البحث
المرء على دين خليله - الجزء الرابع
مراعاة حقوق الصحبة و آداب الأخوة في الله :
1- فِي الْمَالِ :
و هذا الحق يحتاج إلى توضيح ، فقد يقول بعض الناس فلان مسرف مبذر في المال و دائما يضيع المال ، و إذا اخذ قرضا لا يرده نحن لا نتكلم عن هذا النوع انما نتكلم عن اخوك الذى عاشرته وتعرف اماناته وعزة نفسه وورعه فمرت به حادثه من حوادث الزمان احوجته الى المال فانت اولى الناس بمواساته .
وَالْمُوَاسَاةُ بِالْمَالِ مَعَ الْأُخُوَّةِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ :
أَدْنَاهَا: أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ خَادِمِكَ فَتَقُومَ بِحَاجَتِهِ مِنْ فَضْلَةِ مَالِكَ، فَإِذَا سَنَحَتْ لَهُ حَاجَةٌ وَكَانَتْ عِنْدَكَ فَضْلَةٌ عَنْ حَاجَتِكَ أَعْطَيْتَهُ ابْتِدَاءً وَ لَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى السُّؤَالِ ، فَإِنْ أَحْوَجْتَهُ إِلَى السُّؤَالِ فَهُوَ غَايَةُ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْأُخُوَّةِ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِكَ وَ تَرْضَى بِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاكَ فِي مَالِكَ ، وَ نُزُولِهِ مَنْزِلَتَكَ حَتَّى تَسْمَحَ بِمُشَاطَرَتِهِ فِي الْمَالِ .
وَ الثَّالِثَةُ : هِيَ الْعُلْيَا أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَ تُقَدِّمَ حَاجَتَهُ عَلَى حَاجَتِكَ ، وَ هَذِهِ رُتْبَةُ الصِّدِّيقِينَ وَ مُنْتَهَى رُتْبَةِ الْمُتَحَابِّينَ ، وَ مُنْتَهَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْإِيثَارُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا .
2-الْحَقُّ الثَّانِي فِي الْإِعَانَةِ بِالنَّفْسِ :
وَذَلِكَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَ الْقِيَامِ بِهَا قَبْلَ السُّؤَالِ وَ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْحَاجَاتِ الْخَاصَّةِ ، وَ هَذِهِ أَيْضًا لَهَا دَرَجَاتٌ ، فَأَدْنَاهَا الْقِيَامُ بِالْحَاجَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ وَ الْقُدْرَةِ وَ لَكِنْ مَعَ الْبَشَاشَةِ وَالِاسْتِبْشَارِ ، إِظْهَارِ الْفَرَحِ وَ قَبُولِ الْمِنَّةِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ: " وَإِذَا اسْتَقْضَيْتَ أَخَاكَ حَاجَةً فَلَمْ يَقْضِهَا فَذَكِّرْهُ ثَانِيَةً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَسِيَ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا فَكَبِّرْ عَلَيْهِ " ، وَ اقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) الْأَنْعَامِ 36 .
وَ كَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَتَفَقَّدُ عِيَالَ أَخِيهِ وَ أَوْلَادَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، يَقُومُ بِحَاجَتِهِمْ يَتَرَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ وَ يَمُونُهُمْ مِنْ مَالِهِ ، فَكَانُوا لَا يَفْقِدُونَ مِنْ أَبِيهِمْ إِلَّا عَيْنَهُ ، بَلْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَرَوْا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ .
وَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَابِ دَارِ أَخِيهِ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ أَخُوهُ وَ بِهَذَا تَظْهَرُ الشَّفَقَةُ ، وَ الْأُخُوَّةُ إِذَا لَمْ تُثْمِرِ الشَّفَقَةَ ، حَتَّى يُشْفِقَ عَلَى أَخِيهِ كَمَا يُشْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهَا.
وَ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : " مَنْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِصَدَاقَتِهِ لَمْ تَضُرَّكَ عَدَاوَتُهُ " .
وَ بِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حَاجَةُ أَخِيكَ مِثْلَ حَاجَتِكَ أَوْ أَهَمَّ مِنْ حَاجَتِكَ ، وَ أَنْ تَكُونَ مُتَفَقِّدًا لِأَوْقَاتِ الْحَاجَةِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْ أَحْوَالِهِ كَمَا لَا تَغْفُلُ عَنْ أَحْوَالِ نَفْسِكَ ، وَتُغْنِيهِ عَنِ السُّؤَالِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ ، وَ لَا تَرَى لِنَفْسِكَ حَقًّا بِسَبَبِ قِيَامِكَ بِهَا ، بَلْ تَتَقَلَّدُ مِنَّةً بِقَبُولِ سَعْيِكَ فِي حَقِّهِ وَ قِيَامِكَ بِأَمْرِهِ .
وَ قَالَ عطاء : " تَفَقَّدُوا إِخْوَانَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى فَعُودُوهُمْ أَوْ مَشَاغِيلَ فَأَعِينُوهُمْ أَوْ كَانُوا نَسُوا فَذَكِّرُوهُمْ " .
وَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ : " لِجَلِيسِي عَلَيَّ ثَلَاثٌ: إِذَا دَنَا رَحَّبْتُ بِهِ ، وَ إِذَا حَدَّثَ أَقْبَلْتُ عَلَيْهِ ، وَ إِذَا جَلَسَ أَوْسَعْتُ لَهُ " .
وَ قَدْ قَالَ تَعَالَى: ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ، إِشَارَةً إِلَى الشَّفَقَةِ وَ الْإِكْرَامِ .
وَمِنْ تَمَامِ الشَّفَقَةِ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِطَعَامٍ لَذِيذٍ أَوْ بِحُضُورٍ فِي مَسَرَّةٍ دُونَهُ ، بَلْ يَتَنَغَّصُ لِفِرَاقِهِ وَ يَسْتَوْحِشُ بِانْفِرَادِهِ عَنْ أَخِيهِ .
3-الْحَقُّ الثَّالِثُ فِي اللِّسَانِ :
وَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ مَرَّةً وَبِالنُّطْقِ أُخْرَى .
أَمَّا السُّكُوتُ فَهُوَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ عُيُوبِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَحَضْرَتِهِ بَلْ يَتَجَاهَلُ عَنْهُ وَيَسْكُتُ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا يُمَارِيهِ وَلَا يُنَاقِشُهُ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنِ التَّجَسُّسِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِ، وَإِذَا رَآهُ فِي طَرِيقٍ أَوْ حَاجَةٍ لَمْ يُفَاتِحْهُ بِذِكْرِ غَرَضِهِ مِنْ مَصْدَرِهِ وَمَوْرِدِهِ وَلَا يَسْأَلُ، فَرُبَّمَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكْذِبَ فِيهِ، وَلْيَسْكُتْ عَنْ أَسْرَارِهِ الَّتِي بَثَّهَا وَلَا يَبُثُّهَا إِلَى غَيْرِهِ الْبَتَّةَ وَلَا إِلَى أَخَصِّ أَصْدِقَائِهِ، وَلَا يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ وَالْوَحْشَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنِ الْقَدْحِ فِي أَحْبَابِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنْ حِكَايَةِ قَدْحِ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنَّ الَّذِي سَبَّكَ مَنْ بَلَّغَكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْفِيَ مَا يَسْمَعُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّ السُّرُورَ أَوَّلًا بِهِ يَحْصُلُ مِنَ الْمُبَلِّغِ لِلْمَدْحِ ثُمَّ مِنَ الْقَائِلِ، وَإِخْفَاءُ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَدِ .
وَ بِالْجُمْلَةِ فَلْيَسْكُتْ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ يَكْرُهُهُ جُمْلَةً وَ تَفْصِيلًا ، إِلَّا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ النُّطْقُ فِي أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَ لَمْ يَجِدْ رُخْصَةً فِي السُّكُوتِ ، فَإِذْ ذَاكَ لَا يُبَالِي بِكَرَاهَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَ إِنْ كَانَ يُظَنُّ أَنَّهَا إِسَاءَةٌ فِي >> ناقص
4-تحسين العيوب :
و منها تحسين ما يعانيه من عيوب أصحابه ؛ فقد قال ابن مازن : " المؤمن يطلب معاذير إخوانه ، و المنافق يطلب عثراتهم " ، و قال حمدون القصار : " إذا زل أخ من إخوانك ، فاطلب له تسعين عذراً ، فإن لم يقبل ذلك فأنت المعيب " .
5- الصفح عن العثرات و العفو عن الزلات و الهفوات :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنهبألف شفيع
هَفْوَةُ الصَّدِيقِ إِنْ كَانَتْ فِي دِينِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي نُصْحِهِ كَمَا قَدَّمْنَا ، فَإِنْ أَصَرَّ فَمِنَ السَّلَفِ مَنْ رَأَى مُقَاطَعَتَهُ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِدَامَةَ حَقِّ مَوَدَّتِهِ وَ بُغْضِ عَمَلِهِ ، وَ أَمَّا زَلَّتُهُ فِي حَقِّهِ بِمَا يُوجِبُ إِيحَاشَهُ ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ وَ الِاحْتِمَالُ ، بَلْ كَانَ مَا يَحْتَمِلُ تَنْزِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ وَ يُتَصَوَّرُ تَمْهِيدُ عُذْرٍ فِيهِ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِحَقِّ الْأُخُوَّةِ ، فَقَدْ قِيلَ : " يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْبِطَ لِزَلَّةِ أَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُكَ فَرُدَّ اللَّوْمَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَقُولُ لِقَلْبِكَ: مَا أَقْسَاكَ يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ أَخُوكَ سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَلَا تَقْبَلُهُ فَأَنْتَ الْمَعِيبُ لَا أَخُوكَ " .
وَ قَالَ الْأَحْنَفُ : " حَقُّ الصَّدِيقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مِنْهُ ثَلَاثًا : ظُلْمُ الْغَضَبِ وَ ظُلْمُ الدَّالَّةِ وَ ظُلْمُ الْهَفْوَةِ " ، وَ مَهْمَا اعْتَذَرَ إِلَيْكَ أَخُوكَ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا فَاقْبَلْ عُذْرَهُ ، فَالْمُؤْمِنُ إِنْ غَضِبَ فَهُوَ سَرِيعُ الرِّضَاءِ .
وَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الْبَغْضَةِ عِنْدَ الْوَقِيعَةِ ، قَالَ تَعَالَى : ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ) الممتحنة 7 .
وَ قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا وَ لَا بُغْضُكَ تَلَفًا " ، وَ هُوَ أَنْ تُحِبَّ تَلَفَ صَاحِبِكَ .
و قال بعضهم : " تناسى مساوئ الإخوان يدم لك ودهم " .
6- ترك الحسد :
و منها ألا يحسدهم على ما يرى عليهم من آثار نعمة الله ، بل يفرح بذلك ، و يحمد الله على ذلك كما يحمده إذا كانت عليه ؛ فإنَّ الله تعالى ذم الحاسدين على ذلك بقوله : ( أَم يَحسُدُونَ الناسَ عَلى ما أتَاهُمُ اللَهُ مِن فَضلِهِ ) النساء 54 .
7- سلامة القلب و إسداء النصيحة :
و منها سلامة قلبه للإخوان ، و النصيحة لهم ، و قبولها منهم ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم : « الدين النصيحة » صحيح .
8- عدم حنث الوعد :
و منها ألا يعدهم و يخالفهم ، فإنه نفاق .
قال عليه الصلاة و السلام: « علامة المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، و إذا وعد أخلف ، و إذا ائتمن خان » . و قال الثوري رحمه الله : " لا تعد أخاك و تخلفه ، فتعود المحبة بغضة " .
وأنشدوا :
يا واعِداً أَخلفَ في وَعدِهِ ... ما الخُلفُ مِن سيرَةِ أَهلِ الوَفا
ما كانَ ما أَظهَرتَ مِن وُدِّنا ... إِلّا سِراجاً لاحَ ثُمَ اِنطَفا
9- حسن الظن :
و منها حمل كلام الإخوان على أحسن الوجوه ما وجدت ذلك ، قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : " كتب إلي بعض إخواني من الصحابة ، أن ضع أمر أخيك على الأحسن و لا تسيء به الظن " .
10- حفظ العهد :
و منها ملازمة الأخوة ، و المداومة عليها ، و ترك الملل ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : « أحب الأعمال إلى الله أدومها ، و إن قل » صحيح .
و قال محمد بن واسع : " و ليس لملولٍ صديقٌ و لا لحاسدٍ غناءٌ " .
11- إقلال العتاب :
ومنها الإغضاء عن الصديق في بعض المكاره ، و أنشد بعضهم :
غمِّضُ عَيني عَن صَديقي تَجَسُّماً ... كَأَنّي بِما يَأتي مِن الأَمرِ جاهِلُ
وَما بِيَ جَهلٌ غَيرَ أَنَّ خَليقَتي ... تُطيقُ اِحتمالُ الكُرهِ فيما تُحاوِلُ
و أيضًا قولهم :
إذا كُنتَ في كُلِّ الأُمورِ مُعاتِباً .. . صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ .. . مُقارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً وُمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ... ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
و العتاب يفسد المودة أحيانًا ، فإذا وقع من أخيك إليك شيء و سامحته فلا تعاتبه .
وجاء في قوله تعالى : ( فاصفح الصفح الجميل ) الحجر 85 ، قالوا : الصفح الجميل أن يكون بغير عتاب .
12- ترك الاستخفاف :
و منها ترك الاستخفاف بأحد من الخلق ، و معرفة كل واحد منهم ليكرم على قدره .
قال ابن المبارك : " من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، و من استخف بالأمراء ذهبت دنياه ، و من استخف بالإخوان ذهبت مروءته " .
13- ملازمة الصديق و عدم قطعه لعيب وقع منه :
ومنها ألا تقطع صديقاً بعد مصادقته ، و لا ترده بعد قبول :
لا تَمدَحَنَّ اِمرأً حَتّى تُجرِّبَهُ ... وَ لا تَذُمَّنَّهُ مِن غَيرِ تَجريبِ
فَإِنَّ حَمدَكَ مَن لَم تَبلُهُ سَرَفٌ ... وَ إِنَّ ذَمَّكَ بَعدَ الحَمدِ تَكذيبُ
قال حمدون القصار: " اقبلوا إخوانكم بالإيمان ، و ردوهم بالكفر ؛ فإن الله سبحانه و تعالى أوقع ما بين هذين في مشيئته " ، و قال تعالى : ( إِنَّ اللَهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ ) النساء 48 .
14- التواضع مع الصديق :
و منها التواضع للإخوان ، و ترك التكبر عليهم .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إنَّ الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد » . صحيح
15- المشاركة الوجدانية :
تشارك أخوك في فرحه و حزنه ، و لا تظهر له الفرح و هو حزين ، و لا تظهر له الحزن و هو فرح .
لما مرض محمد ابن الحكم ذهب الشافعي لزيارته ، فلما رآه نائمًا يتألم ، عاد الشافعي إلى بيته فمرض من الحزن ، فعرف محمد ابن الحكم أنَّ الشافعي مريض ، فذهب يتكأ على إخوانه لزيارته ، فلما رآه الشافعي قام إليه يعتنقه ، و يقول :
ذهبت إلى الحبيب أزوره فمرضت من حزني عليه
فجاء الحبيب يزورني فبرئت من نظري إليه
16- حفظ الأسرار :
مِنْ ذَلِكَ : أَنْ يَسْكُتَ عَنْ إِفْشَاءِ سِرِّهِ الَّذِي اسْتَوْدَعَهُ ، وَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَهُ وَ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَيْسَ الصِّدْقُ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَقَامٍ ، فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخْفِيَ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَ أَسْرَارَهُ وَ إِنِ احْتَاجَ إِلَى الْكَذِبِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَخِيه ِ، فَإِنَّ أَخَاهُ نَازِلٌ مَنْزِلَتَهُ وَ هُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا بِالْبَدَنِ ، هَذِهِ حَقِيقَةُ الْأُخُوَّةِ .
قِيلَ لِبَعْضِهِمْ : كَيْفَ حِفْظُكَ لِلسِّرِّ ؟ ، قَالَ: " أَنَا قَبْرُهُ ، فَإِنَّ صُدُورَ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ ".
وَأَفْشَى بَعْضُهُمْ سِرًّا لَهُ إِلَى أَخِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : " حَفِظْتَ " ، فَقَالَ : " بَلْ نَسِيتُ " .
وَ قَالَ العباس لِابْنِهِ عبد الله : " إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ - يَعْنِي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَدِّمُكَ عَلَى الْأَشْيَاخِ ، فَاحْفَظْ مِنِّي خَمْسًا: لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا ، وَ لَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا ، وَ لَا يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا ، وَ لَا تَعْصِيَنَّ لَهُ أَمْرًا ، وَ لَا يَطَّلِعَنَّ مِنْكَ عَلَى خِيَانَةٍ " ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : " كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ " .
لَيسَ الكَريمُ الَّذي إِن زَلَّ صاحِبُهُ ... بَثَّ الَّذي كانَ مِن أَسرارِهِ عَلِما
إِنَّ الكَريمَ الَّذي تَبَقى مَودَّتُهُ ... وَ يَحفَظُ السِرَّ إِن صافى وَ إِن صَرَما
17-الذب عن الإخوان :
الذب عن الإخوان من أهم حقوق الصحبة ، فإذا سمعت من يغتب أخيك أو يجرح فيه وهو غائب ، فمن حقوق الأخوة أن تذب عنه .
18- الدُّعَاءُ لِلْأَخِ :
فَتَدْعُو لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَ مَمَاتِهِ بِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ وَ لِأَهْلِهِ وَكُلِّ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَمَا تَدْعُو لِنَفْسِكَ ، وَ فِي الْحَدِيثِ: « إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لِأَخِيهِ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ ، قَالَ الْمَلَكُ : وَ لَكَ مِثْلُ ذَلِكَ » ، وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: « دَعْوَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ لَا تُرَدُّ » .
وَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: " إِنِّي لَأَدْعُو لِسَبْعِينَ مِنْ إِخْوَانِي فِي سُجُودِي أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ " ، وَ كَانَ محمد بن يوسف الأصفهاني يَقُولُ: " وَأ َيْنَ مِثْلُ الْأَخِ الصَّالِحِ ؟ ، أَهْلُكَ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَكَ وَ يَتَنَعَّمُونَ بِمَا خَلَّفْتَ وَ هُوَ مُنْفَرِدٌ بِحُزْنِكَ مُهْتَمٌّ بِمَا قَدَّمْتَ وَ مَا صِرْتَ إِلَيْهِ ، يَدْعُو لَكَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَ أَنْتَ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى " . وَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: " الدُّعَاءُ لِلْأَمْوَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْهَدَايَا لِلْأَحْيَاءِ " .
19- الوفاء و الإخلاص :
وَ مَعْنَى الْوَفَاءِ : الثَّبَاتُ عَلَى الْحُبِّ وَ إِدَامَتُهُ إِلَى الْمَوْتِ مَعَهُ وَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعَ أَوْلَادِهِ وَأَصْدِقَائِهِ ، فَإِنَّ الْحُبَّ إِنَّمَا يُرَادُ لِلْآخِرَةِ ، فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ حَبِطَ الْعَمَلُ وَ ضَاعَ السَّعْيُ ، وَ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَكْرَمَ عَجُوزًا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ: « إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خديجة وَ إِنَّ كَرَمَ الْعَهْدِ مِنَ الدِّينِ » .
فَمِنَ الْوَفَاءِ لِلْأَخِ مُرَاعَاةُ جَمِيعِ أَصْدِقَائِهِ وَ أَقَارِبِهِ وَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِهِ ، وَ مُرَاعَاتُهُمْ أَوْقَعُ فِي قَلْبِ الصَّدِيقِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَخِ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنَّ فَرَحَهُ بِتَفَقُّدِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّةِ الشَّفَقَةِ وَ الْحُبِّ .
وَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْمَوَدَّةِ فِي اللَّهِ أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ حَسَدٍ فِي دِينٍ وَ دُنْيَا ، وَ كَيْفَ يَحْسُدُهُ وَ كُلُّ مَا هُوَ لِأَخِيهِ فَإِلَيْهِ تَرْجِعُ فَائِدَتُهُ ، وَ بِهِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ تَعَالَى: ( وَ لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) الْحَشْرِ 9 ، وَ وُجُودُ الْحَاجَةِ هُوَ الْحَسَدُ .
وَ مِنَ الْوَفَاءِ : أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ حَالُهُ فِي التَّوَاصُلِ مَعَ أَخِيهِ ، وَ إِنِ ارْتَفَعَ شَأْنُهُ وَ اتَّسَعَتْ وِلَايَتُهُ وَ عَظُمَ جَاهُهُ ، وَ التَّرَفُّعُ عَلَى الْإِخْوَانِ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْأَحْوَالِ لُؤْمٌ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
إِنَّ الْكِرَامَ إِذَا مَا أَيْسَرُوا ذَكَرُوا ... مَنْ كَانَ يَأْلَفُهُمْ بِالْمَنْزِلِ الْخَشِنِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْوَفَاءِ مُوَافَقَةُ الْأَخِ فِيمَا يُخَالِفُ الْحَقَّ فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ ، بَلْ مِنَ الْوَفَاءِ لَهُ الْمُخَالَفَةُ وَالنُّصْحُ لِلَّهِ .
وَ مِنْ آثَارِ الصِّدْقِ وَ الْإِخْلَاصِ وَ تَمَامِ الْوَفَاءِ أَنْ تَكُونَ شَدِيدَ الْجَزَعِ مِنَ الْمُفَارَقَةِ ، نَفُورَ الطَّبْعِ عَنْ أَسْبَابِهَا كَمَا قِيلَ :
وَجَدْتُ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ جَمِيعَهَا ... سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ
وَ أَنْشَدَ " ابْنُ عُيَيْنَةَ " هَذَا الْبَيْتَ وَ قَالَ : " لَقَدْ عَهِدْتُ أَقْوَامًا فَارَقْتُهُمْ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ حَسْرَتَهُمْ ذَهَبَتْ مِنْ قَلْبِي " .
وَ مِنَ الْوَفَاءِ : أَنْ لَا يَسْمَعَ بَلَاغَاتِ النَّاسِ عَلَى صَدِيقِهِ.
اللهم أرنا الحق حقًا و ارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلًا و ارزقنا اجتنابه ..