البحث
رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
فأما رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته؛ فتتجلى فيها أروع صور الرحمة البشرية على الإطلاق:
☼ ففي العبادة؛ كان حريصًا أشدَّ الحرصِ على رفع الحرجِ والمشقةِ عنهم، وألا يكلفوا أنفسَهم فوق طاقتهم، ويقول لهم: «عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَوَالله لَا يَمَلُّ الله حَتَّى تَمَـلُّوا...» (البخاري ومسلم) .
☼ ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ. فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» (البخاري ومسلم).
☼ وكثيرًا ما كان يقول صلى الله عليه وسلم: لولا أَنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرتُهُم بكذا!!
فقال صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، أَوْ عَلَى النَّاسِ، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ»(البخاري ومسلم).
وقال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» (الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
☼ ومن روائع تلك الرحمة المهداة، وكمالِ الشَّفَقَة بأمته صلى الله عليه وسلم؛ أن يؤثرَهم على حظ نفسه في العبادة، التي يجدُ فيها قرَّة عينه؛ فكثيرًا ما يترك العملَ الذي يحبُّ أن يعملَ به رحمةً بهم!!
☼ تقول عائشة رَضِيَ الله عَنْهَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ؛ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ (البخاري ومسلم).
☼ ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا؛ فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» (البخاري).
☼ ويقول صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً، ولَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي!! وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ الله فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ، ثُمَّ قُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ» (البخاري ومسلم).
☼ وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا أشدَّ الحرصِ على رفع الحرج والعَنَت والمشقَّة عن أمته في أمورِ معاشِها؛ رحمةً بهم؛ فيدعو لمن يرحمهم ويرفق بهم، ويُحَذِّر كلَّ من ولاه الله شيئًا من أمورهم، أن يشقَّ عليهم؛ بل ويدعو عليه؛ فكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (مسلم).
☼ وأما رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته في الآخرة؛ فقمة سامقة، لا تناطحها الجبال الرواسي الشامخات!!
☼ يوم يقول كلُّ نبيٍّ: نَفْسِي نَفْسِي!! فيقول هو صلى الله عليه وسلم: «يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي» (البخاري ومسلم – جزء من حديث الشفاعة)!! فلا تقرُّ عينه صلى الله عليه وسلم حتى تدخل أمَّتُه الجنَّة!!
☼ بل إنه صلى الله عليه وسلم آثر أمته بدعوته المستجابة، التي خصَّ الله بها كلَّ نبيٍّ؛ فادخرها هو لأمته يوم القيامة، حين تشتدّ حاجتُها وكربتُها!!
☼ يقول صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ؛ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ الله مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بالله شَيْئًا» (البخاري ومسلم).