البحث
فصل في الإشارة إلى ما في الغزوة من الفقه واللطائف
فصل في الإشارة إلى ما في الغزوة من الفقه واللطائف
كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم أمن الناس به وكلم بعضهم بعضا وناظره في الإسلام وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه والدعوة إليه والمناظرة عليه ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام ولهذا سماه الله فتحا في قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ( الفتح 1 ) نزلت في شأن الحديبية فقال عمر يا رسول الله أو فتح هو قال نعم وأعاد سبحانه وتعالى ذكر كونه فتحا فقال ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) إلى قوله ( فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) ( الفتح 27 ) وهذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها المنبهة عليها كما قدم بين يدي قصة المسيح وخلقه من غير أب قصة زكريا وخلق لولد له مع كونه كبيرا لا يولد لمثله وكما قدم بين يدي نسخ القبلة قصة البيت وبنائه وتعظيمه والتنويه به وذكر بانيه وتعظيمه ومدحه ووطأ قبل ذلك كله بذكر النسخ وحكمته المقتضية له وقدرته الشاملة له وهكذا ما قدم بين يدي مبعث رسوله من قصة الفيل
وبشارات الكهان به وغير ذلك وكذلك الرؤيا الصالحة لرسول الله كانت مقدمة بين يدي الوحي في اليقظة وكذلك الهجرة كانت مقدمة بين يدي الأمر بالجهاد ومن تأمل أسرار الشرع والقدر رأى من ذلك ما تبهر حكمته الألباب
فصل
وفيها أن أهل العهد إذا حاربوا من هم في ذمة الإمام وجواره وعهده صاروا حربا له بذلك ولم يبق بينهم وبينه عهد فله أن يبيتهم في ديارهم ولا يحتاج أن يعلمهم على سواء وإنما يكون الإعلام إذا خاف منهم الخيانة فإذا تحققها صاروا نابذين لعهده
فصل
وفيها انتقاض عهد جميعهم بذلك ردئهم ومباشريهم إذا رضوا بذلك وأقروا عليه ولم ينكروه فإن الذين أعانوا بني بكر من قريش بعضهم لم يقاتلوا كلهم معهم ومع هذا فغزاهم رسول الله كلهم وهذا كما أنهم دخلوا في عقد الصلح تبعا ولم ينفرد كل واحد منهم بصلح إذ قد رضوا به وأقروا عليه فكذلك حكم نقضهم للعهد هذا هدي رسول الله الذي لا شك فيه كما ترى وطرد هذا جريان هذا الحكم على ناقضي العهد من أهل الذمة إذا رضي جماعتهم به وإن لم يباشر كل واحد منهم ما ينقض عهده كما أجلى عمر يهود خيبر لما عدا بعضهم على ابنه ورموه من ظهر دار ففدعوا يده بل قد قتل رسول الله جميع مقاتلة بني قريظة ولم يسأل عن كل رجل منهم هل نقض العهد أم لا وكذلك أجلى بني النضير كلهم وإنما كان الذي هم بالقتل رجلان وكذلك فعل ببني قينقاع حتى استوهبهم منه عبدالله بن أبي فهذه سيرته وهديه الذي لا شك فيه وقد أجمع المسلمون على أن حكم الردء حكم المباشر في الجهاد ولا يشترط في قسمة الغنيمة ولا في الثواب مباشرة كل واحد واحد القتال وهذا حكم قطاع الطريق حكم ردئهم حكم مباشرهم لأن المباشر إنما باشر الإفساد بقوة الباقين ولولاهم ما وصل إلى ما وصل إليه وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه وهو مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم
فصل
وفيها جواز صلح أهل الحرب على وضع القتال عشر سنين وهل يجوز فوق ذلك الصواب أنه يجوز للحاجة والمصلحة الراجحة كما إذا كان بالمسلمين ضعف وعدوهم أقوى منهم وفي العقد لما زاد عن العشر مصلحة للإسلام
فصل
وفيها أن الإمام وغيره إذا سئل ما لا يجوز بذله أو لا يجب فسكت عن بذله لم يكن سكوته بذلا له فإن أبا سفيان سأل رسول الله تجديد العهد فسكت رسول الله ولم يجبه بشيء ولم يكن بهذا السكوت معاهدا له
فصل
وفيها أن رسول الكفار لا يقتل فإن أبا سفيان كان ممن جرى عليه حكم انتقاض العهد ولم يقتله رسول الله إذ كان رسول قومه إليه
فصل
وفيها جواز تبييت الكفار ومغافضتهم في ديارهم إذا كانت قد بلغتهم الدعوة وقد كانت سرايا رسول الله يبيتون الكفار ويغيرون عليهم بإذنه بعد أن بلغتهم دعوته
فصل
وفيها جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلما لأن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله قتل حاطب بن أبي بلتعة لما بعث يخبر أهل مكة بالخبر ولم يقل رسول الله لا يحل قتله إنه مسلم بل قال وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فأجاب بأن فيه مانعا من قتله وهو شهوده بدرا وفي الجواب بهذا كالتنبيه على جواز قتل جاسوس ليس له مثل هذا المانع وهذا مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقتل وهو ظاهر مذهب أحمد والفريقان يحتجون بقصة حاطب والصحيح أن قتله راجع إلى رأي الإمام فإن قتله مصلحة للمسلمين قتله وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه والله أعلم
فصل
وفيها جواز تجريد المرأة كلها وتكشيفها للحاجة والمصلحة العامة فإن عليا والمقداد قالا للظعينة لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك وإذا جاز تجريدها لحاجتها إلى ذلك حيث تدعو إليها فتجريدها لمصلحة الإسلام والمسلمين أولى
فصل
وفيها أن الرجل إذانسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولا وغضبا لله ورسوله ودينه لا لهواه وحظه فإنه لا يكفر بذلك بل لا يأثم به بل يثاب على نيته وقصده وهذا بخلاف أهل الأهواء والبدع فإنهم يكفرون ويبدعون لمخالفة أهوائهم ونحلهم وهم أولى بذلك ممن كفروه وبدعوه
فصل
وفيها أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية كما وقع الجس من حاطب مكفرا بشهوده بدرا فإن ما اشتملت عليه هذه الحسنة العظيمة من المصلحة وتضمنته من محبة الله لها ورضاه بها وفرحه بها ومباهاته للملائكة بفاعلها أعظم مما اشتملت عليه سيئة الجس من المفسدة وتضمنته من بغض الله لها فغلب الأقوى على الأضعف فأزاله وأبطل مقتضاه وهذه حكمة الله في الصحة والمرض الناشئين من الحسنات والسيئات الموجبين لصحة القلب ومرضه وهي نظير حكمته تعالى في الصحة والمرض اللاحقين للبدن فإن الأقوى منهما يقهر المغلوب ويصير الحكم له حتى يذهب أثر الأضعف فهذه حكمته في خلقه وقضائه وتلك حكمته في شرعه وأمره وهذا كما أنه ثابت في محو السيئات بالحسنات لقوله تعالى ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ( هود 14 ) وقوله تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) ( النساء 31 ) وقوله وأتبع السيئة الحسنة تمحها فهو ثابت في عكسه لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) ( البقرة 264 ) وقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) ( الحجرات 2 )
وقول عائشة عن زيد بن أرقم أنه لما باع بالعينة إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب وكقوله في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من ترك صلاة العصر حبط عمله إلى غير ذلك من النصوص والآثار الدالة على تدافع الحسنات والسيئات وإبطال بعضها بعضا وذهاب أثر القوي منها بما دونه وعلى هذا مبنى الموازنة والإحباط وبالجملة فقوة الإحسان ومرض العصيان متصاولان ومتحاربان ولهذا المرض مع هذه القوة حاله تزايد وترام إلى الهلاك وحالة انحطاط وتناقص وهي خير حالات المريض وحالة وقوف وتقابل إلى أن يقهر أحدهما الآخر وإذا دخل وقت البحران وهو ساعة المناجزة فحظ القلب أحد الخطتين إما السلامة وإما العطب وهذا البحران يكون وقت فعل الواجبات التي توجب رضى الرب تعالى ومغفرته أو توجب سخطه وعقوبته وفي الدعاء النبوي أسألك موجبات رحمتك وقال عن طلحة يومئذ أوجب طلحة ورفع إلى النبي رجل وقالوا يا رسول الله إنه قد أوجب فقال أعتقوا عنه وفي الحديث الصحيح أتدرون ما الموجبتان قالوا الله ورسوله أعلم قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار يريد أن التوحيد والشرك رأس الموجبات وأهلها فهما بمنزلة السم القاتل قطعا والترياق المنجي قطعا وكما أن البدن قد تعرض له أسباب رديئة لازمة توهن قوته وتضعفها فلا ينتفع معها بالأسباب الصالحة والأغذية النافعة بل تحيلها تلك المواد الفاسدة إلى طبعها وقوتها فلا يزداد بها إلا مرضا وقد تقوم به مواد صالحة وأسباب موافقة توجب قوته وتمكنه من الصحة وأسبابها فلا تكاد تضره الأسباب الفاسدة بل تحيلها تلك المواد الفاضلة إلى طبعها فهكذا مواد صحة القلب وفساده فتأمل قوة إيمان حاطب التي حملته على شهود بدر وبذله نفسه مع رسول الله وإيثاره الله ورسوله على قومه وعشيرته وقرابته وهم بين ظهراني العدو وفي بلدهم ولم يثن ذلك عنان عزمه ولا فل من حد إيمانه ومواجهته للقتال لمن أهله وعشيرته وأقاربه عندهم
فلما جاء مرض الجس برزت إليه هذه القوة وكان البحران صالحا فاندفع المرض وقام المريض كأن لم يكن به قلبة ولما رأى الطبيب قوة إيمانه قد استعلت على مرض جسه وقهرته قال لمن أراد فصده لا يحتاج هذا العارض إلى فصاد وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعكس هذا ذو الخويصرة التميمي وأضرابه من الخوارج الذين بلغ اجتهادهم في الصلاة والصيام والقراءة إلى حد يحقر أحد الصحابة عمله معه كيف قال فيهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وقال اقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم وقال شر قتلى تحت أديم السماء فلم ينتفعوا بتلك الأعمال العظيمة مع تلك المواد الفاسدة المهلكة واستحالت فاسدة وتأمل في حال إبليس لما كانت المادة المهلكة كامنة في نفسه لم ينتفع معها بما سلف من طاعاته ورجع إلى شاكلته وما هو أولى به وكذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين وأضرابه وأشكاله فالمعول على السرائر والمقاصد والنيات والهمم فهي الإكسير الذي يقلب نحاس الأعمال ذهبا أو يردها خبثا وبالله التوفيق ومن له لب وعقل يعلم قدر هذه المسألة وشدة حاجته إليها وانتفاعه بها ويطلع منها على باب عظيم من أبواب معرفة الله سبحان وحكمته في خلقه وأمره وثوابه وعقابه وأحكام الموازنة وإيصال اللذة والألم إلى الروح والبدن في المعاش والمعاد وتفاوت المراتب في ذلك بأسباب مقتضية بالغة ممن هو قائم على كل نفس بما كسبت
فصل
وفي هذه القصة جواز مباغتة المعاهدين إذا نقضوا العهد والإغارة عليهم وألا يعلمهم بمسيره إليهم وأما ما داموا قائمين بالوفاء بالعهد فلا يجوز ذلك حتى ينبذ إليهم على سواء
فصل
وفيها جواز بل استحباب كثرة المسلمين وقوتهم وشوكتهم وهيئتهم لرسل العدو إذا جاؤوا إلى الإمام كما يفعل ملوك الإسلام كما أمر النبي بإيقاد النيران ليلة الدخول إلى مكة وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان عند خطم الجبل وهو ما تضايق منه حتى عرضت عليه عساكر الإسلام وعصابة التوحيد وجندالله وعرضت عليه خاصكية رسول الله وهم في السلاح منهم إلا الحدق ثم أرسله فأخبر قريشا بما رأى
فصل
وفيها جواز دخول مكة للقتال المباح بغير إحرام كما دخل رسول الله والمسلمون وهذا لا خلاف فيه ولا خلاف أنه لا يدخلها من أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام واختلف فيما سوى ذلك إذا لم يكن الدخول لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب على ثلاثة أقوال أحدها لا يجوز دخولها إلا بإحرام وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنه وأحمد في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد قوليه والثاني أنه كالحشاش والحطاب فيدخلها بغير إحرام وهذا القول الآخر للشافعي ورواية عن أحمد والثالث أنه إن كان داخل المواقيت جاز دخوله بغير إحرام وإن كان خارج المواقيت لم يدخل إلا بإحرام وهذا مذهب أبي حنيفة وهدي رسول الله معلوم في المجاهد ومريد النسك وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله أو أجمعت عليه الأمة
فصل
وفيها البيان الصريح بأن مكة فتحت عنوة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعي وأحمد في أحد قوليه وسياق القصة أوضح شاهد لمن تأمله لقول الجمهور ولما استهجن أبو حامد الغزالي القول بأنها فتحت صلحا حكى قول الشافعي أنها فتحت عنوة في وسيطه وقال هذا مذهبه قال أصحاب الصلح لو فتحت عنوة لقسمها رسول الله بين الغانمين كما قسم خيبر وكما قسم سائر الغنائم من المنقولات فكان يخمسها ويقسمها قالوا ولما استأمن أبو سفيان لأهل مكة لما أسلم فأمنهم كان هذا عقد صلح معهم قالوا ولو فتحت عنوة لملك الغانمون رباعها ودورها وكانوا أحق بها من أهلها وجاز إخراجهم منها فحيث لم يحكم رسول الله فيها بهذا الحكم بل لم يرد على المهاجرين دورهم التي أخرجوا منها وهي بأيدي الذين أخرجوهم وأقرهم على بيع الدور وشرائها وإجارتها وسكناها والانتفاع بها وهذا مناف لأحكام فتوح العنوة وقد صرح بإضافة الدور إلى أهلها فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن قال أرباب العنوة لو كان قد صالحهم لم يكن لأمانه المقيد بدخول كل واحد داره وإغلاقه بابه وإلقائه سلاحه فائدة ولم يقاتلهم خالد ابن الوليد حتى قتل منهم جماعة ولم ينكر عليه ولما قتل مقيس ابن صبابة وعبدالله بن خطل ومن ذكر معهما فإن عقد الصلح لو كان قد وقع لا ستثني فيه هؤلاء قطعا ولنقل هذا وهذا ولو فتحت صلحا لم يقاتلهم وقد قال فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ومعلوم أن هذا الإذن المختص برسول الله إنما هو الإذن في القتال لا في الصلح فإن الإذن في الصلح عام وأيضا فلو كان فتحها صلحا لم يقل إن الله قد أحلها له ساعة من نهار فإنها إذا فتحت صلحا كانت باقية على حرمتها ولم تخرج بالصلح عن الحرمة وقد أخبر بأنها تلك الساعة لم تكن حراما وأنها بعد انقضاء ساعة الحرب عادت إلى حرمتها الأولى وأيضا فإنها لو فتحت صلحا لم يعبىء جيشه خيالتهم ورجالتهم ميمنة وميسرة ومعهم السلاح وقال لأبي هريرة اهتف لي بالأنصار فهتف بهم فجاؤوا فأطافوا برسول الله فقال أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا حتى قال أبو سفيان يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله من أغلق بابه فهو آمن
وهذا محال أن يكون مع الصلح فإن كان قد تقدم صلح وكلا فإنه ينتقض بدون هذا وأيضا فكيف يكون صلحا وإنما فتحت بإيجاف الخيل والركاب ولم يحبس الله خيل رسوله وركابه عنها كما حبسها يوم صلح الحديبية فإن ذلك اليوم كان يوم الصلح حقا فإن القصواء لما بركت به قالوا خلأت القصواء قال ما خلأت وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمة من حرمات الله إلا أعطيتهموها وكذلك جرى عقد الصلح بالكتاب والشهود ومحضر ملإ من المسلمين والمشركين والمسلمون يومئذ ألف وأربعمائة فجرى مثل هذا الصلح في يوم الفتح ولا يكتب ولا يشهد عليه ولا يحضره أحد ولا ينقل كيفيته والشروط فيه هذا من الممتنع البين امتناعه وتأمل نقوله إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين كيف يفهم منه أن قهر رسوله وجنده الغالبين لأهلها أعظم من قهر الفيل الذي كان يدخلها عليهم عنوة فحبسه عنهم وسلط رسوله والمؤمنين عليهم حتى فتحوها عنوة بعد القهر وسلطان العنوة وإذلال الكفر وأهله وكان ذلك أجل قدرا وأعظم خطرا وأظهر آية وأتم نصرة وأعلى كلمة من أن يدخلهم تحت رق الصلح واقتراح العدو وشروطهم ويمنعهم سلطان العنوة وعزها وظفرها في أعظم فتح فتحه على رسوله وأعز به دينه وجعله آية للعالمين قالوا وأما قولكم أنها لو فتحت عنوة لقسمت بين الغانمين فهذا مبني على الأرض داخلة في الغنائم التي قسمها الله سبحانه بين الغانمين بعد تخميسها وجمهور الصحابة والأئمة بعدهم على خلاف ذلك وأن الأرض ليست داخلة في الغنائم التي تجب قسمتها وهذه كانت سيرة الخلفاء الراشدين فإن بلالا وأصحابه لما طلبوا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقسم بينهم الأرض التي افتتحوها عنوة وهي الشام وما حولها وقالوا له خذا خمسها واقسمها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه رضي الله عنهم اقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة رضي الله عنهم عمر رضي الله عنه على ذلك
وكذلك جرى في فتوح مصر والعراق وأرض فارس وسائر البلاد التي فتحت عنوة لم يقسم منها الخلفاء الراشدون قرية واحدة ولا يصح أن يقال إنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم قد نازعوه في ذلك وهو يأبي عليهم ودعا على بلال وأصحابه رضي الله عنهم وكان الذي رآه وفعله عين الصواب ومحض التوفيق إذ لو قسمت لتوارثها ورثة أولئك وأقاربهم فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير والمقاتلة لا شيء بأيديهم فكان في ذلك أعظم الفساد واكبره وهذا هو الذي خاف عمر رضي الله عنه منه فوقفه الله سبحانه لترك قسمة الأرض وجعلها وقفا على المقاتلة تجري عليهم فيئا حتى يغزو منها آخر المسلمين وظهرت بركة رأيه ويمنه على الإسلام وأهله ووافقه جمهور الأئمة واختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب الإمام أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول الله فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وعن أحمد رواية ثانية أنها تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء عليها من غير أن ينشىء الإمام وقفها وهي مذهب مالك وعنه رواية ثالثة أنه يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلا أن يتركوا حقوقهم منها وهي مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة الإمام مخير بين القسمة وبين أن يقر أربابها فيها بالخراج وبين أن يجليهم عنها وينفذ إليها قوما آخرين يضرب عليهم الخراج وليس هذا الذي فعل عمر رضي الله عنه بمخالف للقرآن فإن الأرض ليست داخلة في الغنائم التي أمر الله بتخميسها وقسمتها ولهذا قال عمر إنها غير المال ويدل عليه أن إباحة الغنائم لم تكن لغير هذه الأمة بل هو من خصائصها كما قال في الحديث المتفق على صحته وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قلبي وقد أحل الله سبحانه الأرض التي بأيدي الكفار لمن قبلنا من أتباع الرسل إذا استولوا عليها عنوة كما أحلها لقوم موسى فلهذا قال موسى لقومه ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) ( المائدة 21 ) فموسى وقومه قاتلوا الكفار واستولوا على ديارهم وأموالهم فجمعوا الغنائم ثم نزلت النار من السماء فأكلتها وسكنوا الأرض والديار ولم تحرم عليهم فعلم أنها ليست من الغنائم وأنها لله يورثها من يشاء
فصل
وأما مكة فإن فيها شيئا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى وهي أنها لا تملك فإنها دار النسك ومتعبد الخلق وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد فهي وقف من الله على العالمين وهم فيها سواء ومنى مناخ من سبق قال تعالى ( إن الذين كفروا ويصدون عن سيبل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) ( الحج 25 ) والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم كله كقوله تعالى ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) ( التوبة 28 ) فهذا المراد به الحرم كله وقوله سبحانه (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) ( الإسراء 1 ) وفي الصحيح أنه أسري به من بيت أم هانىء وقال تعالى ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) ( البقرة 196 ) وليس المراد به حضور نفس موضع الصلاة اتفاقا وإنما هو حضور الحرم والقرب منه وسياق آية الحج تدل على ذلك فإنه قال ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) وهذا لا يختص بمقام الصلاة قطعا بل المراد به الحرام كله فالذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد هو الذي توعد من صد عنه ومن أراد الإلحاد بالظلم فيه فالحرم ومشاعره كالصفا والمروة والمسعى ومني وعرفة ومزدلفة لا يختص بها أحد دون أحد بل هي مشتركة بين الناس إذ هي محل نسكهم ومتعبدهم فهي مسجد من الله وقفه ووضعه لخلقه ولهذا امتنع النبي أن يبنى له بيت بمنى يظله من الحر وقال منى مناخ من سبق ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارة بيوتها هذا مذهب مجاهد وعطاء من أهل مكة ومالك في أهل المدينة وأبي حنيفة في أهل العراق وسفيان الثوري والامام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وروى الإمام أحمد رحمه الله عن علقمة بن نضلة قال كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر من احتاج سكن واستغنى أسكن وروى أيضا عن عبدالله بن عمر من أكل أجور بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نار جهنم رواه الدارقطني مرفوعا إلى النبي وفيه إن الله حرم مكة فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها
وقال الإمام أحمد حدثنا معمر عن ليث عن عطاء وطاووس ومجاهد أنهم قالوا يكره أن تباع رباع مكة أو تكرى بيوتها وذكر الإمام أحمد عن القاسم بن عبد الرحمن قال من أكل من كراء بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نارا وقال أحمد حدثنا هشيم حدثنا حجاج عن مجاهد عن عبد الله ابن عمر قال نهى عن إجارة بيوت مكة وعن بيع رباعها وذكر عن عطاء قال نهى عن إجارة بيوت مكة وقال أحمد حدثنا إسحاق بن يوسف قال حدثنا عبد الملك قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجارة بيوت مكة وقال إنه حرام وحكى أحمد عن عمر أنه نهى أنه يتخذ أهل مكة للدور أبوابا لينزل البادي حيث شاء وحكي عن عبدالله ابن عمر عن أبيه أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا ومن لداره باب أن يغلقه وهذا في أيام الموسم قال المجوزون للبيع والإجارة الدليل على جواز ذلك كتاب الله وسنة رسوله وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين قال الله تعالى ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) ( الحشر 8 ) وقال ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم ) ( آل عمران 195 ) وقال ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ) ( الممتحنة 9 ) فأضاف الدور إليهم وهذه إضافة تمليك وقال النبي وقد قيل له أين تنزل غدا بدارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع ولم يقل إنه لا دار لي بل أقرهم على الإضافة وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده وإضافة دورهم إليهم في الأحاديث أكثر من أن تذكر كدار أم هانىء ودار خديجة ودار أبي أحمد بن جحش وغيرها وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول ولهذا قال النبي وهل ترك لنا عقيل من منزل وكان عقيل هو ورث دور أبي طالب فإنه كان كافرا ولم يرثه علي رضي الله عنه لاختلاف الدين بينهما فاستولى عقيل على الدور ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها بل قبل المبعث وبعده من مات ورث ورثته داره إلى الآن
وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم فاتخذها سبحنا وإذا جاز البيع والميراث فالإجارة أجوز وأجوز فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى وحججهم في القوة والظهور فلا تدفع وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا ويجب العمل بموجبها كلها والواجب اتباع الحق أين كان فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين وأن الدور تملك توهب وتورث وتباع ويكون نقل الملك في البناء لا في الأرض والعرصة فلو زال بناؤه لم يكن له أن يبيع الأرض وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره ويختص بها لسبقه وحاجته فإذا استغنى عنها لم يكن له أن يعارض عليها كالجلوس في الرحاب والطرق الواسعة والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التي من سبق إليها فهو أحق بها ما دام ينتفع فإذا استغنى لم يكن له أن يعاوض وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك في رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض ذكره أصحاب أبي حنيفة فإن قيل فقد منعتم الإجارة وجوز تم البيع فهل لهذا نظير في الشريعة والمعهود في الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع فقد يمتنع البيع وتجوز الإجارة كالوقف والحر فأما العكس فلا عهد لنا به قيل كل واحد من البيع والاجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر في جوازه وامتناعه وموردهما مختلف وأحكامها مختلفة وإنما جاز البيع لأنه وارد على المحل الذي كان البائع أخص به من غيره وهو البناء وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة وهي مشتركة وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة فإن أبيتم إلا النظير قيل هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه ويصير مكاتبا عند مشتريه ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التي ملكها بعقد الكتابة والله أعلم على أنه لا يمنع البيع وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة إن احتاج سكن وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع فليس في بيعها إبطال اشتراك المسلمين في هذه المنفعة كما أنه ليس في بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التي ملكها بعقد المكاتبة ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التي وقفها عمر رضي الله عنه على الصحيح الذي استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية كما كانت عند البائع وحق المقاتلة إنما هو في خراجها وهو لا يبطل بالبيع وقد اتفقت الأمة على أنها تورث فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا فكذلك ينبغي أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا في النكاح فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة جاز البيع فيها قياسا وعملا وفقها والله أعلم
فصل
فإذا كانت مكة قد فتحت عنوة فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا قيل في هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة أحدهما المنصوص المنصور الذي لا يجوز القول بغيره أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج لا سيما والخراج هو جزية الأرض وهو على الأرض كالجزية على الرؤوس وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض والثاني وهو قول بعض أصحاب أحمد أن على مزارعها الخراج كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمه الله ومذهبه ولفعل رسول الله وخلفائه الراشدين من بعده رضي الله عنهم فلا التفات إليه والله أعلم وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة وهذا بناء غير صحيح فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم وفيها تعيين قتل الساب لرسول الله وأن قتله حد لا بد من استيفائه فإن النبي لم يؤمن مقيس بن صبابة وابن خطل والجاريتين اللتين كانتا تغنيان بهجائه مع أن نساء أهل الحرب لا يقتلن كما لا تقتل الذرية وقد أمر بقتل هاتين الجاريتين وأهدر دم أم ولد الأعمى لما قتلها سيدها لأجل سبها النبي وقتل كعب بن الأشرف اليهودي وقال من لكعب فإنه قد آذى الله ورسوله وكان يسبه وهذا إجماع من الخلفاء الراشدين ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف فإن الصديق رضي الله عنه قال لأبي برزة الأسلمي وقد هم بقتل من سبه لم يكن هذا لأحد غير رسول الله
ومر عمر رضي الله عنه براهب فقيل له هذا يسب رسول الله فقال لو سمعته لقتلته إنا لم نعطهم الذمة على أن يسبوا نبينا ولا ريب أن المحاربة بسب نبينا أعظم أذية ونكاية لنا من المحاربة باليد ومنع دينار جزية في السنة فكيف ينقض عهده ويقتل بذلك دون السب وأي نسبة لمفسدة منعه دينارا في السنة إلى مفسدة منع مجاهرته بسب نبينا أقبح سب على رؤوس الأشهاد بل لا نسبة لمفسدة محاربته باليد إلى مفسدة محاربته بالسب فأولى ما انتقض به عهده وأمانه سب رسول الله ولا ينتقض عهده بشيء أعظم منه إلا سبه الخالق سبحانه فهذا محض القياس ومقتضى النصوص وإجماع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وعلى هذه المسألة أكثر من أربعين دليلا فإن قيل فالنبي لم يقتل عبد الله بن أبي وقد قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولم يقتل ذا الخويصرة التميمي وقد قال له اعدل فإنك لم تعدل ولم يقتل من قال له يقولون إنك تنهى عن الغي وتستخلي به ولم يقتل القائل له إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله ولم يقتل من قال له لما حكم للزبير بتقديمه في السقي أن كان ابن عمتك وغير هؤلاء ممن كان يبلغه عنهم أذى له وتنقص قيل الحق كان له فله أن يستوفيه وله أن يسقطه وليس لمن بعده أن يسقط حقه كما أن الرب تعالى له أن يستوفي حقه وله أن يسقط وليس لأحد أن يسقط حقه تعالى بعد وجوبه كيف وقد كان في ترك قتل من ذكرتم وغيرهم مصالح عظيمة في حياته زالت بعد موته من تأليف الناس وعدم تنفيرهم عنه فإنه لو بلغهم أنه يقتل أصحابه لنفروا وقد أشار إلى هذا بعينه وقال لعمر لما أشار عليه بقتل عبد الله بن أبي لا يبلغ الناس أن محمدا يقتل أصحابه ولا ريب أن مصلحة هذا التأليف وجمع القلوب عليه كانت أعظم عنده وأحب إليه من المصلحة الحاصلة بقتل من سبه وآذاه ولهذا لما ظهرت مصلحة القتل وترجحت جدا قتل الساب كما فعل بكعب بن الأشرف فإنه جاهر بالعداوة والسب فكان قتله أرجح من إبقائه وكذلك قتل ابن خطل ومقيس والجاريتين وأم ولد الأعمى فقتل للمصلحة الراجحة وكف للمصلحة الراجحة فإذا صار الأمر إلى نوابه وخلفائه لم يكن لهم أن يسقطوا حقه