البحث
تحويل القبلة
5674
2011/09/25
2024/11/04
تحويل القبلة
وفي ثنايا الضجة الإعلامية التي خلفتها سرية عبد الله بن جحش؛ نزل الأمر من الله تعالى في شعبان سنة 2 هـ / فبراير 624م - بتحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.
ونزلت الآيات :
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }البقرة144
وكانت لنا هذه الوقفات :
الدرس الأول : في التربص اليهودي بالإسلام :
لقد استغل اليهودُ هذا الحدث للتشكيك في الإسلام، والسخرية من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإشاعة القلاقل والبلابل في أرجاء الوطن الجديد، وقالوا:".. (مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) [البقرة - 142] ، لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ، ما صرفهم عن قبلتهم التى كانوا عليها .. إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل ..".
ويا عجبًا لهؤلاء اليهود؛ لا ينعم لهم جارٌ أبدًا؛ إن تبعهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قبلته؛ قالوا : مُقلد تابع، وإن خالفهم في قبلتهم، قالوا : كاذب.
وهنا نفهم صفة من صفات اليهود، وحقدهم الذي ظهر جليًا في هذه الحادثة. ولقد شنوا حرباً إعلامية ضارية في أعقاب هذه الحدث . ولقد فُتن ضعاف الإيمان كما فُتن إخوانهم في حادث الإسراء والمعراج .. وإن المتأمل لآيات تحويل القبلة؛ وهي ترد شبهات اليهود؛ يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنها اليهود[1] ..
قال تعالى: (سَيَقُولُ السّفَهَآءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ) [سورة: البقرة - الأية: 142] .. حتى إنهم شككوا في صلاة المسلمين القديمة نحو بيت المقدس ، ومن ثم أعلنوا أن المسلمين الذين ماتوا قبل تحويل القبلة دخلوا النار؛ لأنهم صلوا إلى القبلة الفاسدة ! فيرد الله قائلاً : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ) [: البقرة -143] .
الدرس الثاني : في وسطية الأمة :
لقد أكد هذا الحدث الجليل؛ مبدأ وسطية هذه الأمة، فقد جمعت بين قبلتين عظيمتين ، قبلة إبراهيم وأتباعه ، وقبله موسى وإخوانه .. فأمة الإسلامِ وسطٌ في الشكل . وسط في المضمون، وسطٌ في الشعائر، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً) [سورة: البقرة: 143].
أمةً وسطًا، فلم تسلك مسلك الغلو النصراني، ولم تسلك مسلك التقصير اليهودي.
ووسطية الأمة الإسلامية وسطية شاملة .. فهي وسط في الاعتقاد والفكر، ووسط في العبادات والمعاملات، ووسط في أنظمتها وتشريعاتها ..
الدرس الثالث : في أستاذية الأمة الإسلامية:
قال تعالى: (لّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ) [البقرة - 143]
شهداءٌ، تقيمون فيهم العدل والقسط.
إن أمة الإسلام ما بعثها الله إلا لتقود ولتسوس البشرية إلى الحق .. ولذا استخلفها الله ومنحها الخيرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ) . وكانت هذه المنحة الربانية مقابل تأدية الأمة لوظيفتها ومزاولتها لمهنتها .. ووظيفتها ومهنتها هي سياسة الحضارات وقيادة الأمم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) [: آل عمران - 110] .
وواضح جلي من بنود هذا العقد ومن شروط تلك المنحة ؛ أن الأمة إذا تخلت عن وظيفتها؛ سلبها اللهُ منها منحة الخيرية .. وأصيبت بالضعف والخور وتوالت عليها الهزائم ، وأكلها الشرق والغرب .
الدرس الرابع : في حتمية الابتلاء :
(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّن يَنقَلِبُ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الّذِينَ هَدَى اللّهُ ) [البقرة - 143] . إذ المؤمن ـ وهو يمارس وظيفته في الدعوة إلى الله ـ لابد أن يبتلى ، ولابد أن يُمتحن (أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت - 2] .. ولقد ابتلي المسلمون الأوائل بهذا الحدث أيما ابتلاء . فثبتوا ـ رضي الله عنهم ـ ما ضرتهم حرب اليهود الإعلامية .. ليضرب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ القدوة والأسوة في مواجهة الابتلاء الإعلامي ، ولقد علمونا ـ رضي الله عنهم ـ الصبر على ألوان الابتلاء ، بديةً بابتلاء السجن والحصار والتعذيب في رمضاء مكة ، وحتى الصبر على الترسانة الإعلامية اليهودية ..
ولعل دعاة اليوم أن يتأملوا بعين طالب العلم إلى تراث الصحابة ، ولنستلهم من صبر الصحابة الزاد على طريق الدعوة إلى الله ؛ خاصةً في ظل نار حكام الجور وجحيم أعداء الإسلام .
الدرس الخامس : في سرعة الاستجابة :
كم كان هؤلاء الصحابة ـ رضي الله عنه ـ في قمة الاستجابة لهذه الدعوة ؛ عندما جاءهم خبر تحويل القبلة ..انظر في صحيح البخاري عن البراء : " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ـ أو سبعة عشر شهرا ـ ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنه صلى أول صلاة صلاها العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال أشهد بالله، لقد صليت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قِبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت" لقد تحولوا وهم في هيئة الركوع من قبلة بيت المقدس إلى اتجاه البيت الحرام .. لقد علمونا ـ رضي الله عنهم ـ كيف نستقبل تعاليم الإسلام.
بهذه الثقة في النهج وبهذه الثقة في القائد قادوا وسادوا وساسوا..
... إلى متى هذه الجفوة والفجوة بين المسلمين ومنهجهم ؟ وإلى متى نستجيب إلى كل أشباه الحلول ، ونرفض الحل الإسلامي ؟ وإلى متى نستجيب إلى كل فكر إلإ الفكر الإسلامي ؟
فالنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة !
نتحول بكل قوة وثقة إلى منهج الإسلام بكلياته وجزئياته ، كما تحول الغر الميامين وهم ركوع ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
توصيات عملية :
1ـ مدارسة آيات تحويل القبلة في سورة البقرة .
2ـ أن تذكر أخًا من إخوانك بهذه الدروس الخمسة من حادث تحويل القبلة .
----------------------------
[1] انظر ماكتبه الأستاذ سيد قطب في ربع " سيقول السفهاء " من المجلد الأول من الظلال .