البحث
مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
مساء اليوم التالي، وعند الساعة التاسعة، رن جرس منـزلي، ففتحت الباب، واستقبلت الضيفين الكريمين مرحِّباً بهما..
ولما استقر بنا المجلس، بعد بعض المجاملات.. وبعد أداء واجب إكرام الضيف.. بدأ الأب استيفانو متابعاً حديث الأمس فقال:
- بناءً على ما انتهينا إليه بالأمس، هل أستطيع أن أجد في شخصية محمد بعض مظاهر الرحمة للبشر، قبل البعثة، لأجعلها في بحثي مقدمة لما بعد البعثة؟.
قلت: أجل، فهذا مبثوث فيما صح من أخبار السيرة النبوية.
قال: هل لك أن تحدثني بما يحضرك منها؟
قلت: لك ما تريد، لكن أتدري بماذا كان قوم محمد يلقبونه طيلة المدة التي سبقت بعثته؟.
قال: بماذا كانوا يلقبونه؟.
قلت: كان قومه الذين وُلد بينهم، ونشأ بينهم، وعرفوه حق المعرفة.. كانوا يلقبونه (الأمين)[1]، أترى أن إنساناً يُلقَّب بهذا من قِبَل مجتمعٍ يعرفه حق المعرفة، يمكن أن يكون إنساناً فظاً غليظاً قاسياً، محباً لسفك الدماء؟
قال: العقل يقول: لا يمكن أن يكون مثل هذا الإنسان إلا برَّاً رحيماً عطوفاً ودوداً،. بل كأني بمن يلقبه قومه هذا اللقب، كأني به لم يقترف في حياته إثماً و لا ذنباً، ولو فعل لتعلق به قومه عليه، ولزالت حرمته من نفوسهم.
قلت: هو ذاك، لم يقارف محمد قبل البعثة إثماً ولا ذنباً... بل ولا لهواً أيضاً[2]، هذا ما تقوله روايات السيرة النبوية الصحيحة[3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] (السيرة النبوية) لابن هشام ص186 ط. دار ابن كثير – ويقول المؤرخ البريطاني المستشرق (وليم موير) في كتابه (تاريخ محمد): «إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده، لشرف أخلاقه وحسن سلوكه».
[2] يقول المؤرخ البريطاني المستشرق (وليم موير) في كتابه السالف (تاريخ محمد): «كان محمد - قبل بعثته - يحيا حياة التحنث، وتأملاته تشغل دون شك كل ساعات لهوه، مع أن أترابه كانوا يقضونها في اللهو المحرم، والحياة المنطلقة من كل قيد، وهذه الشهرة الحسنة والسلوك الشريف، خوَّلاه احترام معاصريه، ولذا كان الإجماع عليه حتى لُقِّب بالأمين». ويقول: «ومهما يكن من أمر، فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم».
[3] يقول العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه (السيرة النبوية) ملخصاً ما جاءت به روايات السيرة النبوية الصحيحة من شمائل محمد قبل البعثة: «وشبَّ رسول الله r محفوظاً من الله تعالى، بعيداً عن أقذار الجاهلية وعاداتها، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلُقاً، وأشدهم حياءً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش والبذاءة، حتى ما أسموه في قومه إلا الأمين، يعصمه الله تعالى من أن يتورط فيما لا يليق بشأنه من عادات الجاهلية، وما لا يرون به بأساً ولا يرفعون له رأساً. وكان واصلاً للرحم، حاملاً لما يُثقِلُ كواهل الناس، مكرماًُ للضيوف، عوناً على البرِّ والتقوى، وكان يأكل من نتيجة عمله، ويقنع بالقوت» ص 170 ط. دار ابن كثير.