البحث
خلْقُ الكون
شرحنا إلى حدِّ الآن خلْقَ الله للكائنات الحيَّة. والآن حان الوقت لنتدبَّر الكون بأكمله. خَلَق الله الكون الذي توجد فيه أنت والأرضُ والشمس والمجموعة الشمسية والكواكب والنجوم والمجرَّات وكلُّ الأشياء الأخرى الموجودة في الكون.
ورغم هذا فإنه إلى جوار الذين يعارضون حقيقة خلق الكائنات الحية، فإنَّ هناك أناسًا آخرين ينكرون حقيقة خلق الله للكون. ويؤكِّد هؤلاء أنَّ الكونَ ظهر للوجود تلقائيًّا. ويزيد على ما سبق أنَّهم يقترحون أنَّ الكون كان موجوداً دائما. ولكنَّهم لا يفسِّرون أبداً دعواهم غيرَ المنطقية، وهي دعوى تُشبِه المثالَ التالي: تخيَّل أنَّك ركبت مركبًا في يوم من الأيام وأبحرت في عرض البحر، ووصلت إلى شاطئ جزيرة. ففيم سوف تفكِّر إذا ما وجدت مدينةً متطورةً، بها ناطحاتُ سحابٍ، وتحوطها الحدائقُ الجميلة والمساحات الخضراء؟ وإضافةً إلى هذا، وجدت المدينة ملِيئَة بالمسارح والمطاعم وخطوط السككِ الحديدية. بالتأكيد سوف تعتقد أنَّ هذه المدينةَ قام بتخطيطِها وبنائِها أناسٌ أذكياءُ، أليس كذلك؟ فما رأيُك في شخصٍ يقول: لم يَبْنِ أحدٌ هذه المدينةَ؛ فقد كانت موجودةً منذ الأزل، وقد جِئنا في وقتٍ ماضٍ وسكنَّا بها. ونحن نتمتَّع في هذه المدينة بكل ضروريات الحياة التي كانت قد جاءت إلى الوجود بصورة تلقائية"؟
سوف تظن بالتأكيد أنَّ هذا الشخص مجنون، أو أنَّه لا فكرة لديه عمَّا يتكلم. ولكن، لا تنسَ أنَّ الكون الذي نعيش فيه أكبرُ من تلك المدينة بما لا يدع مجالاً للمقارنة. ويتضمَّن هذا الكونُ عدداً لا نهائيًّا، تقريبًا، من الكواكب والنجوم والمُذنَّبات والأقمارِ والأتباع مِن مختلف الأنواع. وفي هذه الحالة فإنَّ الشخص الذي يزعم بِأنَّ هذا الكون المُتقَن لم يتمَّ خلقُه وإنَّما وُجِد دائماً، يجب ألا يبقى دون إجابة لمزاعمه؟ ألا توافقني؟
وبعد أن تقرأ الفقرة التالية سوف تتمكن أنت بنفسك من تقديم أفضل إجابة. والآن دعنا نتوسع في التعرُّف على الكون، وندعُ الإجابةَ إلى النهاية.
كلُّ شيء بدأ بانفِجارٍ كبير
أثناء العصور التي لم يكن لدى الناس فيها تليسكوبَّات لمراقبة السماوات، لم يكن لديهم إلا النزرَ القليلَ من المعلومات عن المساحات البعيدة في الكون، والتي لا يُعتمَد عليها، وكانت لديهم أفكارٌ عن الكون تختلف كثيراً عمَّا لدينا اليوم. ومع تقدُّم التكنولوجيا، جمَع الإنسان معلوماتٍ دقيقةً عن الفضاء الخارجيِّ، واكتشف الناسُ في منتصف القرن العشرين اكتشافاً في غاية الأهمية، وذلك أنَّ للكون تاريخَ ميلادٍ، ممَّا يعني أنَّ الكون لم يكن دائماً موجوداً. وهذا يعني أنَّ الكونَ والنجوم والكواكب والمجرَّاتِ بدأت في التكوُّن مِن تاريخٍ مُحدَّد. وقد حَسَب العلماء تاريخ الكون ووصلوا إلى أنَّه حوالي 15 مليار سنة.
وأطلق العلماءُ على اللحظة التي وُلِد فيها الكون اسمَ:الانفجار العظيم؛ الذي وقع منذ 15 مليار سنة، حين لم يكن شيءٌ قد ظهر إلى الوجود، ثم ظهر كلُّ شيء فجأةً بانفجار، بدأ من نقطة واحدة.ويعني هذا باختصار؛ أنَّ المادةَ والكونَ اللذَينِ ظنَّ الناسُ أنَّهما كانا موجودين على الدوام ليس كذلك، بل كانت لهما بدايةٌ .وهنا يثور سؤالٌ مُؤَدَّاه: كيف وصل الناس إلى أنْ يتفهَّموا أنَّ للكون بدايةً؟ في الحقيقة كانت مسألةً سهلةً بدرجةٍ كبيرة، إذْ أنَّ المادة التي انتثرت وتسارعت مبتعدة عن جزيئات المادة الأخرى مع حدوث الانفجار الكبير ما زالت تتباعد عن بعضها.
ولْتُفكِّر يا صغيري قليلاً! فالكَوْنُ مازال مستمِرًّا في التمدُّد حتى لحظتِنا هذه. وتخيَّلْ أنَّ الكونَ عبارةٌ عن بالونٍ، فإنْ رَسَمْنا نقطتين صغيرتين على سطح البالون، فماذا سيحدث لهما عندما تنفخ البالون؟ ستجد أنَّ النقطتين تتباعدان عن بعضهما بعضاً مع زيادة حجم البالون. وكما في حالة البالون، فإن حجم الكون ما زال في زيادةٍ مُستمِرَّة، وكلُّ شيء فيه يبتعد عن كلِّ شيء آخر؛ أي أنَّ المسافة ما بين النجوم والمجرَّات والمُذنَّبات في زيادةٍ مستمرَّة.
وتخيَّل أنَّك تشاهد تمدُّدَ الكون في فيلمِ كارتونٍ، كيف سيبدو لك الكونُ إذا قمت بإدارة الفيلم بصورة عكسية نحوَ بدايته؟ سوف ينكمش الكونُ ويتضاءل حتى يصير نقطةً واحدة، أليس كذلك؟ هذا ما فَعَلَه العلماءُ بالضبط؛ فقد عادوا إلى بداية الانفجار الكبير، وأدركوا أنَّ الكون المستمرَّ في التمدد بدأ كنقطةٍ وحيدة.
وهذا الانفجارُ الذي سُمِّيَ بالانفجار الكبير، أصبحنا ننظرُ إليه باعتباره النقطةَ المبدئية التي قرَّر الله أنْ يبدأ إيجادَ الكون منها. وخلق الله بهذا الانفجارِ الجُسَيْماتِ شديدةِ الصِّغَرِ، التي تشكَّلَ منها الكونُ، وبالتالي ظهرت المادَّة إلى الوجود، ثم انتشرت بسرعات هائلةٍ. وكانت البيئةُ المتكوِّنة في اللحظات الأولى بعدَ الانفجارِ تُشبِه أُكْلةَ "شوربة" من المادة، مكونةً من جُسَيْماتٍ دقيقةٍ مختلفة، ثم مع مرور الوقت بدأت هذه الكارثةُ العظيمة تتحوَّل إلى هَيْكلٍ منظَّم؛ حيث خَلَق الله الذرَّاتِ من الجُسَيْمَات الدقيقة، وفي النهاية خَلَق النجومَ من الذرَّات، وهكذا خلق اللهُ العالَمَ وكلَّ ما فيه.
دعْنا الآنَ نَسُوقُ مثالاً لتوضيح كلِّ ما سبق:
فكِّر في مساحة فضاءٍ هائلة لا حدود لها. ولا يوجد في هذه المساحة إلا إناءٌ على شكل طاسةٍ مملوءةٍ بصبغةِ ألوانٍ، ولا يوجد أيُّ شيءٍ آخر في مساحة الفضاء الهائلة. ويختلط في هذا الوعاء جميع أنواع الدِّهان، مما يكوِّن ألواناً غريبة. وتخيَّل بعد ذلك أنَّ قُنبلةً انفجرت في الوعاء، وتناثرت الألوان تحت تأثير الانفجار في جميع الاتجاهات في شكل بقعٍ شديدةِ الصِّغَر. وتخيَّل ملايِينَ من بُقَع اللَّوْن تتحرَّك في جميع الاتجاهات وسط الفضاء. وفي تلك اللحظات، وأثناء رحلةِ البُقَعِ الصغيرة، تبدأ أشياءُ غيرُ مُعتادة في الحدوث؛ فبدلاً من حدوثِ فَوْضىً عارمةٍ للنِّقاط ثم اختفائِها في النهاية، فإنَّها تبدأ في التفاعُل مع بعضِها بعضاً كما لو كانت مخلوقاتٍ عاقلةً. وتبدأ النقاط الصغيرة التي كانت في البدء خليطًا من الألوان في فرز أنفسها وترتيب أنواعها في شكل ألوانٍ مستقلَّة، فهذا أزرقُ، وذاك أصفرُ وثالثُ أحمرُ، ثمَّ تبدأ النقاط من نفس مجموعة الألوان تتجمَّع معاً، وتستمرُّ في التحرُّك بعيدًا عن بعضها البعض.
وتَحدُث بعد ذلك كُلِّه أشياءُ أغربُ من هذا؛ حين تتجمَّع خمسُمائةِ نقطةٍ زرقاءَ معاً، وتستمرُّ في رحلتها على شكل نقطة كبيرة. ويحدث في الوقت ذاته، وفي رُكنٍ آخرَ مِن مساحة الفضاء اِندماجٌ لثلاثمِائةِ نقطةٍ حمراء، واندماجٌ آخر لمائتي نقطةٍ صفراء في ركن آخر، حيث تستمر كلٌّ منها في التباعد عن النقاط الأخرى معاً. وتتباعد مجموعات الألوان المستقلَّة عن بعضها بعضاً، وتبدأ في تكوين صورة جميلة، كما لو كانت تتَّبِع أوامرَ صادرةً مِن أحدٍ ما.
وتبدأ بعضُ النقاط في التجمُّع معًا مكوِّنة صوَرًا للنجوم، وتتجمَّع نقاط أخرى مكونةً صورةً للشمس، وتتجمع نقاط غيرُها لتكوِّن كواكبَ تدور حول الشمس. إذا تخيَّلتَ أنك رأيت صورة مثل هذه، هل سوف تعتقد أنَّ أنفجارًا في وعاء من الألوان تسبب في تكوين هذه الصور بالصدفة؟ لن يوجد من يعتقد بإمكانية هذا.
وكما يشرح المثال الخاص بتكوُّن الصورة من نقاط الألوان، فإنَّ المادة تجمَّعت سوِيًّا وشكَّلت الصورة المتقنة التي نراها حين ننظر إلى الأعلى نحو السماء، أي أنها كوَّنت النجوم والشمس والكواكب. ولكن هل يمكن تخيُّل حُدوثِ تلك الأشياء كُلِّها من تلقاء نفسها؟
كيف يمكن أن تكون النجوم في السماء، والكواكب والشمس والقمر والأرض قد ظهرت إلى الوجود نتيجةً لتساقط الذرات وتجمُّعها بالصدفة بعد انفجار؟ وماذا عن أمِّك وأبيك وأصدقائك، والطيور والقطط، وثمرات الموز والفراولة...؟ بالطبع من المستبعد جداً أن يكون هذا قد حدث، فمثلُ هذه الفكرة ستكون خالية من المنطق؛ مَثَلُها مثلُ الاِدِّعاء القائل إنَّ بيتاً ما لم يبنه بنَّاؤون، ولكنه ظهر إلى الوجود من خلال الإرادة الحُرَّة للبَلاط والطوب، بالصُّدفة البحتة. ونعرف كلُّنا بأن وحدات الطوب التي تتناثر نتيجة انفجار قنبلة لا تُكوِّنُ أكواخًا صغيرة، وإنَّما تتحوَّل إلى صخور وفتات متناثر على الأرض، ومع الوقت تندمج وتختفي في تربة الأرض.
وتوجد فكرة واحدة تتطلب تركيزًا خاصاً؛ فكما تعرف فإنَّ نقاط اللون هي مادة لا وعي لها ولا حياة فيها. وينتج عن هذا أنه يستحيل على نقاط الدِّهان أن تتجمع تلقائياً معاً وتُكوِّن صُوَراً. ونحن لا نتحدث في الحقيقة عن صور، وإنما عن تكوُّن كائنات حية واعية. وبالتالي فإنه من المستبعد، بصورة مؤكدة جِدًّا، أنَّ كائناتٍ حيَّةٍ مثل البشر والنباتات والحيوانات ظهرت إلى الوجود من مادة غير حية بالصدفة البحتة.
ولِنفهمَ هذا بصورة أوضح يجب أن نتفكَّرَ في أجسادنا؛ وسنجدها بأنَّها تتكوَّن مِن جُزَيْئات دقيقةٍ جداً، لا تُرَى بالعين المجرَّدة مثل البروتينات والدهون والماء... وتُكوِّن هذه الجزيئاتُ خلايًا، ومن تلك الخلايا تتكون أجسادنا. والتنظيم المثاليُّ في أجسادنا هو نتاجٌ لتصميم خاص؛ فقد خلق الله أعيُنَنا التي نرى بها، وأيدينا التي نمسك بها هذا الكتاب، وأرجلنا التي تُمكِّنُنا من المشي. وحدد الله مسبقاً قبل أنْ يخلُقَنا كيف سننمو ونتطور في أرحام أمهاتنا، وإلى أيِّ طول سنصل، وما هي ألوان أعيننا وكيف ستكون.