البحث
رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين
أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين؛ فهذا مما أدهش العالمين، وأعجز فَهمَ الأكثرين!!
آذوه وأدموا قدمه الشريفة وأغروا به سفهاءهم؛ فلما عُرِض عليه إهلاكهم؛ قال: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (البخاري ومسلم)!!
☼ قاتلوه، وشجَّوا وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وكسروا رَباعيته، وقتلوا أحبَّ النَّاس إليه، وألَّبُوا عليه الجيوش لاستئصاله؛ فلمَّا أن أظفرَه الله عليهم؛ رحمَهم، وعفا عنهم، وأحسن إليهم!!
☼ ذلك الموقف الذي أحـار أحـد كبـار المؤرخين الأمريكيين وهو«واشنجتون إيرفنج» فقال: «كانت تصرفات الرســول صلى الله عليه وسلم في أعقاب فتح مكة، تدل على أنه نبيٌّ مرسل، لا على أنه قائدٌ مظفر؛ فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توَّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو».
☼ ولم تقف رحمته صلى الله عليه وسلم عند الإعراض عن أذيَّتهم والصفحِ عنهم، والحلمِ عن جهالاتهم؛ بل إنها تعدَّت ذلك إلى مجال أرحب وأفسح، يتجلى في حرصه البالغ على هدايتهم وإنقاذهم من موجبات سخط الله وعذابه، فأرهق في سبيل ذلك نفسه الشريفة، وأجهد بدنه؛ حتى كاد يُهلك نفسَه أسفًا عليهم؛ حتى رفق به ربه و عاتبه رأفة ورحمة به؛ فقال له: " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ "[الشعراء: 3] وقال له: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ " [فاطر: 8].
☼ وعندما قيل له ادع على المشركين، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» (مسلم).
☼ فليت شعري! أين دعاة اليوم من مثل هذه الشفقة، وتلك الرحمة بالخلق، والحرص على دعوتهم وهدايتهم؟!!
وصدق الله: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" [آل عمران: 159].
☼ لقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين على اختلاف أديانهم وأعراقهم، وكيف لا يكون كذلك وقد وصفه ربُّه عزَّ وجلَّ بقوله: ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [الأنبياء: 107]؟!
☼ كيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وسلم القائل في فضل الرحمة: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (الترمذي وصححه الألباني)؟!
☼ كيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وسلم القائل في وصف أهل الجنة: «وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ...» (مسلم) ؟!