1. المقالات
  2. أعظم إنسان عرفته البشرية
  3. رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان والجماد

رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان والجماد

13027 2011/10/02 2024/10/15
المقال مترجم الى : English Español

 

اتسعت رحمته صلى الله عليه وسلم لتشمل الطير والحيوان؛ فأمر بالرِّفقِ بها، وتوعَّد من عذَّبها أو حبسها حتى الموت بالعذاب والنار في الآخرة.

ونهى صلى الله عليه وسلم أن تُجعل الطيور أو غيرها؛ من ذوات الأرواح، هدفًا للرمي بالسهام وغيرها من الأسلحة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» (مسلم).

ونهى صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَر البهائم (البخاري ومسلم)؛أي أن تُحبس وهي حيَّة؛ لتُقتَل بالرمي ونحوه.

وقال صلى الله عليه وسلم محذرًا من يؤذي الحيوان الضعيف: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» (البخاري ومسلم).

و(خَشَاشِ الأَرْضِ): حشرات الأرض وهوامها.

ومَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لَحِقَ ظهره ببطنه، فقال: «اتَّقُوا الله في هذِهِ البَهَائِمِ المُعجَمَةِ؛ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً» (أبو داود وصححه الألباني).

وفي المقابل؛ فقد جعل الإحسان إلى هذه الحيوانات سببًا لمغفرة الذنوب العظيمة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ؛ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا؛ فَاسْتَقَتْ لَهُ؛ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» (البخاري ومسلم).

و(يُطِيف): يحــوم، و(الرَكِيَّة): البئر، و(الُموق): الخف.

ومن مظاهـر شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بهذه المخلوقـات الضعيفة؛ ما يرويه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قائلاً: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة معها فرخان، فأخذنا فَرْخَيْهَا، فجاءت الحُمَّرَة فجعلت تُعَرِّشُ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» (أبو داود والحاكم وصححه الألباني).

فلا عجب إذن أن يبكي الحيوان البهيم بين يدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ويشتكي له ما يجده من قسوة صاحبه!!

فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فدخل حائطًا (بستانًا) لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلمَّا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذِفْرَاه (أصل أذنه) فسكن، فقال: «مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الجَمَلِ؟»، فجاء فتًى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسـول الله. فقال: «أَفَـلا تَتَّقِي الله فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ الله إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَى إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» (أبو داود وأحمد وصححه الألباني).

و(تُدْئِبه): أدأب الرجل الدابة إدآبًا: إذا أتعبها، وعمل عليها عملاً متواصِلاً.

فلله ما أعظمه من خلق وما أوسعها من رحمة!!.

بل أعجب من ذلك أن تتسع رحمته صلى الله عليه وسلم لتشمل الجماد أيضًا!!

فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ. فقالصلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (البخاري).

والحنين: صوت كالأنين، ويكون عند الشوق، وتوصف به الإبل.

يالله!! خشبة تَحِنُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فيبادلها هذا الشعور، ويحتضنُها!!

أين دعاة حقوق الإنسان، والرفق بالحيوان، من شيء من هذه المعاني الرائعة، وتلك القمم السامقة؟!!

إن أصحاب القلوب القاسية لا يدركون شيئًا من سموِّ تلك الرحمة وشمولها وروعتها، بل ليس للعاطفة في صدورهم مكان؛ إنهم كالحجارة الصماء، جفافٌ في العطاء والأخذ، وبخلٌ بأرق المشاعر والعواطف الإنسانية.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day