البحث
الفرق بين سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب سائر المؤمنين
الفرق بين سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب سائر المؤمنين:
ولا أراني محتاجاً إلى كثير بسطٍ واستدلال على هذه البدهية، غير أننا نحتاج إلى استحضارها كي يستبين للمؤمنين أن قياس الأَولى تغليظُ عقوبة من ارتكب جريمة سب النبي صلى الله عليه وسلم لتكون أشد زجراً وردعاً وإيلاماً وإرهاباً لمن تطاول على مقام النبوة منها لمن سب أحداً من سائر المؤمنين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"إن سب النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يكون من حيث هو سب بمنزلة سبِّ غيرِه من المؤمنين، لأنه صلى الله عليه وسلم يباين سائر المؤمنين من أمته في عامة الحقوق مثل وجوب طاعته ووجوب محبته وتقديمه في المحبة على جميع الناس، ووجوب تعزيره وتوقيره على وجهٍ لا يساويه فيه أحد، ووجوب الصلاة عليه والتسليم إلى غير ذلك من الخصائص التي لا تحصى. وفي سبه إيذاءٌ لله ولرسوله ولسائر المؤمنين من عباده، وأقل ما في ذلك أن سبَّه كفرٌ ومحاربة، وسب غيره ذنبٌ ومعصية، ومعلوم أن العقوبات على قدر الجرائم، فلو سوّى بين سبه وسب غيره، لكان تسوية بين الشيئين المتباينين وذلك لا يجوز".
يبين ذلك أن المؤمن حق الإيمان يؤلمه ويؤذيه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يؤلمه سب غيره من المؤمنين بما فيهم نفسه، ومن لم يجد هذا في نفسه فليخش عليها، فإن الإيمان لا يكمل بدون تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على النفس وعلى سائر المخلوقين في المحبة والتفدية والمتابعة والانتصار والغضب لمن يزعجه ويسخطه صلى الله عليه وسلم، ولقد تقدم ذلك في مبحث مكانة النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمن، فإذا كان الأمر كذلك لم يستسغ العقل أن يكون رد المؤمن على من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم كرده على من يشتمه هو أو يشتم غيره من المؤمنين، وهذا كما قلت لا يحتاج إلى كثير تقريرٍ واستدلال، والله أعلم.
وخلاصة هذا الفصل أن نميز أوجه السب التي يعتبر صاحبها ساباً للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ينتبه المؤمن إلى أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم جناية عظيمة وجريمة بشعة لها خصوصيتها واستقلاليتها عن غيرها من الجرائم، وأن الكفر مع ما فيه من إجرام ليس وحده كالكفر مع سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فليعلم هذا كل مؤمن، وليعلم أن أولوية إعلان الحرب على الكافر المحارب الساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والترصد له بالقتل المتعين فوق أولوية محاربة غيره من الكفار، وسيأتي بيان ذلك في الفصل التالي بإذن الله، والله أعلم.