البحث
قوله تعالى :" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً":
.
قوله تعالى :" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً":
نعم فلقد قال الله تعالى بأسلوب الحصر :"إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معَه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاءَ الرسولِ بينَكم كدعاء بعضِكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لِواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم"، فهذا أدبٌ جامع في الاستئذان منه صلى الله عليه وسلم وفي دعائه أي ندائه صلوات الله وسلامه عليه. ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم محتاجون إلى مخالطة ومجالسة ومخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنهم يحتاجون إلى مخالطة ومخاطبة غيره، فهل يسوي الله تعالى بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجلس غيره، وبين ندائه ودعائه صلى الله عليه وسلم ودعاء غيره، كلا. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :"وهذا أيضاً أدبٌ أرشد الله عباده المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لاسيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك، أمرهم الله تعالى أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته وإن من يفعل ذلك فإنه من المؤمنين الكاملين"، وقال رحمه الله:"قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون يامحمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا يانبي الله، يا رسول الله، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال قتادة: أمر الله أن يُهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يُبَجَّل وأن يُعظَّم وأن يُسَوَّد".
فهذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه عظمته وجلالة قدره صلوات الله وسلامه عليه، وتأمل كيف منعت الشريعة من تعاطي أي سببٍ قد يؤدي إلى سوء أدب أو تصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بدون قصد، فعن حميد عن أنس قال:" نادى رجلٌ رجلاً بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لم أعنِك، إنما دعوت فلاناً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي"، قلت: ولا شك أن المقصود هنا النهي عن نداء غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنيته صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك مدعاة للغلط والالتباس كما حدث في سبب ورود الحديث، أو يكون مدخلاً لاستهزاء ضعاف القلوب والمنافقين بحيث ينادونه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق ثم يعتذرون بأنهم لم يقصدوه وإنما قصدوا غيره، فإن قيل: فلم لم يمنع من التسمية باسمه صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أن المؤمنين قد نُهوا عن ندائه صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً فلا يرد مثل هذا المحذور، فهم منهيون عن قولهم: يا محمد، بل يقولون : يا رسول الله ، يا نبي الله، وهكذا.
والحاصل هنا أن هذا سورٌ آخر ضربه الله تعالى حول حرم النبوة، فلا يتحدث أو يدخل أو ينصرف أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذن، ومن احتاج أن يناديه أو يخاطبه التزم الأدب في ذلك فناداه بما يليق وبما لا يلتبس مع غيره ، فيقول : يا رسول الله ، يا نبي الله، قال أبو القاسم ، فعل أبو القاسم صلوات الله وسلامه عليه، وهذا كله مزيد احتياط واعتناء من الله عز وجل بصفيِّه وخليله وصفوة خلقه بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه