البحث
أعشى بن قيس
5309
2011/12/05
2024/11/15
أعشى بن قيس
" كأس وغانية .. يفعلان بالأمة المحمدية ما لايفعله ألف مدفع "...!
هكذا قال أعداء هذا الإسلام، وهكذا أوضحوا أسهل الطرق التي يُؤتى منها الشباب المسلم .
وإغراء الشباب بالغانية والكأس لصدهم عن سبيل الله؛ ليست نظرية حديثة، بل قديمة، والدليل هذا الموقف من السيرة :
***
أبو بصير أعشى بن قيس بن ثعلبة، - واسمه ميمون بن قيس- شاعر من شعراء العرب المشهورين، وكان يفد على ملوك فارس ، وخرج إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يريد الإسلام، وقال يمدح النبي – صلى الله عليه وسلم - في قصيدة مطلعها :
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاك لَيْلَةَ أَرْمَدَا ... وَبِتّ كَمَا بَاتَ السّلِيمُ مُسَهّدَا
وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النّسَاءِ وَإِنّمَا ... تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ صُحْبَةَ مَهْدَدَا
قال ابن قتيبة في " طبقات الشعراء " : " وكان الأعشى جاهلياً قديماً وأدرك الإسلام في آخر عمره، ورحل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- في فترة صلح الحديبة، فسأله أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد، فقال: أردت محمداً. قال: إنه يحرم عليك الخمر والزنى والقمار. قال: أما الزنى فقد تركني ولم أتركه، وأما الخمر فقد قضيتُ منها وطراً، وأما القمار فلعلي أصيب منه عوضاً. قال: فهل لك إلى خير من هذا؟ قال: وما هو؟ قال: بيننا وبينه هدنة فترجع عامك هذا، وتأخذ مائة ناقة حمراء، فإن ظفر بعد ذلك أتيته، وإن ظفرنا كنت قد أصبت من رحلتك عوضاً. فقال: لا أبالي! فأخذه أبو سفيان إلى منزله وجمع عليه أصحابه وقال: يا معشر قريش، هذا أعشى قيس ! ولئن وصل إلى محمد ليضربن عليكم الأرض قاطبة ! فجمعوا له مائة ناقة حمراء، فانصرف فلما صار بناحية اليمامة ألقاه بعيره فقتله. انتهى[1].
***
هذه القصة، تبين لك كيف كان أعداء هذا الدين قديمًا وحديثًا يستخدمون سلاح " الشهوة " في الحرب على الإسلام وصد الشباب عن الدين. وقد علم أعداء هذا الدين سواء كانوا من الوثنيين أو اليهود أوالمنافقين، أوالنصارى من بعدهم، أن كأسَ خمرٍ، وامرأةً بغيًا، وطاولةَ قمارٍ، تفعل بالشباب الأفاعيل، وتدع الحليم حيران .
وهكذا - في عصرنا – لا زالت هذه الأسلحة الغريزية ـ الكأس والغانية والطاولة ـ، في حرب ناعمة، بالمخدرات وبالجنس وبالقمار، حربٌ تدور رحاها؛ تستهدف العقل المسلم، تستهدف العفة والفضيلة، تستهدف الشاب المسلم والفتاة المسلمة.
***
السلاح الأول : كأس
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [المائدة90]
فالخمر أم الخبائث، وقد قدمها الله في التحريم على الأنصاب – التي هي من الكفر- والأزلام – التي هي من الشرك -! ومن الخمر يتفرع كل مخدر ومسكر ومفتر، من السيجارة مرورًا بالقات والحشيش وحتى الهروين.. وكلها وسائل لقتل النفس!
وكم من شاب ضل بعد هدى؛ بعد جرعة خمر، أو لَقمة سيجار، أو شمة هروين! إن أم الخبائث أبت على شاربها ألا أن يقع في كل الفواحش والكبائر، فكان فيما مضى أن امرأة حبست شابًا وخيرته بين الزنى بها، أو أن يرتشف معها خمرًا، أو أن يقتل غلامًا بعينه ، فأبى، فشددت حبسه، فانصاع لها، فشرب الخمر ظنًا منه أنه ارتكب أقل المحظورات، فلما شرب سكر، فلما ثمل زنى بها وقتل الغلام !
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ "[النور: 21]
السلاح الثاني : غانية
فالصور التي تعرض الأجسام المكشوفة، والأفلام التي تزين الفاحشة، والأغاني التي تروج للرذيلة؛ كلها وسائل لصد الشباب عن الإسلام، والدفع به في طريق العهر والخنا، والدعر والزنى .
وترى اليهود يرسلون الغانيات – الحاملات لفيرس نقص المناعة - إلى بلاد المسلمين، وذلك ليمارسن الجنس مع أكبر قدر من الشباب، وينقلن للأمة الأمراض الفتاكة، والمصائب الهدامة، وقد تحدثت الصحف عن هذا المخطط الصهيوني كثيرًا، ولقد القت السلطات المصرية القبض على العديد من الفتيات الإسرائليات الحاملات لفيرس نقص المناعة في صحبة شبان مسلمين في شرم الشيخ والغردقة وأسوان.
وإلى جانب اليهود؛ ههنا أشباه اليهود، من المنافقين، والعلمانيين، ممن تملكوا زمام الإعلام، فهم يقومون بالحرب على الفضيلة نيابة عن الصهانية، فعاثوا في العقول الفساد، ونشروا الفجور والعري، وزينوا الرقص والعشق، وأفردوا المساحات الطويلة لتلميع الساقطات، وتشجيع الداعرات، والاسم فنانات !
"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "[النور: 19] .
أما ضحايا هذا السلاح الرعيب، فهم شباب الجنس، وحيوانات بشرية في صورة مخانيث، جسمًا موهونًا مترضضا، التاث بلوثة الميوعة، والتَجَّ في وحلة الخنوثة. يقطع سَرَاة َنهاره في الخلاعة، وساعات ليله في الرقص والطبل والزمر، مع فلانة وعلانة، والجري وراء الفنانة والداعرة، والربيطة والعاهرة، والتسكع في الطرقات بالسيارات، وبالتكاتك مع الساقطات، في صحبة النوكى والحمقى، وأهل المجون والفجور.
السلاح الثالث: القمار
قال الله تعالى : " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ " [المائدة91]
والقمار هو كل لعب بين متسابقين على مال يُجمع منهم، ويوزع على الفائز، ويُحرم منه الخاسر، ومن أنواع القمار : الورق، والنرد، والياناصيب، والمراهنة، وقد أثبت العلم الحديث أن مدمن القمار يتشابه في النشاط الذهني مع مدمن المخدرات، وأن إدمان القمار يؤدي إلى أمراض نفسية وخيمة، ولقد سمعنا كثيرًا عن حوادث انتحار الخاسرين الذين تجردوا من كل ما يملكون على موائد القمار، واقرأ ـ إن شئت ـ رواية المقامر للأديب الروسي " فيودور دوستويفسكي " لتتعرف على نفسية المقامر المُعقدة الغريبة المهزومة.
هذا، فضلاً عن كون القمار وسيلة من وسائل هدم الاقتصاد، ونشر البطالة، وانتشار العداوة.
ولفساد الميسر وخطره على الاقتصاد، فقد حرمه بعض زعماء العرب في الجاهلية، ومنهم الأقرع بن حابس التميمي؛ فقد حاربه، ومنعَ ممارسته، ثم جاء الإسلام بتقريره .
ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في أشهر ألعاب القمار :" من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله"[2] . وقال أيضًا : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ؛ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ"[3] .
ويقول – صلى الله عليه وسلم - : " ثمن الخمر حرام، و مهر البغي حرام، و ثمن الكلب حرام، والكوبة حرام[4]، وإن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه ، فاملأ يديه ترابًا ، و الخمر و الميسر، وكل مسكر حرام "[5] .
وما اجتمعت صحبةٌ صالحة على نرد، وما لـمَّ القمارُ شمل الأقران، وما دخل الصفاء على خلة الطاولة ..
إن أهل طاولة القمار؛ هم جماعة ساقطة، وصحبة فاسدة، وصداقة زائفة،تجمع خِساس الناس، وسفهاء المجتمع ، يتناقضون بناء الود، ويتعاطون الحسد، ويتراقبون الدٌّول، يحقدون على الفائز، ويلمزون الخاسر، يتعايبون، ولأنفسهم يغتابون، ولا يحبون لبعضهم خير، مولوعون بالمسابقة في الشر . في الرخاء تعرفهم بالتحاسد، وفي الضراء تعرفهم بالتخاذل.
خطر التسويف !
وفي هذه القصة أيضًا، درسٌ بليغ في خطر التسويف، فهذا الشاعر العجوز قطع السهول والحزون قاصدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لكن ... حال التسويف بينه وبين غايته، وقد أُلقيت عليه حبالةُ الخمر فأبى، وقال : أما الخمر فقد قضيت منها وطرًا، ثم أُلقيتْ عليه حِبالة الجنس فأبى، وقال: أما الزنى فقد تركني ولم أتركه، ثم ألقيتْ عليه حبالة القمار فتردد ! وقال : أما القمار فلعلي أصيب منه عوضاً.
فلما تلجلج قصده، واضطرب أمره؛ أراد أبو سفيان أن يلقي عليه الحبالة الأخيرة، ليستحكم له الصيد، فقال :ترجع عامك هذا، وتأخذ مائة ناقة حمراء !؟
فسال لعابُ الشاعر !
فأعطاه أبو سفيان جرعة التسويف، فقال : فإن ظفر [ أي محمد ] بعد ذلك أتيته، وإن ظفرنا كنت قد أصبت من رحلتك عوضاً.
فانهزم الشاعر الكبير، فأخذه أبو سفيان كما يأخذ أحدنا القط الوديع لمحبسه، ثم جمع أبو سفيان أصحابه، وحذرهم من مغبة انضمام شاعر فحل كالأعشي إلى الجماعة المسلمة، فقال أبو سفيان : "ولئن وصل إلى محمد ليضربن عليكم الأرض قاطبة." . فالجيش الذي ينضم إليه شاعرٌ، فكأنما ضُم إلى الجيش كتيبة خشناء أو وزراة إعلام، فالشاعر في العرب كان بمثابة الصحيفة من الصحف، أو المذياع أو التلفاز أو غير ذلك من وسائل الإعلام .. ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يغتبط اغتباطًا عظيمًا بإسلام الشعراء، وكان يهش لهم ويبش، فيحمس المسلمين منهم، ويتلطف إلى المشركين منهم، أملاً في إسلامهم.
ولقد جمع المشركون المال للشاعر، فقبض المال على أن يعود في عام قابل، فيقدم إلى محمد، ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما انصرف وصار بناحية اليمامة ألقاه بعيره فقتله ! فياحسرتاه على سوء الخاتمة ! ويا ويل تلك النفس التي عاشت على حرف السين : سأفعل .. سأصلي .. سأتوب .. سأجاهد ..س، س، س .. ولكن لا تفعل حتى تَهلك .
مات، وخسر الدنيا والآخرة، فلم ينتفع بنوقه الحمر، ولم يظفر بدين الحق، إذنْ فهو الخاسر الذي أهلكه التسويف، والخائب الذي أهلكته حبالات الصائد ـ الواحدة تلو الآخرى ـ، وقد أصابت هذا الشاعر حبالة المال .. ومن الشباب من يسقط في حبالة الخمر والمخدرات، ومنهم من ترى ثغرته في النساء والبنات، ومنهم من تجد نقطة ضعفه في القمار والسهرات، ومنهم من يُؤتى من قبل المال والعقارات، ومنهم من يُؤتى من جميع هذه الأبواب، فنسأل الله أن يحفظنا من شرها جميعها،جميعًا .
***
التسويف مواعيد الشيطان، والتسويفات عُلالات نفوس المنهزمين، وأحلام المحرومين، وخيالات النائمين .. أدبْ نفسك – أخي - بسرعة المبادرة في الخيرات، وأحكمها بالمسارعة في كسب الحسنات، ولا تغرنك السلامة المنْطوية على الهلَكة، واقطع عنك التسويف قبل أن يقطعك !
ومن أسرع بقول، حقيقٌ أن يسرع بفعل، وقبيح أن يسوف، وقد ذم الله الذين يقولون ما لا يفعلون، والتسويف في الخير اغترار، فالدنيا ساعة، لا تحتمل التسويف، ولا تقبل التأجيل، وإنجاز الخير سعادة، وفواته تعاسة،فإذا تخالجتك الأمور، فاشتغل بأعظمها خطرًا، وأعظمها قدرًا، فإنما فقه الأولويات في العبادة عبادة، ومن أراد أن ينغص حياته فليسوّفْ كل خير، ومن أراد أن يعيش في حَبرة وسعادة فليظفرْ بكل وسيلة من وسائل الخير، من صلة وبر وعبادة، وجهاد وبذل وطاعة.
ثم، لا تؤاخين مسوفًا، وإلا لك النَّغيص في الدنيا، والخسران في الآخرة، فشأن أقران السوء تسويف الخير وإسعاف الهوى، والتسويف كالمرض المعدي، والداء العَيَاء، يتنقل بين الأقران كما ينتقل الزكام من المزكوم إلى الصحيح، لا انْفغام له إلا بنفحات الاستغفار والتوبة، والهرب من المسوف أحق منك بالهرب من سم الأساود!
***
قال الشاعر - في التسويف- :
كم يكون الشتاء ثم المصيف ... وربيع يمضي ويأتي خريف
وانتقال من الحرور إلى الظل .. وسيف الردى عليك منيف
يا قليل البقاء في هذه الدار ... إلى كم يغرك التسويف
توصيات عملية :
1ـ شارك في حملة دعوية ضد الخمور والمخدرات والقمار
2ـ ارسل عدة رسائل عبر الجوال تحث على أخلاق الفضيلة وغض البصر والعفة
3 ـ اقرأ فصلاً عن " خطر التسويف " في كتاب من كتب الرقائق والتربية.
------------------------------
[1] عبد القادر البغدادي : خزانة الأدب 1/62، وانظر : ابن هشام 1/386، 387
[2] أخرجه ابن ماجة ( 3762 ) ، وحسنه الألباني
[3] أخرجه مسلم ( 4194 )
[4]وهي النرد في رأي ابن الأثير
[5] أخرجه الطبراني ( الكبير ) ( 12601) ، وهو في السلسلة الصحيحة :1806