البحث
أدب الخلاف في الإسلام
تحت قسم :
حملة صالحون مصلحون
3995
2012/01/08
2024/11/23
أدب الخلاف في الإسلام
إنّ الحمد لله، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران 102 ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء 1 ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗوَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب 70 - 71 .
أما بعد ، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله ، و أحسن الهدي هدي محمد ، و شر الأمور محدثاتها ، و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .
( وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَ لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) هود 118 .
وقال تعالى : ( وَ مَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) 19يونس .
و الخلاف سنة الله في كونه ، و الخلاف أمر مشروع جائز الوقوع ، قال تعالى : ( وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) الشورى 10 .
و قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء 59 .
و الخلاف قد يكون بين أهل العلم أو بين الزوجين أو بين الوالد و أولاده ، فإن راعينا أدب الخلاف لن ينتج عنه أي ضرر بإذن الله تعالى ، و الخلاف كان موجودًا أيام النبي في فهم النصوص ، و الخلاف حول الأمور الشرعية بدأ بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم ، لأن في حياة النبي كان أي خلاف يرد إليه و ينزل الوحي بالتشريع .
بعد وفاته صلى الله عليه و سلم بدأ الصحابة يتفرقون في البلدان لينشروا العلم ، فكان كل منهم يفتي بما علمه الله .
و معرفة أسباب الاختلاف من أهم العلوم التي لا يستغني عنها طالب العلم و العالم ؛ قال قتادة رحمه الله : " من لم يعرف الاختلاف لم يشم الفقه بأنفه " .
و قالوا أيضًا لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس ، فإنِّه إن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه .
أسباب الخلاف بين الصحابة :
1- الاختلاف في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم :
قال النبي صلى الله عليه و سلم : « لا يصلينَّ أحد العصر إلا في بني قريظة » , فبعضهم فهم منه المراد الاستعجال ، فصلى العصر لما دخل وقته , و بعضهم أخذ بالظاهر فلم يصل إلا في بني قريظة , و لم يعنف النبي صلى الله عليه و سلم أحدًا منهم أو عاتبه ، ففي ذلك دلالة هامة على أصل من الأصول الشرعية الكبرى و هو تقرير مبدأ الخلاف في مسائل الفروع ، و اعتبار كل من المتخالفين معذورًا و مثابًا ، كما أنَّ فيه تقريرًا لمبدأ الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية ، و حاصل ما وقع أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ، و لم يبالوا بخروج الوقت وقت الصلاة توجيهًا لهذا النهي الخاص على النهي العام عن تأخير الصلاة عن وقتها .
و قد علق الحافظ ابن حجر على هذه القصة فقال : ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح ، و إنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه و اجتهد , فيستفاد منه عدم تأثيمه ، و حاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النص على حقيقته ، و لم يبالوا بخروج الوقت ترجيحًا للنهي الثاني على النهي الأول ، و هو ترك تأخير الصلاة عن وقتها ، و استدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق ، و البعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة ، أنَّه كناية على الحث و الاستعجال و الإسراع إلى بني قريظة ، و قد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد ؛ لأنه صلى الله عليه و سلم لم يعنف أحدًا من الطائفتين ، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم .
و أيضًا ما روى عن ابن عمر أنَّ الميت يعذب ببكاء أهله ، فقالت عائشة : أنَّ ابن عمر أخذ الحديث على غير وجهه ، قالت مرَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم على يهودية يبكي عليها أهلها ، فقال : إنِّهم ليبكون عليها ، و إنَّها تعذب في قبرها ؛ فظنَّ ابن عمر أنَّ العذاب بسبب البكاء و أنَّ الحكم عام لكل الناس .