البحث
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ..... ) (التوبة
*(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً) ) (الأحزاب : 1-3 )
قال ابن كثير رحمه الله :
أمر تعالى رسوله بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم, كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين, وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الاَخرة, وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله بأربعة أسياف: سيف للمشركين {(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة : 5 ) } وسيف لكفار أهل الكتاب {(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة : 29 ) } وسيف للمنافقين { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّجَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير } وسيف للبغاة {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات : 9 ) } وهذا يقتضي أنهم يجاهَدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن مسعود في قوله تعالى: { جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } قال: بيده فإن لم يستطع فَلْيَكْفَهِرَّ في وجهه. وقال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم, وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم, وعن مقاتل والربيع مثله, وقال الحسن وقتادة مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم, وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال, والله أعلم.
وقال السعدي رحمه الله :
يقول تعالى لنبيه : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّجَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ " أي : بالغ في جهادهم " وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم . وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد ، والجهاد بالحجة واللسان ، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد ، واللسان ، والسيف ، والسنان . ومن كان مذعنا للإسلام ، بذمة أو عهد ، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ويُبيَّن له محاسن الإسلام ، ومساوىء الشرك والكفران ، فهذا ما لهم في الدنيا . ( و ) أما في الآخرة ، فإن " َمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ" أي : مقرهم الذي لا يخرجون منه " وَبِئْسَ الْمَصِير "
وقال السمعاني رحمه الله :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّجَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ) قال أهل التفسير: معناه: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان.وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا تلقَ المنافق إلا بوجه مكفهر. وروي عنه أنه قال: يجاهد بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وقوله تعالى: (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) الغلظة ها هنا: هو الانتهار الشديد...