قبل فعله فإن النبي أمرهم بكسر القدور ثم نسخه عنهم بالأمر بغسلها ومنها أن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة لا جلده ولا لحمه وأن ذبيحته بمنزلة موته وأن الذكاة إنما تعمل في مأكول اللحم ومنها أن من أخذ من الغنيمة شيئا قبل قسمتها لم يملكه وإن كان دون حقه وأنه إنما يملكه بالقسمة ولهذا قال صاحب الشملة التي غلها إنها تشتعل عليه نارا وقال لصاحب الشراك الذي غله شراك من نار ومنها أن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها وقسم بعضها وترك بعضها ومنها جواز التفاؤل بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام وإعلامه كما تفاءل النبي برؤية المساحي والفوؤس والمكاتل مع أهل خيبر فإن ذلك فأل في خرابها ومنها جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم كما قال النبي نقركم ما أقركم الله وقال لكبيرهم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما وأجلاهم عمر بعد موته وهذا مذهب محمد بن جرير الطبري وهو قول قوي يسوغ العمل به إذا رأى الإمام فيه المصلحة ولا يقال أهل خيبر لم تكن لهم ذمة بل كانوا أهل هدنة فهذا كلام لا حاصل تحته فإنهم كانوا أهل ذمة قد أمنوا بها على دمائهم وأموالهم أمانا مستمرا نعم لم تكن الجزية قد شرعت ونزل فرضها وكانوا أهل ذمة بغير جزية فلما نزل فرض الجزية استؤنف ضربها على من يعقد له الذمة من أهل الكتاب والمجوس فلم يكن عدم أخذ الجزية منهم لكونهم ليسوا أهل ذمة بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد
وأما كون العقد غير مؤبد فذاك لمدة إقرارهم في أرض خيبر لا لمدة حقن دمائهم ثم يستبيحها الإمام متى شاء فلهذا قال نقركم ما أقركم الله أو ما شئنا ولم يقل نحقن دماءكم ما شئنا وهكذا كان عقد الذمة لقريظة والنضير عقدا مشروطا بأن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه ومتى فعلوا فلا ذمة لهم وكانوا أهل ذمة بلا جزية إذ لم يكن نزل فرضها إذ ذاك واستباح رسول الله سبي نسائهم وذراريهم وجعل نقض العهد ساريا في حق النساء والذرية وجعل حكم الساكت والمقر حكم الناقض والمحارب وهذا موجب هديه في أهل الذمة بعد الجزية أيضا أن يسري نقض العهد في ذريتهم ونسائهم ولكن هذا إذا كان الناقضون طائفة لهم شوكة ومنعة أما إذا كان الناقض واحدا من طائفة لم يوافقه بقيتهم فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده كما أن من أهدر النبي دماءهم ممن كان يسبه لم يسب نساءهم وذريتهم فهذا هديه في هذا وهو الذي لا محيد عنه وبالله التوفيق ومنها جواز عتق الرجل أمته وجعل عتقها صداقا لها ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ولا لفظ إنكاح ولا تزويج كما فعل بصفية ولم يقل قط هذا خاص بي ولا أشار إلى ذلك مع علمه باقتداء أمته به ولم يقل أحد من الصحابة إن هذا لا يصلح لغيره بل رووا القصة ونقلوها إلى الأمة ولم يمنعوهم ولا رسول الله من الاقتداء به في ذلك والله سبحانه لما خصه في النكاح بالموهوبة قال ( خالصة لك من دون المؤمنين ) ( الأحزاب 50) فلو كانت هذه خالصة له من دون أمته لكان هذا التخصيص أولى بالذكر لكثرة ذلك من السادات مع إمائهم بخلاف المرأة التي تهب نفسها للرجل لندرته وقلته أو مثله في الحاجة إلى البيان ولا سيما والأصل مشاركة الأمة له واقتداؤها فكيف يسكت عن منع الاقتداء به في ذلك الموضع الذي لا يجوز مع قيام مقتضى الجواز هذا شبه المحال ولم تجتمع الأمة على عدم الاقتداء به في ذلك فيجب المصير إلى إجماعهم وبالله التوفيق والقياس الصحيح يقتضى جواز ذلك فإنه يملك رقبتها ومنفعة وطئها وخدمتها فله أن يسقط حقه من ملك الرقبة ويستبقي ملك المنفعة أو نوعا منها كما لو أعتق عبده وشرط عليه أن يخدمه ما عاش فإذا أخرج المالك رقبة ملكه واستثنى نوعا من منفعته لم يمنع من ذلك في عقد البيع فكيف يمنع منه في عقد النكاح
ولما كانت منفعة البضع لا تستباح إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وكان إعتاقها يزيل ملك اليمين عنها كان من ضرورة استباحة هذه المنفعة جعلها زوجة وسيدها كان يلي نكاحها وبيعها ممن شاء بغير رضاها فاستثنى لنفسه ما كان يملكه منها ولما كان من ضرورته عقد النكاح ملكه لأن بقاء ملكه المستثنى لا يتم إلا به فهذا محض القياس الصحيح الموافق للسنة الصحيحة والله أعلم ومنها جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب فكان الكذب سببا في حصول هذه المصلحة الراجحة ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق كما أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة عين الأم ومنها جواز بناء الرجل بامرأته في السفر وركوبها معه على دابة بين الجيش ومنها أن من قتل غيره بسم يقتل مثله قتل به قصاصا كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء ومنها جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم ومنها قبول هدية الكافر فإن قيل فلعل المرأة قتلت لنقض العهد لحرابها بالسم لا قصاصا قيل لو كان قتلها لنقض العهد لقتلت من حين أقرت أنها سمت الشاة ولم يتوقف قتلها على موت الآكل منها فإن قيل فهلا قتلت بنقض العهد قيل هذا حجة من قال إن الإمام مخير في ناقض العهد كالأسير فإن قيل فأنتم توجبون قتله حتما كما هو منصوص أحمد وإنما القاضي أبو يعلى ومن تبعه قالوا يخير الإمام فيه قيل إن كانت قصة الشاة قبل الصلح فلا حجة فيها وإن كانت بعد الصلح فقد اختلف في نقض العهد بقتل المسلم على قولين فمن لم ير النقض به فظاهر
ومن رأى النقض به فهل يتحتم قتله أو يخير فيه أو يفصل بين بعض الأسباب الناقضة وبعضها فيتحتم قتله بسبب السبب ويخير فيه إذا نقضه بحرابه ولحوقه بدار الحرب وإن نقضه بسواهما كالقتل والزنى بالمسلمة والتجسس على المسلمين وإطلاع العدو على عوراتهم فالمنصوص تعين القتل وعلى هذا فهذه المرأة لما سمت الشاة صارت بذلك محاربة وكان قتلها مخيرا فيه فلما مات بعض المسلمين من السم قتلت حتما إما قصاصا وإما لنقض العهد بقتلها المسلم فهذا محتمل والله أعلم واختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو كان بعضها صلحا وبعضها عنوةفروى أبو داود من حديث أنس أن رسول الله غزا خيبر فأصبناها عنوة فجمع السبي وقال ابن إسحاق سألت ابن شهاب فأخبرني أن رسول الله افتتح خيبر عنوة بعد القتال وذكر أبو داود عن ابن شهاب بلغني أن رسول الله افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال قال ابن عبد البر هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك فإن رسول الله قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب وهم أهل الحديبية ولم يختلف العلماء أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف فقال الكوفيون الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله بأرض خيبر وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق وقال الشافعي تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة من إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سمهمانا كما قسم رسول الله خيبر سهمانا وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن إسحاق
وأما من قال إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك لصلح ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية كضرب من الصلح ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال فكان حكم أرضهما حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله قسم خيبر نصفين نصفا له ونصفا للمسلمين قال أبو عمر ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما فوقع السهم للنبي وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ووقع سائر الناس في باقيها وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب هذا آخر كلام أبي عمر قلت ذكر مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح قال مالك والكتيبة أرض خيبر وهو أربعون ألف غدق وقال مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن رسول الله افتتح بعض خيبر عنوة
فصل
ثم انصرف رسول الله من خيبر إلى وادي القرى وكان بها جماعة من اليهود وقد انضاف إليهم جماعة من العرب فلما نزلوا استقبلهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة فقتل مدعم عبد رسول الله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال النبي كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي بشراك أو شراكين فقال النبي شراك من نار أو شرا كان من نار فعبأ رسول الله أصحابه للقتال وصفهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة وراية إلى الحباب بن المنذر وراية إلى سهل بن حنيف وراية إلى عباد بن بشر ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم وحسابهم على الله فبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله ثم برز آخر فقتله ثم برز آخر فبرز إليه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقتله حتى قتل منهم أحد عشر رجلا كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام وكانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله فقاتلهم حتى أمسوا وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم وفتحها عنوة وغنمه الله أموالهم وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا وأقام رسول الله بوادي القرى أربعة أيام وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها فلما بلغ يهود تيماء ما واطأ عليه رسول الله أهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله وأقاموا بأموالهم فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز وأن ما وراء ذلك من الشام وانصرف رسول الله راجعا إلى المدينة فلما كان ببعض الطريق سار ليلة حتى إذا كان ببعض الطريق أدركهم الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله أولهم استيقاظا
ففزع رسول الله فقال أي بلال فقال أخذ بنفسي الذي بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا حتى خرجوا من ذلك الوادي ثم قال هذا واد به شيطان فلما جاوزه أمرهم أن ينزلوا وأن يتوضؤوا ثم صلى سنة الفجر ثم أمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بالناس ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم وقال ( يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ثم التفت رسول الله إلى أبي بكر فقال إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله بلالا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر وقد روي أن هذه القصة كانت في مرجعهم من الحديبية وروي أنها كانت في مرجعهم من غزوة تبوك وقد روى قصة النوم عن صلاة الصبح عمران بن حصين ولم يوقت مدتها ولا ذكر في أي غزوة كانت وكذلك رواها أبو قتادة كلاهما في قصة طويلة محفوظة وروى مالك عن زيد بن أسلم أن ذلك كان بطريق مكة وهذا مرسل
وقد روى شعبة عن جامع بن شداد قال سمعت عبدالرحمن بن أبي علقمة قال سمعت عبدالله بن مسعود قال أقبلنا مع رسول الله زمن الحديبية فقال النبي من يكلؤنا فقال بلال أنا فذكر القصة لكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة فقال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن جامع إن الحارس فيها كان ابن مسعود وقال غندر عنه إن الحارس كان بلالا واضطربت الرواية في تاريخها فقال المعتمر بن سليمان عن شعبة عنه إنها كانت في غزوة تبوك وقال غيره عنه إنها كانت في مرجعهم من الحديبية فدل على وهم وقع فيها ورواية الزهري عن سعيد سالمة من ذلك وبالله التوفيق