1. المقالات
  2. محمد صلى الله عليه وسلم النبي الموعود في العهدين
  3. الفترة التي يبعث فيها النبي الموعود

الفترة التي يبعث فيها النبي الموعود

الكاتب : د/ أحمد معاذ علوان حقي

الفترة التي يبعث فيها النبي الموعود:

جاء في أعمال الرسل ما يؤكد على بشارة موسى  عليه السلام، ويحدد الفترة التي يبعث فيها النبي الموعود متأخرة: "فإن موسى قال للآباء إن نبيًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم ... وجميع الأنبياء أيضًا من صَامُوئِيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام"[1]، وقد أشارت عدة بشارات إلى الفترة التي سيبعث فيها النبي الموعود.

أولاًـ يُبعث النبي الموعود بعد أن ينقضي أمر النبوة من بني إسرائيل: يكون مبعثه يعني انقضاء أمر النبوة والقيادة الدينية من اليهود، ونسخ شريعتهم: "لايزول قضيب من يهوذا ومُشْتَرِعٌ من بين رجليه حتى يأتي شِيلُون وله يكون خُضُوعُ شُعُوبٍ"[2]، هذا التعبير يوحي أن القيادة الدينية ستستمر في يهوذا إلى أن يأتي شيلون، سياق الكلام يوحي أن شيلون ليس من بني إسرائيل وبخروجه تنزع القيادة منهم، ويملك العالم، ولو كان منهم لما انتهى ملكهم، وقد تقدم الحديث عن هذه البشارة.

ثانيًاـ يُبعث النبي الموعود بعد أن يُرفع عيسى  عليه السلام: كانت بنو إسرائيل يتلهفون للقاء النبي الموعود الذي سيكون على يديه الفتح المبين، وتبديد ظلام الجاهلية الجهلاء، فهاهو يُوحَنَّا المَعْمَدَان  عليه السلام يتحدث عن مكانة هذا النبي العظيم: "أنا أُعمِّدُكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحمل حِذاءهُ، هو الذي سيُعَمِّدُكُم بالروح القدس ونار، الذي رَفْشُهُ[3] في يده، وسيُنَقِّي بيدره ويجمع قَمْحَهُ إلى المَخْزَن، وأما التين فَيُحْرِقُهُ بنارٍ لا تُطفأُ"[4]، من الملاحظ أنه بعد ذلك عمَّد عيسى  عليه السلام بالماء[5]، ومازال النصارى يقومون بطقوس المعمودية بالماء إلى وقتنا الحاضر[6]، وهذا يدل على أن عيسى  عليه السلام ليس هو النبي العظيم؛ لأن معمودية النبي الموعود تكون بالروح القدس ونار، وأظن أن المقصود بالمعمودية هنا الشهادة والاستغفار، فبالشهادة يدخل المرء الإسلام[7]، وبالتوبة والاستغفار تمحو الخطايا، وقوله: "الذي يأتي بعدي" هذا يعني أن النبي الموعود سيأتي في المستقبل، ومن ثم يستبعد أن يكون عيسى  عليه السلام؛ لأنه كان معاصرًا ليحيى  عليه السلام، فقد ولدا في سنة واحدة، ولو كان المقصود بعبارة يحيى عيسى  عليه السلام لكان لزامًا عليه أن يتبعه، لا أن يعمده وهو القائل لا أستحق أن أحل رباط حذائه.

وكان يُوحَنَا يعلم أن عيسى  عليه السلام ليس هو ذاك النبي، وعندما شك أرسل له[8]، وعلى هذا لايمكن أن يكون يُوحَنَّا هو الملاك الممهد لطريق الآتي، أو المبشر بظهور المسيح الموعود، فهما معاصران ومن جيل واحد، ويسأله هل أنت هو الموعود ؟ ويستشهد بعد ذلك دون أن يؤمن به ! فهل الذي يمهد الطريق لا يعرف عن الذي يجيء بعده وهو معاصر له بل رفيقه، مع أن عيسى  عليه السلام يشير إلى أن حلول ملكوت الله من الوضوح حتى لا يخفى على أحد مثلما لا يخفى الصيف على الناس، وهناك نصوص أخرى تؤكد على أن النبي الموعود يبعث بعد أن يرفع عيسى  عليه السلام إلى السماء:

1ـ "أنا أطلب من الآب فيعطكم مُعَزِّيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد"[9].

2ـ "أما المُعَزِّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلِّمُكم كلَّ شيء"[10].

3ـ "ومتى جاء المُعَزِّي الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب"[11].

4ـ "وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قُلُُوبكم، لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَزِّي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم"[12]، والتعبير "إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعزِّي"، أن عيسى  عليه السلام والنبي الموعود لا يجتمعان بل لابد من رفع عيسى  عليه السلام ليأتي النبي الثاني  صلى الله عليه وسلم  [13].

5ـ "وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية"[14]، وهذا دليل على رسول الله  صلى الله عليه وسلم   بلغ البلاغ المبين ولم يترك شيئًا إلا بينه، وقوله: "لأنه لا يتكلم من نفسه"، مصداقًا لقوله تعالى:  " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) [النجم]، "متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق"، ويعرف النبي بما جاء به من علم نافع من عند الله، ولم يأت أحد بمثل ما جاء به رسول الله  صلى الله عليه وسلم   من عند الله تعالى، من مكارم الأخلاق والبعد عن سفاسف الأمور، وجاء بتشريعات تحقق الأمن والسعادة للفرد والمجتمع، و"معلوم باتفاق أهل الأرض والاضطرار أنه لم يأتِ بعد المسيح من ساد العالم باطنًا وظاهرًا وانقاد له القلوب والأجسام، وأطيع في السر والعلانية في محياه وبعد مماته في جميع الأعصار، وأفضل الأقاليم شرقًا وغربًا أحد غير محمد"[15]، ولا يمكن أن يكون القادم هو روح القدس، لأمرين:

1ـ روح القدس كان موجودًا قبل عيسى  عليه السلام ومعه وبعده، ففي سفر (إشَعْيَا): "أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه"[16]، "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أُمُّهُ مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجِدتْ حُبْلى من روح القدس"[17]، أما هذا النبي الموعود فسيأتي بعده.

2ـ والدليل على أن القادم هو رجل نبي وليس روح القدس يحذر عيسى  عليه السلام أتباعه من أدعياء النبوة الذين يدعون أنهم النبي الموعود،"احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان"[18].

ثالثًا: يأتي النبي الموعود بعد خطوب مُدلهمة، وظلمات دامسة، جاء في (إنجيل متى): "وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين: قل لنا متى يكون هذا وما هي علامة مجيئه وانقضاء الدهر، فأجاب يسوع وقال لهم: انظروا لا يُضِلَّكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح، ويُضِلُّون كثيرين، وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب، انظروا لا ترتاعوا؛ لأنه لا بد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد؛ لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة، وزلازل في أماكن ... ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص، ويُكْرَزُ ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى"[19]، وجاء نحو ذلك في (إنجيل لوقا)[20]، وظهر كثير من أدعياء النبوة، أحدهم (ثوداس) الذي ظهر بعد المسيح بقرن، وقد قامت حروب طاحنة بعد رفعه  عليه السلام، ومجاعات وأول مجاعة كانت سنة 45 ـ 48م، وقد ارتد بعض النصارى نتيجة التخويف والظلم الذي مورس عليهم[21].

رابعًا: وفق رؤيا دَانِيآل ورؤيا (نَبُوخَذْ نَصَّر) سيكون في آخر الزمان، بعد أربعة ممالك قوية تسود الأرض، ثم يأتي ابن الإنسان الذي سينشئ ملكوت الله حيث سيسود العدل وينتصر الحق[22].

خامسًا: تحديد الفترة التي يبعث فيها النبي الموعود لا يعرفها نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولم يحدد المسيح ذلك تحديدًا دقيقًا مما ولد اضطرابًا في النقل عنه، وربما كان السبب هو الفهم الخاطئ من النقلة، أو ربما كان سببه اجتهاد منه  عليه السلام أولاً ثم ثبت له عدم معرفة الوقت بالضبط، فقد جاءت نصوص توحي بقرب بعثه: "فإني الحق أقول لكم لا تُكَمِّلُون مدن إسرائيل حتى يأتي ابنُ الإنسان"[23]، ثم جاء نص آخر ليؤخره قليلاً: "أقول لكم إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته"[24]، ثم رأى أن تحديد وقت مجيئه في علم الغيب لا يعرفه نبي مرسل ولا ملك مقرب، فقال: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء"[25]، وفي النص الوارد عند (لُوْقَا) لن يكون مجيئه سريعًا: "ولكن لا يكون المنتهى سريعًا"[26].

--------------------------------------------------------------------------------

[1]  - أعمال الرسل، 3/24ـ26.

[2]  - تكوين، 49 : 10 .

[3]  - الرَّفْشُ: ما رُفِشَ به، ويقال للمجرف راجع ابن منظور، لسان العرب،: مادة (رفش)، 3/ 97 . 

[4]  - متى، 3: 11 ـ 12 .

[5]  - متى، 3: 13 ـ 17 .

[6] - راجع ، قاموس الكتاب المقدس، ص/ 637 .

[7]  -  وممن أول كلام المسيح إلى أن المقصود منه الشهادة محمد عوض راجع، الريس، بشارات أحمد في الإنجيل، ص/ 235 .

[8] - راجع متى، 11 : 2 ـ 6 .

[9]  - يوحنا، 14: 16.

[10]  - يوحنا، 14 : 26 .

[11] - يوحنا، 15: 26.

[12]  - يوحنا، 16: 5  ـ11 .

[13]  - راجع القرافي، الأجوبة الفاخرة، ص/ 182 .

[14]  - يوحنا، 16: 13.

[15]  -  ابن تيمية ،الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 4/ 18 .

[16]  - 63 : 11 .

[17]  - متى، 1 : 18 .

[18]  - متى، 7: 15.

[19]  - 24: 3ـ 14.

[20]  - 21: 5 ـ 27.

[21]  - راجع السقا، البشارة بنبي الإسلام، 2/ 198 ـ 199 .

[22]  - راجع عن ملكوت السماوات في (دَانِيآل): 7.

[23] - متى، 10: 23 .

[24]  - متى، 16: 28.

[25]  - مرقس، 13: 31.

[26]  - 21: 9.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day