البحث
مواقفه التي تزخر بالحكمة والشجاعة ما فعله في معركة حنين
بعد أن دارت معركة حنين والتقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين([1])، فطفق رسول اللَّه يركض بغلته قِبَلَ الكفار... ثم قال: ((أي عباس، ناد أصحاب السمرة)) فقال عباس: - وكان رجلاً صيتاً – فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فواللَّه لكأن عَطْفَتهم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار... فنظر رسول اللَّه وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال : ((الآن حمي الوطيس))([2]).
وظهرت شجاعة النبي التي لا نظير لها في هذا الموقف الذي عجز عنه عظماء الرجال([3]).
وسئل البراء، فقال لـه رجل: يا أبا عمارة، أكنتم وليتم يوم حنين؟ قال: لا واللَّه ما ولى رسول اللَّه ، ولكنه خرج شبان أصحابه([4]) وأخفاؤهم([5]) حسراً([6]) ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن، وبني نصر، فرشقوهم رشقاً([7])، ما يكادون يخطئون، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول اللَّه وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
||
|
اللَّهم نزِّل نصرك([8]) |
|
||
قال البراء: كنا واللَّه إذا حمر البأس([9]) نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي × ([10]).
وفي رواية لمسلم عن سلمة قال: مررت على رسول اللَّه منهزماً([11])، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول اللَّه : ((لقد رأى ابن الأكوع فزعاً)). فلما غشوا رسول اللَّه نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: ((شاهت الوجوه))([12])، فما خلق اللَّه منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم اللَّه U، وقسم رسول اللَّه غنائمهم بين المسلمين([13]).
وقد قال العلماء: إن ركوب النبي البغلة في موضع الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضاً يكون معتمداً يرجع الناس إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمداً، وإلا فقد كانت لـه أفراس معروفة.
ومما يدل على شجاعته تقدمه وهو يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، ونزوله إلى الأرض حين غشوه مبالغة في الشجاعة والصبر، وقيل: فعل ذلك مواساة لمن كان نازلاً على الأرض من المسلمين، وقد أخبر الصحابة – رضي اللَّه عنهم – بشجاعته في جميع المواطن([14]).
([1]) كان مع النبي × في هذه الغزوة ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه من المدينة ففتح بهم. انظر: زاد المعاد، 3/468.
([7]) رشقا: هو بفتح الراء، وهو مصدر، وأما الرشق بالكسر فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة. انظر: شرح النووي، 12/118.
([8]) مسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، مع التصرف في بعض الكلمات، 3/1400، (رقم 1776)، والبخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته فاستنصر، 6/ 105، 8/27، 28، (رقم 2930).