البحث
المحيط العجيب!
شابٌّ مَعرُوف مُنْذ صِغَره بِحماسِه الشدِيد، وتجْربته لِكلِّ مَا هُو جديد، مُسْتَعِد لِأن يَقُوم بِأيِّ تحدٍّ قد يُواجِهه مَهمَا كَانَت دَرجَة صُعوبَته!
وَفِي يَوْم مِن الأيَّام سَمِع هذَا الشَّابّ عن وُجُود مُحيطٍ غريب لَيْس مِثْل غَيرِه مِن المحيطات يقولون أنّهُ يُوجَد فِيه سِرٌّ عجيبٌ لَا يَكتشِفه إِلَّا مِن غاص فِيه، وأنّ كُل مِن نَزلَه لَم يَستَطِع الخُروج مِنْه كمَا دخل؛ مِن هَوْل مَا رأى فِيه.
وَهنَا قَرَّر هذَا الشَّابِّ المغامر أن يَحمِل أغْراضه ويجهِّز مُعَداتِه لِيسافر فِي رِحْلَة لِيَصل إِلى هذَا المحِيط بل وَيغُوص فِيه ويكْتَشف السِّرَّ الذِي يَتَحدَّث النَّاس عنه. ورغْم تحْذيرات أَهلِه والنَّاس وَمنعِه مِن الذَّهَاب وقوْلهم لَه أنَّ هذَا المحِيط لَيْس لُعبَة والمَوْتُ فِيه لَا يَحتَمِل النَّجَاة منه!
إلَّا أَنَّه كان فِي دَاخلِه شُعُور غريب يدْفعه ويزيده إِصْرارًا لِخَوض وإنْجَاز مَا أَقدَم عليْه.
وَعلَى عَكْس المتوقَّع؛ لَم تَكُن رِحْلته لِلوصول إِلى المحِيط شَاقَّة، ولم تَكُن مَلِيئَة بِالعثرات كمَا قِيل…
وَلكِن عِنْدمَا وصل مُتَحمسًا إِلى شَاطِئ المحِيط انخفَض ارتِفاع هُرْمُون الدُّوبامين، واخْتَفتْ الابْتسامة التِي لَم تُفَارِق وَجهَه طَوَال الطرِيق..!
وَذلِك بَعْد أن رأى المحِيط وظنَّ مِن ظَاهِره أَنَّه لَيْس فِيه ما يميزه، ولَا علامَات تُنبئ أَنَّه مُخْتَلِف عن أيِّ مُحيطٍ، وأن كُلَّ مَا سَمعَه كان مُجرَّد كَلَام أَساطِير.
وعنْدَهَا قَرَّر الالْتفات عن طَرِيقَه والرُّجوع أدْراجه، وَقبِل أن يَرحَل سَمِع نِدَاء رَجُل كبير فِي السِّنِّ، مُنير الوجْه، يَرتَدِي مَلابِس بَيْضاء وَتظهِر عليْه علامَات النَّقَاء، يُنَادِي عليْه ويسْأَله عن سبب قُدومه لِشَاطئ المحِيط؛ فَقَال لَه الشَّابُّ أنَّه سَمِع فِيه الأقاويل، وَقرَّر أن يَخُوض رِحْلَة لِيكْتَشف مَا فِيه، وعنْدَمَا جاء ظنّ أَنَّه تمَّ الضحِك عليْه.
وَهنَا قال لَه الرَّجل الكبِير أن لَا تَنخَدِع بِظاهر مَا تَرَاه، وَبمَا قِيل؛ وَقَال لَه أنَّ هذَا المحِيط مُعْجِزة لَن ترى مثلَهَا على مرِّ التَّاريخ وَأنَّه إِن كان لَديْه عَزْم حَقيقِي لِرؤْية مَا فِيه، فَهُو يَستطِيع دَلَّه لخَوض تَجرِبة لَيْس لَهَا مثيل.
وَهنَا عاد لِلشَّابِّ حَماسَه مِن جديد.
وبدؤوا بِنَصب القارب الذِي سَيخُوض بِه هَذِه المغامرة، وعنْدَمَا انْتهَوْا مِنْه قام الشَّابُّ بِوَضع بَعْض الماء والطَّعام الذِين جهَّزهم لِلرِّحْلة مِن قَبْل فِي القارب الصغِير.
وحينهَا ابتسَم الرَّجل الكبِير وَقَال لَه:"لَن تحْتاجهم."
فَتعجّب الشَّابّ!
وَقرَّر الانْطلاق فِي البحْر، وَقبِل أنَّ تُحركَه رِيَاح المحِيط قال لَه الرَّجل الكبِير:"بِقَدر مَا كُنْت صادقًا سيعطيك هذَا المحِيط."
فلم يَفهَم الشَّابُّ المعْنى كثيرًا وانْطَلق.
وَبعد مَا يَتَجاوَز الدَّقائق فِي المحِيط، عثر الشَّابُّ على مُفَاجأَة وجدهَا فِي القارب الخاص بِه، أَلَا وَهِي كُرَّاسة لَه كان يَكتُب فِيهَا ذِكْرياته وأحْلامه وأسْئلة مُلحَّة فِي عَقلِه كان يسألها وَهُو صغير!
وعنْدَمَا قرأهَا مَرَّة أُخرَى إِذ بِهَا تُجدّد عليه جُرْحًا أَخمده قَلبُه المتكاسل عن إِيجَاد إِجابَات حَقيقِية لَهَا مِن عَشَرات السنِين وفتحتْ بابًا مِن الألم الشدِيد...
العجِيب أنَّ هَذِه الكرَّاسة لَم يَرهَا مُنْذ سِنين، ولَا يَعرِف كَيْف وُجدَت على مَتْن القارب فِي المحِيط!
فَكَان كُلمَا زاد إِبْحارًا كُلمَا زاد اختِناقًا مِن هَذِه الأسْئلة التِي تُدمِّر عَقلَه مِن كَثرَة التَّفْكير.
وَهنَا قام بِغَطسِ دِماغه فِي مِيَاه المحِيط لَعلَّهَا تُخفِّف عَنْه الألم الذِي فِيه...
وعنْدَمَا أخْرجَهَا إِذ به يرى أمامَه وَرقَة مَكتُوب فِيهَا كَلَام عجيب يُجيب على أَكثَر سُؤَال عَالِق فِي دِماغه!
عِنْدمَا قَرأَها تَعجَّب مِن مدى دِقَّة وَجَمال وَبَلاغَة الإِجابَة على السُّؤَال!
فلم يُصدِّق مَا حدث لَه فأدْخل دِماغه مَرَّة أُخرَى وأخْرجهَا فَإذَا بِه يَجِد رِسالة أُخرَى أَبلَغ مِن التي قَبْلها تُجِيب على سُؤَال آخر كان يُعَانِي لِلإجابة عليْه!
وَأَعاد ذَلِك أَكثَر مِن مَرَّة حَتَّى أُجيبتْ كُلُّ الأسْئلة بِكلام لَم يَقرَأ مَثلَه قطُّ فِي كِتَاب. فَقرَّر ألَّا يُنزِل هَذِه المرَّة جُزْءًا مِنْه بل سيَنزِل كُلّه فِي هذَا المحِيط!
وعنْدَمَا نزل فِيه وجد أَنَّه - خِلافًا لِأيِّ بَحْر أو مُحيطٍ - لَم يَختَنِق عِنْدمَا غطَّى الماء جَسدَه كُلَّه، بل شعر أَنَّه أَصبَح يَتَنفَّس مِن جديد، وأن الذِي يَخنِق حَقِيقَة هُو العالم خَارِج المحِيط!
لَم يُصدِّق عيْنيْه مِن جَمَال مَا رأى!
خَيْرات لَا تَنضُب، دُرَر لَا تَنفذ، نَفائِس لَا تَنتَهِي، كُلمَا وجد نَفسَه يَجمَع مِن اللَّآلئ والمجوْهرات مَا كان يَطمَع بِه أن يُغْنِيه يَجِد الكُنوز تَتَجدَّد وتزيد ويْكأَنَّه لَم يَأخُذ مِنهَا شَيئًا!
وَكُلمَا تَحرّك يمينًا أو يَسَارًا أو نظر فَوْقه أو تَحْته رأى مَا يرْويه وَيسُد حاجات لَطالمَا ظنَّ أَنه يَستحِيل أن تُسَد فِيه!
ويْكأنَّ هذَا المحِيط فِيه الدَّوَاء الشَّافي لِقلْبه، والبلْسم الواقي لِجوارحه.
فبعْد أن قضى جُلّ عُمْرِه يَبحَث عن الإثارة واللَّذَّة فِي مُغامرات وتحدِّيات؛ لِأَول مَرَّة يَشعُر بِالطُّمأْنينة الحقَّة.
لِيُذاع صِيتُ فَرحِه فِي كُلِّ مَكَان وَكَأنَّه لَم يَشعُر بِطَعم السَّعادة قطُّ فِي يَوْم مِن الأيَّام.
لَم يَكُن يَدرِي أنَّ فِي هَذِه الحيَاة قد يَشعُر الإنْسان بِنعيم وَتنعِيم مِثْل مَا يَشعُر بِه الآن، فيقرِّر أن يُنْهِي حياته وَهُو يعيش فِي المحِيط، فبعْد الذي رأى مِن السّعادَة وَهُو فِيه، يَستحِيل أن يَذهَب بِقدمَيْه مَرَّة أُخرَى إِلى الجحِيم، وَلكِنّه تَوقّف قليلا...
هُنَاك أُنَاس لَا يعرفون شيْئًا عن حَقِيقَة المحِيط، وَيظُنون أَنَّ فِيه وحْشًا مُخيفًا!
لِيقرِّر ألَّا يعيش وَحدَه فِي هذَا النعِيم ويذْهب لِيأْتي بِأصْدقائه وَأهلِه والمقرَّبين بل والنَّاس أَجمعِين!
تعالَوْا إِلى هذَا الكنْز الكبِير الذِي مَهمَا أخذْتم مِنْه لَن يَمنَع عَنكُم مَا يُعْطِيه، ستجدون فِيه طعامًا لَم تُطْعَموا مِثْله مِن قَبْل، وَشَرابًا لَن تشرَبوا مَثلَه قطُّ، لِيصْعد ويركَب القارب وَيتجِه إِلى الشَّاطئ لِيقابل العجوز بِاحْتضان فَيقُول لَه العجوز:"عَرفت لِمَا لَيْس عليْك أن تَحمِل معك طَعَام!"
فَقَال لَه:"لِماذَا لَا يَعلَم أحد بِهَذا الكنْز الكبِير؟"
فَقَال لَه الرَّجل العجوز:"ومن قال لَك أنَّهم لَا يعْلمون؟ مِنْهم من يَأتِي فيأْخذ بَعْض الدُّرر والنَّفائس الموْجودة أَمَام شَواطِئه وأراضيه ثُمَّ يَرحَل، ومنْهم مِن يَسبَح قليلًا ثمَّ لَا يَكَاد يَصبِر فيخْرج مِنْه قَبْل أن يَتَحصَّل مِمَّا فِيه، ألم أقُل لَك أَنَّه بِقَدر صِدْقِك وَعزمِك سَيُعْطِيك..."
فَقَال لَه الشَّابُّ:"ومَا مَنْع النَّاس أن يَأتُوا إِلَيه ويسْبحون فِيه، ويأْخذون مِن الكُنوز التِي بِه؟"
فَأَشار بِيَده لِمشْهد رهيب لَم يُفارِقْ عَينَه بَعْدها لِسنين!
وعلى مَسافَة بَعِيدَة مِن البحْر، كان أَهلَه واقفين ويَبْدُو عَليهِم عَلامَة السُّكر وأنَّهم مُغيَّبون!
وَلكِن لَم يكونوا مُنْفردين بل مع غَيرهِم، مَلايِين مِن البشر المخْتلفين في الأشْكال والألْوان والأجْناس كُلهُم واقفون بِنَفس الهيْئة ويْكأنَّهم مُسْتعْبدون!
نظر إِلى خطِّ مِن الدُّمى والعرائس المتحرّكة التِي تَقِف حاجزًا بيْنهم وبيْن وُصولِهم المحِيط، وعنْدَمَا دَقَّق فِيهم وجد أنَّ هذه العرائس المتحرّكة التي تقِف حَائِط سدٍّ أَمَام المحِيط هي نَفسُها لَاعبو كُرَة القدم الذِين لَطَالمَا سَافر لِيشاهد مُبارياتهم!
وممثِّلو هُوليود الذِين لَطَالمَا تابعَهم وَتَتبَّع أخْبارهم!
والمغنّون الذين لَطَالمَا استمَع إِلى معازفهم وَحضَر حفْلاتهم، والإعْلاميُّون الذِين لَطَالمَا صدّق وَروَّج لكِذْباتهم.
هؤلاء الملوَّنون بِبريق الشُّهْرة يعْملون كسحرة لِيخْفوا عن النَّاس حَقِيقَة المحِيط وَهُم فِي الحقيقة مُجرَّد مأْجورين!
وبيْن هؤلاء وَهؤُلاء أَشخَاص بِيض الثِّيَاب، كِثاث اللّحِيّ، يَظْهر عَليهِم النَّقَاء والطّيِّب، يَقفُون يَدعُون النَّاس لِلنُّزول فِي المحِيط، وَلكِن هَيْهات هَيْهات فقليل مَن يَستجِيب، بل مِنْهم مِن يرْميهم وَيُلقِي عَليهِم الطِّين!
يَخَاف مِنْهم شَخْص يُشَاهِد هذَا المشْهد وَهُو يَبتَسِم مِن بعيد، وَهُو الذِي يَتَحكَّم بِخَيط الدُّمى المتحرّكة.
وعنْدَمَا نظر إِلَيه لَم ير فِي حَياتِه فِي دِمامة وَجهه، وَنتانة رائحَته وَخُبث ابْتسامته...
إِنَّه إِبْليس اللّعِين وَهؤُلاء الممثِّلون والمغنّون وَلاعِبو كُرَة القدم والإعْلاميّون هُم أَعوَان الشَّياطين، أَمَّا هذَا المحِيط العظِيم الملِيء بِالدُّرر واللآليء الثمِينة وَالذِي لَا يَعلَم عن السَّعادة التِي فِيه الملايين هُو القُرآن اَلكرِيم، والعجوز والأشْخاص الملتحون هُم دُعَاة الإسْلام والمسْلمون الذين يَدعُون النَّاس لَيْل نهار لِلنَّهل مِن هذَا الكنْز الكبِير، والخروج مِن زَيْف وَتَعاسَة عَالَم الشَّياطين.
وَهذَا الشَّابُّ لَيْس وحده مِن أفاقَ بَعْد أن نَهل وَغاص فِي مَعانِي القُرآن العظِيم، بل كُلٌّ صَادِق يَبحَث عن الحَق والسَّعادة الحقيقيَّة، ومن بحَث فِيه فَسيَجِد إِجابة لِكلِّ مَا يُعانِيه وحلًّا لِكلِّ مَا أَخفَاه عَالَم الوهْم عنه.
وَضْع صُورَة على الشَّاشة مَكتُوب فِيهَا بِالأحْمر:
(اِنتهَت رِحْلَة الشَّابِّ، حان وَقْت انطِلاق رِحْلتك الآن...
تَذكّر فقط مَقُولَة الشَّيْخ، بِقَدر مَا كُنْت صادقًا سَيعطِيك هذَا المحِيط)
نُعْطِي نُسخَة لِتفْسِير القُرآن الكرِيم بِلغات مُتَعددَة.
نضع رَوابِط القُرآن مَسمُوعا مع وُجُود تَرجمَة دَقِيقَة لِلتَّفْسير بِلغات مُتَعددَة.
نضع مَواقِع مُتَعلقَة بِتقْرِيب مَعانِي القُرآن وَدرُوس مَسمُوعة لِشَرح القُرآن وَربطِه بِالحياة اليومية بِلغات مُختلفَة وَموقِع شات أَند دِيسايد لِلرَّدِّ على كُلِّ الاسْتفْسارات والشُّبهات فِي طريق رِحْلتك لِلتَّعَرُّف على القُرآن.