1. المقالات
  2. الرسول الأعظم في مرآة الغرب - د/عبدالراضي محمد عبدالمحسن
  3. دورالنبي صلى الله عليه وسلم الديني وتدينه الشخصي العميق

دورالنبي صلى الله عليه وسلم الديني وتدينه الشخصي العميق

الجانب الثانى: دوره الديني وتدينه الشخصي العميق:
     جاءت معايير المنصفين في شقها الديني ليست مراعية جانب الرسالة الإسلامية وقيمتها وتوقيت نزولها والظروف التي أُبلغت فيها فحسب، لكن راعت تلك المعايير الدور الديني الذي اضطلع به النبي  صلى الله عليه وسلم  في قيادة أمته وإخراجها من الظلمات إلى النور، فيقول مايكل هارت michael hart عن هذا الدور في تقييم عظمة محمد  صلى الله عليه وسلم :
"how, then, is one to assess the overall impact of muhammad on human history? like all religions. islam exerts an enormous influence upon the lives of its followers. it is for this reason that the founders of the world's great religions all figure prominently in this book. since there are roughly twice as many christians as moslems in the world, it may initially seem strange that muhammad has been ranked higher than jesus. there are two principal reasons for that decision. first, muhammad played a far more important role in the development of islam than jesus did in the development of christianity. although jesus was responsible for the main ethical and moral precepts of christianity (insofar as these differed from judaism), st.paul was the main developer of christianity theology, its principal proselytizer, and the author of a large portion of the new testament.
muhammad, however, was responsible for both the theology of islam and its main ethical and moral principles. in addition, he played the key role in proselytizing the new faith, and in establishing the religious practices of islam. moreover, he is the author of the moslem holy scriptures, the koran, a collection of certain of muhammad's insights that he believed had been directly revealed to him by allah. most of these utterances were copied more or less faithfully during muhammad's lifetime and were collected together in authoritative form not long after his death. the koran, therefore, closely represents muhammad's ideas and teachings and to a considerable extent his exact words. no such detailed compilation of the teachings of christ has survived. since the koran is at least as important to moslems as the bible is to christians, the influence of muhammad through the medium of the koran has been enormous. it is probable that the relative influence of muhammad on islam has been larger than the combined influence of jesus christ and st, paul on christianity. on the purely religious level, then, it seems likely that muhammad has been as influential in human history as jesus.
furthermore, muhammad (unlike jesus) was a secular as well as a religious leader. in fact, as the driving force behind the arab conquests, he may well rank as the most influential political leader of all time"
"إذن كيف يمكننا أن نقَّيم أثر محمد الكليّ على التاريخ البشري؟
وكجميع الأديان فإن الإسلام له نفوذ هائل على اتَّباعه وحياتهم، ولهذا السبب فإن القارىء سوف يجد اسماء مؤسسي معظم الأديان في هذا الكتاب.

 


وبما أن هنالك من المسيحيين ضعف عدد المسلمين في العالم فإنه من الطبيعي أن يبدو غريباً تصنيف محمد في مرتبة أعلى من يسوع المسيح. ولكن هنالك سببين رئيسيين لذلك القرار:
 أولهما: أن محمداً  صلى الله عليه وسلم   لعب دوراً أكثر أهمية في تطوير الإسلام من الدور الذي لعبه المسيح في تطوير المسيحية، مع أن المسيح كان مسؤولاً عن المبادىء الأدبية والأخلاقية للديانة المسيحية ( في النواحي التي تختلف بها هذه المبادىء عن الديانة اليهودية)، إلا أن القديس بولس كان المطوَّر الرئيسي للاهوت المسيحي، وكان الهادي الرئيسي للمعتقدات المسيحية والمؤلف لجزء كبير من العهد الجديد.
 ثانياً: أن محمداً  صلى الله عليه وسلم   كان مسؤولاً عن العقيدة الإسلامية ومبادئها الرئيسية الأدبية والأخلاقية. بالاضافة إلى ذلك فقد لعب دوراً قيادياً  في الهدي للدين الجديد وتأسيس الفروض الدينية في الإسلام، وهو الذي أنزل عليه القرآن ( الكتاب الإسلامي المقدس)، وهو مجموعة من الآيات ذات البصيرة النافذة التي أوحيت اليه مباشرة من قبل الله، ومعظم هذه الأقوال دُوَّنت وسُجَّلت خلال حياة محمد، ثم إنها جمعت بشكل رسمي موثوق بعد وفاته بفترة وجيزة.


ولذلك فإن القرآن يمثل الأفكار والتعاليم التي أوحاها الله للرسول، ولكن لم يبق أي أثر يشبه هذا من آثار المسيح. وبما أن القرآن له تأثير على المسلمين يشبه تأثير الكتاب المقدس المسيحي على المسيحيين، فإن نفوذ محمد من خلال القرآن أصبح ضخماً جداً وهائلاً. ومن المحتمل أن تأثير محمد على الإسلام أكبر بكثير من التأثير المزدوج للمسيح والقديس بولس على المسيحية؛ ولهذا فإنه من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمداً كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح.


وفوق ذلك فإن محمداً يختلف عن المسيح بأنه كان زعيماً دنيوياً فضلاً عن أنه زعيم ديني، وفي الحقيقة إذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمداً يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال.
ويزيد هانزكينج hans kueng هذا الدور الديني تفصيلاً ببيان جوانب التأثير الهائل لدور النبي  صلى الله عليه وسلم  الديني، قائلاً(١):
- der prophet hat damit die araber – gemessen am sehr diesseitigen polytheismus der alterabischren stammesreligionen- auf ein den benachbarten grossreichen vergleichbares religioeses niveau gehoben. der islamals eine monotheistische, ethische hochreligion.
- der prophet hat durch den koran unzaehligen menschen seines und der folgenden jahrhunderte unendlich viel inspiration, mut und kraft zu einem religioesen neuaufbruch geschenkt: zum aufbruch in groessere wahrheit und tiefere erkenntnis, zum durchbruch auf verlebendigung und erneuerung der veberlieferten religion. der islam als die grosse lebenshilfe.

 


-    ارتقى النبي بالعرب- قياساً بما كانوا عليه من ديانات الآباء الوثنية المتدنية- إلى مستوى ديني يمكن مقارنته بما عليه الممالك الكبرى المجاورة للإسلام كديانة توحيدية أخلاقية كبرى.
-    أهدى النبي من خلال القرآن أعداداً غير محدودة من البشر في عصره وبعد عصره إلى مالا نهاية كثيراً من الإلهام والشجاعة والقوة، لبداية دينية جديدة، لاختراق الحقيقة الكبرى والمعرفة العميقة، لاختراق تنشيط وتجديد تقاليد ديانة الإسلام كدعم حياتي كبير."
ولم يكن الدور الديني للنبي  صلى الله عليه وسلم  فقط هو محل عناية المنصفين، بل التدين العميق الذي كان عليه النبي  صلى الله عليه وسلم ، ذلك التدين الذي لا يمكن مقارنته بأي شخص آخر بما كان له من أثر بالغ، كما يقول بارتلمي سانت هيلرm.barthelemy saint-hillaire   (1):
"mahomet a ete le plus intelligent, le plus religieux, le plus clement des arabes de son temps.il n'a du son empire qu'a sa superiorite. la religion prechee par lui a ete un immense bienfait pour les races qui l'ont adoptee."
"كان محمد أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تديناً وأعظمهم رأفة، ونال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقة عليهم، ونعدّ دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته."
 
ويعد روم لاندو rom landau ذلك التدين الفطري أحد العوامل الهامة التي هيأته لحمل الرسالة، قائلاً(1):
"muhammad was religious by nature and was evidently predisposed to the message of reform that he received in his visions. in addition to his spiritual nature."
" كان محمد تقياً بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإصلاح التي تلقاها في رؤاه بالإضافة إلى طبيعته الروحية"
وبسبب غلبه التقوى والروحانية على شخصية النبي  صلى الله عليه وسلم ، فقد جعلها ردوى بارت rudi paret مفتاح شخصيته الحقيقية  صلى الله عليه وسلم ، بقولـــــــــه(٢):
"mohammed war in grund seines wesens ein religioeser mensch. in seiner religiositaet liegt der schluessel zum verstaendnis seiner persoenlichkeit."
" امتلك النبي محمد في الأصل شخصية دينية، وفي نزعة التدين لديه نجد المفتاح لفهم شخصيته"
 
ثانياً: المعايير الحضارية
لا شك أن اعتداد المنصفين بالمعايير الحضارية مقياساً لعظمة النبي  صلى الله عليه وسلم  يكشف عن تفرد النبي  صلى الله عليه وسلم  في عظمته لأنها تجمع بين أسباب التفرد الديني والحضاري.
لكن الملاحظ أن أكثر عوامل التفرد الحضاري في جوانب عظمة النبي  صلى الله عليه وسلم  التي أثبتها المنصفون تدور حول الجانب الديني كذلك، وترتبط به، وتنبني عليه، سواء بكونها نتيجة للعمل الديني أو مظهراً من مظاهره، ولم يختلف ذلك التقييم منذ بداياته في القرن التاسع عشر حتى اليوم، إذ تشترك جميعها في الاحتكام إلى مقياس" الأمة" التي أسسها النبي  صلى الله عليه وسلم  دليلاً على عظمته:
ففي عام ١٨٥٤م وضع الفرنسي لامارتين lamartine مقاييسه الثلاثة للعظمة الإنسانية التي اطبقت على النبي محمد  صلى الله عليه وسلم  بأتمّ وأكمل جوانبها، قائلاً(1)
"if greatness of purpose.
smallness of means
and astounding results
are the three criteria of human genius, who could dare to compare any great man in modern history with muhammed?
the most famous men created arms, laws and empires only. they founded, if anything at all, no more than material powers which often crumbled away before their eyes. this man muhammed moved not only armies, legislations, empires, people and dynasties, but millions of men; and more than that the alters, the gods, the religions, the ideas, the beliefs and the souls.
on the basis of a book, every letter of which has become law, he created a spiritual nationality which blended together peoples of every tongue and of every race…
the idea of the unity of god, proclaimed amidst the exhaustion of fabulous theologies, was in itself such a miracle that upon its utterance from his lips it destroyed all the ancient superstitions…
his endless prayers, his mystic conversations with god, his death and his triumph after death: all these attest not to an imposture but to a firm conviction which gave him the power to restore a dogma. this dogma was twofold, the unity of god and the immateriality of god; the former telling what god is, the latter telling what god is not…"

 


" لو أن عظمة الغاية، وقلة الوسائل، والنتائج المذهلة، هى المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن الذي يجرؤ على مقارنة أى رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد؟
إن أشهر الرجال أسسوا الجيوش ووضعوا القوانين وأسسوا الإمبراطوريات فقط، إنهم لم ينشئوا أكثر من سلطات مادية كثيراً ما ضعفت أمام أعينهم. إن هذا الرجل محمد لم يؤثر فقط في الجيوش والتشريعات والإمبراطوريات والشعوب والأسر الحاكمة، ولكنه أثَّر أيضاً في ملايين الرجال، بل وأكثر من ذلك فقد أزاح مذابح الكنائس وغيرها من الأنصاب والآلهة والأديان والأفكار والمعتقدات الزائفة والأنفس الضالة.
    وقد خلق أمة روحية جمعت معاً أناساً من مختلف الألسنة والأجناس على أُسس كتاب كل حرف منه أصبح قانوناً وشريعة.

 


    إن فكرة وحدانية الله التى طُرحت وسط النظريات اللاهوتية الخرافية المستهلكة كانت في حد ذاتها معجزة حتى أنه بمجرد نطقها من شفتيه، دمَّرت كل المعتقدات الخرافية القديمة.
    إن دعواته، وصلواته اللانهائية، ومحادثاته الروحية مع الله، ووفاته، وانتصاره بعد وفاته، كلها أمور لا تشهد على انه كان مخادعاَ، بل إنها تؤكد على إيمان راسخ منحه القوة ليصلح عقيدة ويكملها.
    هذه العقيدة كانت مزدوجة تتمثل في توحيد الله وأنه ليس كمثله شىء، مما يعّرفنا بالله ما هو، وما ليس فيه."
ولم يكد بوزوورث سميث bosworth smith يختلف معه عندما حصر أسباب تفرد محمد  صلى الله عليه وسلم  في ثلاثة قائلاً(١):
"by a fortune absolutely unique in history, mohammed is a threefold founder of a nation, of an empire, and of a religion."
"من حسن التوفيق إنه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ أن محمداً مؤسس لثلاثة أشياء: الأمة، والامبراطورية، والدين."
واتفقت الانجليزية المعاصرة كارين آرمسترونج karen armstrong مع لامارتين، وبوزوورث ســـميث حول المقاييس الثـلاثة،بقولها(٢):
" if we could view muhammad as we do any other important historical figure we would surely consider him to be one of the greatest geniuses the world has known. to create a literary masterpiece, to found a major religion and a new world power are not ordinary achievements. but to appreciate his genius to the full, we must examine the society into which he was born and the forces with which he contended. when he descended from mount hira to bring the world of god to the arabs, muhammad was about to attempt the impossible. a few arabs of the peninsula were moving towards monotheism, but they hade fully explored the implications of this belief in only one god. this is hardly surprising. it had taken the jews centuries to believe that yahweh was the only god. the ancient israelites probably practiced monolatry: that is, they had agreed that they would worship yahweh alone, but they believed that the other gods existed. even moses may not have been a through-going monotheist. the ten commandments which he brought to his people take the existence of other gods for granted:"thou shalt not have strange gods before me" about 700 years elapsed between the exodus from egypt under the leadership of moses (c. 1250 bce) and the unequivocal monotheism of the prophet, usually known as second isaiah, who lived with the jewish exiles in babylon in about 550 bce. yet muhammad set out to make the arabs achieve this major change in a mere twenty-three years! we shall see that some of the arabs begged him to adopt a monolatrous solution and to accept the cult of other gods, while he and his followers worshipped al-liah alone; but muhammad absolutely refused to compromise.
to proclaim belief in only one god was not a mere national, cerebral assent. it demanded a change of consciousness."

 


" فنحن إن استطعنا النظر إلى محمد كما ننظر إلى الشخصيات التاريخية العظيمة الأخرى، فمن المؤكد أننا سنراه أحد أعظم العباقرة الذين عرفهم التاريخ. فلأن يأتى برائعة أدبية، ويؤسس ديانة عظمى وقوة عالمية جديدة، فتلك إنجازات غير عادية.
ولكى نوفَّى عبقريته حقها، فإن علينا دراسة المجتمع لذى ولد فيه والقوى التى صارعها، فحين هبط محمد من غار حراء حاملاً كلمة الله للعرب، كان يحاول المستحيل، فقد كان هناك قليلون من بين العرب في الجزيرة يقتربون من التوحيد، لكنهم لم يكونوا قد تفحصوا المعاني التى تتضمنها العقيدة في الإله الواحد،وليس ذلك بمستغرب، فقد استغرق اليهود قروناً ليؤمنوا أن يهوه هو الإله الواحد. وقد يكون الإسرائيليون قد مارسوا الأحادية في العبادة، أى أنهم قد وافقوا على عبادة يهوه وحده، لكنهم كانوا يعتقدون وجود آلهة أخرى. وحتى الوصايا العشر التى أتى بها موسى قومه (كما تذكرها توراة بني إسرائيل) تعترف ضمناً بوجود آلهة أخرى يعبدونها، فإنها تنص قائلة:" لا يكن لك آلهة أخرى أمامى". ولقد مر حوالى سبعمائة عام بين خروج الإسرائيليين من مصر تحت قيادة موسى ( ١٢٥٠ق.م) وبين تحقيق الوحدانية التى لا هوادة فيها على يد نبي اليهود الذي يعرف بإشعيا isiah الثاني، والذي كان ضمن المنفيين من اليهود في بابل عام ٥٠٠ ق.م.

 


 أما محمد فقد انطلق ليجعل العرب يحققون ذلك الإنجاز الأكبر في فترة لا تتعدى ثلاثة وعشرين عاماً، وسنرى كيف أن بعض الأعراب ترجّوا محمداً أن يتبنوا حل الأحادية في العبادة، أى أن يعبدوا الله مع بقائهم على عقيدتهم في وجود آلهة أخرى، بينما يعبد هو وأتباعه الله وحده، لكن محمداً رفض أى توفيقية وبشكل قطعى.
    ولم تكن الدعوة إلى الاعتقاد في الوحدانية مجرد موافقة مفهومية عقلانية. بل كانت تتطلب تغيير الوعى الإنساني نفسه."

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day