1. المقالات
  2. الجزء الخامس_زاد المعاد
  3. ذكر حكم رسول الله في إحداد المعتدة نفيا وإثباتا

ذكر حكم رسول الله في إحداد المعتدة نفيا وإثباتا

5935 2007/11/29 2024/12/21


ذكر حكم رسول الله في إحداد المعتدة نفيا وإثباتا


ثبت في الصحيحين عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث قالت زينت دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي حين توفي أبوها سفيان فدعت أم حبيبة رضي الله عنها بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه ثم مست بعارضيها ثم قالت والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث على زوج أربعة أشهر وعشرا

 


قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله يقول على المنبر لا يحل تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر   قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة رضي الله عنها تقول جاءت امرأة إلى رسول الله يا رسول الله إن بنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها فقال رسول لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول

 

 

فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس ولا شيئا حتى يمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو قال مالك تفتض تمسح به جلدها وفي الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة توفي عنها زوجها فخافوا على فأتوا النبي فاستأذنوه في الكحل فقال رسول الله قد كانت إحداكن تكون في بيتها أو في شر أحلاسها في بيتها حولا فإذا مر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة وعشرا وفي الصحيحين عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها أن رسول الله قال لا تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا عصب ولا تكتحل  ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار وفي سنن أبي داود من حديث الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة زوج النبي قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا ولا تختضب وفي سننه أيضا من حديث ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال سمعت المغيرة بن الضحاك أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل قال أحمد بن صالح رحمه الله الصواب بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم رضي الله عنها فسألتها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحلي به إلا من أمر لا بد يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار

 

 

 ثم قالت عند ذلك أم سلمة دخل علي الله حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب فقال إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء يا رسول الله قال بالسدر تغلفين به  وقد تضمنت هذه السنة أحكاما عديدة أحدها أنه لا يجوز الإحداد على ميت فوق ثلاث كائنا من كان إلا الزوج وحده وتضمن الحديث الفرق بين الإحدادين من وجهين أحدهما من جهة الوجوب والجواز فإن الإحداد على الزوج واجب وعلى غيره جائز الثاني من مقدار مدة الإحداد فالإحداد على الزوج عزيمة وعلى غيره رخصة وأجمعت على وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا ما حكي عن الحسن والحكم بن عتيبة أما فروى حماد بن سلمة عن حميد عنه أن المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها وتمتشطان وتتطيبان وتختضبان وتنتقلان وتصنعان ما شاءتا وأما الحكم فذكر شعبة أن المتوفى عنها لا تحد قال ابن حزم واحتج أهل هذه المقالة ثم ساق من طريق أبي الحسن محمد بن عبدالسلام محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثنا الحكم بن عتيبة عن بن شداد بن الهاد أن رسول الله قال لامرأة جعفر بن أبي طالب إذا كان أيام فالبسي ما شئت أو إذا كان بعد ثلاثة أيام شعبة شك ومن طريق حماد بن سلمة حدثنا الحجاج بن أرطاة عن الحسن بن سعد عن عبدالله بن شداد أسماء بنت عميس استأذنت النبي   صلى الله عليه وسلم  بأن تبكي على جعفر وهي امرأته فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن واكتحلي قالوا وهذا ناسخ لأحاديث الإحداد لأنه بعدها فإن أم سلمة رضي الله عنها روت حديث وأنه أمرها به إثر موت أبي سلمة ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت رضي الله عنهما وأجاب الناس عن ذلك بأن هذا حديث منقطع فإن عبدالله بن شداد بن الهاد لم يسمع من الله ولا رآه فكيف يقدم حديثه على الأحاديث الصحيحة المسندة التي لا مطعن وفي الحديث الثاني الحجاج بن أرطاة ولا يعارض بحديثه حديث الأئمة الأثبات هم فرسان الحديث

 

 

 


فصل


الحكم الثاني أن الإحداد تابع للعدة بالشهور أما الحامل فإذا انقضى حملها سقط الإحداد عنها اتفاقا فإن لها أن تتزوج وتتجمل وتتطيب لزوجها وتتزين له ما فإن قيل فإذا زادت مدة الحمل على أربعة أشهر وعشر فهل يسقط وجوب الإحداد أم يستمر حين الوضع قيل بل يستمر الإحداد إلى حين الوضع فإنه من توابع العدة ولهذا قيد وهو حكم من أحكام العدة وواجب من واجباتها فكان معها وجودا وعدما

 

 

 

 

فصل

الحكم الثالث أن الإحداد تستوي فيه جميع الزوجات المسلمة والكافرة والحرة والأمة والكبيرة وهذا قول الجمهور أحمد والشافعي ومالك إلا أن أشهب وابن نافع لا إحداد على الذمية ورواه أشهب عن مالك وهو قول أبي حنيفة ولا إحداد عنده الصغيرة واحتج أرباب هذا القول بأن النبي جعل الإحداد من أحكام من يؤمن بالله واليوم فلا تدخل فيه الكافرة ولأنها غير مكلفة بأحكام الفروع قالوا وعدوله عن اللفظ العام المطلق إلى الخاص المقيد بالإيمان يقتضي أن هذا من الإيمان ولوازمه وواجباته فكأنه قال من التزم الإيمان فهذا من شرائعه والتحقيق أن نفي حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفي حكمه عن الكفار ولا إثبات لهم وإنما يقتضي أن من التزم الإيمان وشرائعه فهذا لا يحل له ويجب على كل حال أن الإيمان وشرائعه ولكن لا يلزمه الشارع شرائع الإيمان إلا بعد دخوله فيه وهذا لو قيل لا يحل لمؤمن أن يترك الصلاة والحج والزكاة فهذا لا يدل على أن ذلك حل وهذا كما قال في لباس الحرير لا ينبغي هذا للمتقين فلا يدل أنه ينبغي وكذا قوله لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا   وسر المسألة أن شرائع الحلال والحرام والإيجاب إنما شرعت لمن التزم أصل الإيمان لم يلتزمه وخلي بينه وبين دينه فإنه يخلي بينه وبين شرائع الدين الذي التزمه خلي بينه وبين أصله ما لم يحاكم إلينا وهذه القاعدة متفق عليها بين العلماء عذر الذين أوجبوا الإحداد على الذمية أنه يتعلق به حق الزوج المسلم وكان منه به كأصل العدة ولهذا لا يلزمونها به في عدتها من الذمي ولا يتعرض لها فيها هذا كعقودهم مع المسلمين فإنهم يلزمون فيها بأحكام الإسلام وإن لم يتعرض مع بعضهم بعضا ومن ينازعهم في ذلك يقولون الإحداد حق لله تعالى ولهذا لو هي والأولياء والمتوفى على سقوطه بأن أوصاها بتركه لم يسقط ولزمها الإتيان فهو جار مجرى العبادات وليست الذمية من أهلها فهذا سر المسألة

 

 

فصل


الحكم الرابع أن الإحداد لا يجب على الأمة ولا أم الولد إذا مات سيدهما لأنهما بزوجين قال ابن المنذر لا أعلمهم يختلفون في ذلك فإن قيل فهل لهما أن تحدا ثلاثة أيام قيل نعم لهما ذلك فإن النص إنما حرم الإحداد الثلاث على غير الزوج وأوجبه أربعة أشهر وعشرا على الزوج فدخلت الأمة وأم فيمن يحل لهن الإحداد لا فيمن يحرم عليهن ولا فيمن يجب فإن قيل فهل يجب على المعتدة من طلاق أو وطء شبهة أو زنى  استبراء إحداد قلنا هذا هو الحكم الخامس الذي دلت عليه السنة أنه لا إحداد على واحدة من هؤلاء السنة أثبتت ونفت فخصت بالإحداد الواجب الزوجات وبالجائز غيرهن على الأموات وما عداهما فهو داخل في حكم التحريم على الأموات فمن أين لكم دخوله في على المطلقة البائن وقد قال سعيد بن المسيب وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه اختارها الخرقي إن البائن يجب عليها وهذا محض القياس لأنها معتدة بائن من نكاح فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها اشتركا في العدة واختلفا في سببها ولأن العدة تحرم النكاح فحرمت دواعيه ولا ريب أن الإحداد معقول المعنى وهو أن إظهار الزينة والطيب والحلي مما يدعو إلى الرجال ويدعو الرجال إليها فلا يؤمن أن تكذب في انقضاء عدتها استعجالا فمنعت من دواعي ذلك وسدت إليه الذريعة هذا مع أن الكذب في عدة الوفاة يتعذر بظهور موت الزوج وكون العدة أياما معدودة بخلاف عدة الطلاق فإنها بالأقراء لا تعلم إلا من جهتها فكان الإحتياط لها أولى

 

 

 

 قيل قد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم زينته التي أخرج لعباده والطيبات من وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يحرم من الزينة إلا ما حرمه الله ورسوله والله قد حرم على لسان رسوله زينة الإحداد على المتوفى عنها مدة العدة وأباح الإحداد بتركها على غير الزوج فلا يجوز تحريم غير ما حرمه بل هو على أصل وليس الإحداد من لوازم العدة ولا توابعها ولهذا لا يجب  على الموطوءة بشبهة ولا المزني بها ولا المستبرأة ولا الرجعية اتفاقا وهذا القياس من قياسها على المتوفى عنها لما بين العدتين من القروء قدرا أو سببا وحكما عدة الأقراء بالأقراء أولى من إلحاق عدة الأقراء بعدة الوفاة وليس المقصود الإحداد على الزوج الميت مجرد ما ذكرتم من طلب الإستعجال فإن العدة فيه لم تكن العلم ببراءة الرحم ولهذا تجب قبل الدخول وإنما هو من تعظيم هذا العقد خطره وشرفه وأنه عند الله بمكان فجعلت العدة حريما له وجعل الإحداد من تمام المقصود وتأكده ومزيد الإعتناء به حتى جعلت الزوجة أولى بفعله على زوجها من وابنها وأخيها وسائر أقاربها وهذا من تعظيم هذا العقد وتشريفه وتأكد الفرق وبين السفاح من جميع أحكامه ولهذا شرع في ابتدائه إعلانه والإشهاد عليه بالدف لتحقق المضادة بينه وبين السفاح وشرع في آخره وانتهائه من العدة ما لم يشرع في غيره

 

 

 


فصل


الحكم السادس في الخصال التي تجتنبها الحادة وهي التي دل عليها النص دون الآراء التي لا دليل عليها وهي أربعة أحدها الطيب بقوله في الحديث الصحيح لا تمس طيبا ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب ولهذا لما خرجت أم حبيبة رضي الله عنها من إحدادها على أبيها أبي سفيان بطيب فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم ذكرت الحديث ويدخل في الطيب المسك والكافور والند والغالية والزباد والذريرة   والأدهان المطيبة كدهن البان والورد والبنفسج والياسمين والمياه المعتصرة الأدهان الطيبة كماء الورد وماء القرنفل وماء زهر النارنج فهذا كله طيب ولا فيه الزيت ولا الشيرج ولا السمن ولا تمنع من الأدهان بشيء من ذلك

 

 

فصل


الحكم السابع وهي ثلاثة أنواع أحدها الزينة في بدنها فيحرم عليها الخضاب والنقش والحمرة والإسفيداج فإن النبي نص على الخضاب منبها به على هذه الأنواع هي أكثر زينة منه وأعظم فتنة وأشد مضادة لمقصود الإحداد ومنها الكحل والنهي ثابت بالنص الصريح الصحيح ثم قال طائفة من أهل العلم من السلف والخلف منهم أبو محمد بن حزم لا تكتحل ولو عيناها لا ليلا ولا نهارا ويساعد قولهم حديث أم سلمة المتفق عليه أن امرأة عنها زوجها فخافوا على عينها فأتوا النبي فاستأذنوه في الكحل فما أذن فيه قال لا مرتين أو ثلاثا ثم ذكر لهم ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الإحداد سنة ويصبرن على ذلك أفلا يصبرن أربعة أشهر وعشرا ولا ريب أن الكحل من أبلغ فهو كالطيب أو أشد منه وقال بعض الشافعية للسوداء أن تكتحل وهذا تصرف مخالف والمعنى وأحكام رسول الله لا تفرق بين السود والبيض كما لا تفرق بين الطوال ومثل هذا القياس بالرأي الفاسد الذي اشتد نكير السلف  وذمهم إياه وأما جمهور العلماء كمالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم فقالوا إن اضطرت الكحل بالإثمد تداويا لا زينة فلها أن تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا وحجتهم حديث سلمة المتقدم رضي الله عنها فإنها قالت قالت في كحل الجلاء لا تكتحل إلا لما لا منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار ومن حجتهم حديث أم سلمة رضي عنها

 

 

 

 

الآخر أن رسول الله دخل عليها وقد جعلت عليها صبرا فقال ما هذا أم سلمة فقلت صبر يا رسول الله ليس فيه طيب فقال إنه يشب الوجه فقال لا تجعليه بالليل وتنزعيه بالنهار وهما حديث واحد فرقه الرواة وأدخل مالك هذا القدر منه موطئه بلاغا وذكر أبو عمر في التمهيد له طرقا يشد بعضها بعضا ويكفي احتجاج مالك وأدخله أهل السنن في كتبهم واحتج به الأئمة وأقل درجاته أن يكون حسنا ولكن هذا مخالف في الظاهر لحديثها المسند المتفق عليه فإنه يدل على أن المتوفى لا تكتحل بحال فإن النبي لم يأذن للمشتكية عينها في الكحل لا ليلا ولا ولا من ضرورة ولا غيرها وقال لا مرتين أو ثلاثا ولم يقل إلا أن تضطر وقد ذكر عن نافع عن صفية ابنة عبيد أنها اشتكت عينها وهي حاد على زوجها عبدالله بن فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان قال أبو عمر وهذا عندي وإن كان ظاهره مخالفا لحديثها الآخر لما فيه من إباحته وقوله في الحديث الآخر لا مرتين أو ثلاثا على الإطلاق أن ترتيب الحديثين أعلم على أن الشكاة التي قال فيها  رسول  الله لا لم تبلغ والله أعلم منها مبلغا لا بد لها فيه من الكحل فلذلك نهاها كانت محتاجة مضطرة تخاف ذهاب بصرها لأباح لها ذلك كما فعل بالتي قال لها بالليل وامسحيه بالنهار والنظر يشهد لهذا التأويل لأن الضرورات تنقل إلى حال المباح في الأصول ولهذا جعل مالك فتوى أم سلمة رضي الله عنها للحديث المسند في الكحل لأن أم سلمة رضي الله عنها روته وما كانت لتخالفه صح عندها وهي أعلم بتأويله ومخرجه والنظر يشهد لذلك لأن المضطر إلى شيء لا له بحكم المرفه المتزين بالزينة وليس الدواء والتداوي من الزينة في شيء وإنما الحادة عن الزينة لا عن التداوي وأم سلمة رضي الله عنها أعلم بما روت مع صحته النظر وعليه أهل الفقه

 

 

 

 وبه قال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء وقد ذكر مالك رحمه الله في موطئه أنه بلغه عن سالم بن عبدالله وسليمان بن يسار كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكوى أصابتها أنها تكتحل وتتداوى بالكحل وإن كان فيه طيب قال أبو عمر القصد إلى التداوي لا إلى التطيب والأعمال بالنيات وقال الشافعي رحمه الله الصبر يصفر فيكون زينة وليس بطيب وهو كحل الجلاء فأذنت أم رضي الله عنها للمرأة بالليل حيث لا ترى وتمسحه بالنهار حيث يرى وكذلك ما وقال أبو محمد بن قدامة في المغني وإنما تمنع الحادة من الكحل بالإثمد لأنه الذي به الزينة فأما الكحل بالتوتيا والعنزروت  فلا بأس به لأنه لا زينة فيه بل يقبح العين ويزيدها مرها قال ولا تمنع من الصبر على غير وجهها من بدنها لأنه إنما منع منه في الوجه لأنه يصفره فيشبه فلهذا قال النبي إنه يشب الوجه قال ولا تمنع من تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من بالسدر والإمتشاط به لحديث أم سلمة رضي الله عنها ولأنه يراد للتنظيف لا وقال إبراهيم بن هانيء النيسابوري في مسائله قيل لأبي عبدالله المتوفى عنها بالإثمد قال لا ولكن إن أرادت اكتحلت بالصبر إذا خافت على عينها واشتكت شكوى

 

 


فصل


النوع الثاني زينة الثياب فيحرم عليها ما نهاها عنه النبي وما هو أولى بالمنع وما هو مثله وقد صح عنه أنه قال ولا تلبس ثوبا مصبوغا وهذا يعم المعصفر وسائر المصبوغ بالأحمر والأصفر والأخضر والأزرق الصافي وكل ما يصبغ والتزيين وفي اللفظ الآخر ولا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق وههنا نوعان آخران أحدهما مأذون فيه وهو ما نسج من الثياب على وجهه ولم يدخل فيه من خز أو قز أو قطن أو كتان أو صوف أو وبر أو شعر أو صبغ غزله ونسج مع غيره والثاني ما لا يراد بصبغه الزينة مثل السواد وما صبغ لتقبيح   ليستر الوسخ فهذا لا يمنع منه قال الشافعي رحمه الله في الثياب زينتان إحداهما جمال الثياب على اللابسين للعورة فالثياب زينة لمن يلبسها وإنما نهيت الحادة عن زينة بدنها ولم تنه ستر عورتها فلا بأس أن تلبس كل ثوب من البياض لأن البياض ليس بمزين وكذلك الصوف وكل ما ينسج على وجهه ولم يدخل عليه صبغ من خز أو غيره وكذلك كل صبغ لم يرد تزيين الثوب مثل السواد وما صبغ لتقبيحه أو لنفي الوسخ عنه فأما ما كان من زينة وشي في ثوبه أو غيره فلا تلبسه الحادة وذلك لكل حرة أو أمة كبيرة أو صغيرة أو ذمية انتهى كلامه قال أبو عمر وقول الشافعي رحمه الله في هذا الباب نحو قول مالك وقال أبو حنيفة لا ثوب عصب ولا خز وإن لم يكن مصبوغا إذا أرادت به الزينة وإن لم ترد بلبس الثوب الزينة فلا بأس أن تلبسه وإذا اشتكت عينها اكتحلت بالأسود وغيره وإن لم عينها لم تكتحل

 

 

 


فصل


وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال في رواية أبي طالب ولا تتزين المعتدة ولا تتطيب من الطيب ولا تكتحل بكحل زينة وتدهن بدهن ليس فيه طيب ولا تقرب مسكا ولا للطيب والمطلقة واحدة أو اثنتين تتزين وتتشوف لعله أن يراجعها

 

 

 


وقال أبو داود في مسائله سمعت أحمد قال المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثا يجتنبن الطيب والزينة وقال حرب في مسائله سألت أحمد رحمه الله قلت المتوفى عنها زوجها والمطلقة هل البرد ليس بحرير فقال لا تتطيب المتوفى عنها ولا تتزين بزينة وشدد في الطيب أن يكون قليلا عند طهرها ثم قال وشبهت المطلقة ثلاثا بالمتوفى عنها لأنه ليس عليها رجعة ثم ساق حرب بإسناده إلى أم سلمة قال المتوفى عنها لا تلبس من الثياب ولا تختضب ولا تكتحل ولا تتطيب ولا تمتشط بطيب وقال إبراهيم بن هانيء النيسابوري في مسائله سألت أبا عبدالله عن المرأة تنتقب في أو تدهن في عدتها قال لا بأس به وإنما كره للمتوفى عنها زوجها أن تتزين وقال عبدالله كل دهن فيه طيب فلا تدهن به فقد دار كلام الإمام أحمد والشافعي وأبي رحمهم الله على أن الممنوع منه من الثياب ما كان من لباس الزينة من أي نوع وهذا هو الصواب قطعا فإن المعنى الذي منعت من المعصفر والممشق لأجله مفهوم خصه بالذكر مع المصبوغ تنبيها على ما هو مثله وأولى بالمنع فإذا كان والبرود المخبرة الرفيعة الغالية الأثمان مما يراد للزينة لارتفاعهما جودتهما كان أولى بالمنع من الثوب المصبوغ وكل من عقل عن الله ورسوله لم في ذلك لا كما قال أبو محمد بن حزم إنها تجتنب الثياب المصبغة فقط ومباح لها تلبس بعد ما شاءت من حرير أبيض وأصفر من لونه الذي لم يصبغ وصوف البحر الذي هو وغير ذلك ومباح لها أن تلبس  بالذهب والحلي كله من الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير ذلك فهي أشياء تجتنبها فقط وهي الكحل كله لضرورة أو لغير ضرورة ولو ذهبت عيناها لا ولا نهارا

 

 

 

 وتجتنب فرضا كل ثوب مصبوغ مما يلبس في الرأس والجسد أو على شيء منه في ذلك السواد والخضرة والحمرة والصفرة وغير ذلك إلا العصب وحده وهي ثياب تعمل في اليمن فهو مباح لها وتجتنب أيضا فرضا الخضاب كله جملة وتجتنب حاشا التسريح بالمشط فقط فهو حلال لها وتجتنب أيضا فرضا الطيب كله ولا شيئا حاشا شيئا من قسط أو أظفار عند طهرها فقط فهذه الخمسة التي ذكرها حكينا فيها بنصه وليس بعجيب منه تحريم لبس ثوب أسود عليها ليس من الزينة في شيء وإباحة ثوب يتقد ولؤلؤا وجوهرا ولا تحريم المصبوغ الغليظ لحمل الوسخ وإباحة الحرير الذي يأخذ حسنه وبهاؤه ورواؤه وإنما العجب منه أن يقول هذا دين الله في نفس الأمر لا يحل لأحد خلافه وأعجب من هذا إقدامه على خلاف الحديث الصحيح في نهيه لها لباس الحلي وأعجب من هذا أنه ذكر الخبر بذلك ثم قال ولا يصح ذلك لأنه من رواية بن طهمان وهو ضعيف ولو صح لقلنا به فلله ما لقي إبراهيم بن طهمان من أبي بن حزم وهو من الحفاظ الأثبات الثقات الذين اتفق الأئمة الستة على إخراج واتفق أصحاب الصحيح وفيهم السيخان على الإحتجاج بحديثه وشهد له الأئمة والصدق ولم يحفظ عن أحد منهم فيه جرح ولا خدش ولا يحفظ عن أحد من المحدثين تعليل حديث  ولا تضعيفه به وقريء على شيخنا أبي الحجاج الحافظ في التهذيب وأنا أسمع قال بن طهمان بن سعيد الخراساني أبو سعيد الهروي ولد بهراة وسكن نيسابور وقدم وحدث بها ثم سكن بمكة حتى مات بها ثم ذكر عمن روى ومن روى عنه ثم قال قال بن عمرو بن المروزي عن سفيان بن عبدالملك عن ابن المبارك صحيح الحديث وقال بن أحمد بن حنبل عن أبيه وأبي حاتم ثقة وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن بن معين لا بأس به وكذلك العجلي وقال أبو حاتم صدوق حسن الحديث وقال عثمان بن سعيد الدارمي كان ثقة في ثم لم تزل الأئمة يشتهون حديثه ويرغبون فيه ويوثقونه وقال أبو داود ثقة إسحاق بن راهويه كان صحيح الحديث حسن الرواية كثير السماع ما كان بخراسان حديثا منه وهو ثقة وروى له الجماعة وقال يحيى بن أكثم القاضي كان من أنبل من بخراسان والعراق والحجاز وأوثقهم وأوسعهم علما وقال المسعودي سمعت مالك ابن يقول مات إبراهيم بن طهمان سنة ثمان وستين ومائة بمكة ولم يخلف مثله وقد أفتى الصحابة رضي الله عنهم بما هو مطابق لهذه النصوص وكاشف عن معناها فصح عن ابن عمر أنه قال لا تكتحل ولا تتطيب ولا تختضب ولا تلبس المعصفر ثوبا مصبوغا ولا بردا ولا تتزين بحلي ولا تلبس شيئا تريد به الزينة ولا تكتحل تريد به الزينة إلا أن تشتكي عينها

 

 

 


وصح عنه من طريق عبدالرزاق عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن ولا تمس المتوفى عنها طيبا ولا تختضب ولا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب تتجلبب به وصح عن أم عطية لا تلبس الثياب المصبغة إلا العصب ولا تمس طيبا إلا أدنى الطيب والأظفار ولا تكتحل بكحل زينة وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال تجتنب الطيب والزينة وصح عن أم سلمة رضي الله عنها لا تلبس من الثياب المصبغة شيئا ولا تكتحل ولا تلبس ولا تختضب ولا تتطيب وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لا تلبس معصفرا ولا تقرب طيبا ولا تكتحل تلبس حليا وتلبس إن شاءت ثياب العصب

 

 

 


فصل


وأما النقاب فقال الخرقي في مختصره وتجتنب الزوجة المتوفى عنها زوجها الطيب والبيتوتة في غير منزلها والكحل بالإثمد والنقاب ولم أجد بهذا نصا عن أحمد وقد قال إسحاق بن هانيء في مسائله سألت أبا عبدالله عن المرأة تنتقب في عدتها أو في عدتها قال لا بأس به وإنما كره للمتوفى عنها زوجها أن تتزين ولكن قد قال داود في مسائله عن المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثا والمحرمة تجتنبن الطيب   فجعل المتوفى عنها بمنزلة المحرمة فيما تجتنبه فظاهر هذا أنها تجتنب النقاب فلعل القاسم أخذ من نصه هذا والله أعلم وبهذا علله أبو محمد في المغني فقال فصل فيما تجتنبه الحادة النقاب وما في معناه مثل البرقع ونحوه لأن المعتدة بالمحرمة والمحرمة تمتنع من ذلك وإذا احتاجت إلى ستر وجهها سدلت عليه كما المحرمة

 

 

 

فصل
فإن قيل فما تقولون في الثوب إذا صبغ غزله ثم نسج هل لها لبسه قيل فيه وجهان وهما في المغني أحدهما يحرم لبسه لأنه أحسن وأرفع ولأنه مصبوغ للحسن فأشبه ما بعد نسجه والثاني لا يحرم لقول رسول الله في حديث أم سلمة رضي الله عنها إلا عصب وهو ما صبغ غزله قبل نسجه ذكره القاضي قال الشيخ والأول أصح وأما العصب أنه نبت تصبغ به الثياب قال السهيلي الورس والعصب نبتان باليمن لا ينبتان به فأرخص النبي للحادة في لبس ما يصبغ بالعصب لأنه في معنى ما يصبغ لغير كالأحمر والأصفر فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ نسجه والله أعلم


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day