1. المقالات
  2. الشمائل النبوية_ منى القاسم
  3. كرمه وسخاؤه صلى الله عليه وسلم

كرمه وسخاؤه صلى الله عليه وسلم

2359 2013/03/23 2024/03/29

 

عن موسى بن أنس عن أبيه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين" فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة.(1)

وعن شهاب قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة. قال بن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.(2)

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا"(3)

*       *       *

لئن كان الكرم جامعاً لمكارم الأخلاق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق قد بلغ فيه منزلة الكمال والعظمة، وقد شهد له ربه سبحانه بعظمة خلقه عموماً، وبالكرم خصوصاً فقال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)(4) وقال سبحانه: (إنه لقول رسول كريم)(5).

وصفه في هذه الآية بالكرم خاصة دون غيره من الأخلاق العظيمة التي أثبتها له سبحانه لأثر الكرم على سائرها، وأنها مندرجة تحته، تابعة له.(6)

لقد منح النبي صلى الله عليه وسلم من السخاء والجود حتى جاد بكل موجود، وأثر غيره بكل مطلوب ومحبوب، حتى مات ودرعه مرهونة عند يهودي على أصع من شعير!

وقد حكم جزيرة العرب، وكان فيها من قبل ملوك لهم خزائن وأموال، يقتنونها ذخراً ويتباهون بها فخراً، ويستمتعون بها شراً وبطراً.

وحاز صلى الله عليه وسلم ملك جميعهم، فما اقتنى ديناراً ولا درهماً، يعطي الجزيل الخطير، ويصل الجم الغفير، ويتجرّع مرارة الإقلال، ويصبر على سغب الاختلال، وعنده غنائم هوازن وهي من السبي ستة آلاف رأس، ومن الإبل أربعة وعشرون ألف بعير، ومن الغنم أربعون ألف شاة، ومن الفضة أربعة آلاف أوقية، فجاد بجميع حقه، وعاد خلواً، فهل لمثل هذا الكرم والجود كرماً وجوداً؟! هيهات.(7)

*       *       *

ولذا كان سخاء النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضاً عند أصحابه، نقلوه لنا حتى بلغ حدّ التواتر، وتمّ لهذه الدلائل الخبرية شواهد عمليّة ثابتة في سائر أحواله تجلي لنا حقيقة الكرم النبوي الفريد الذي لا يباري في مضماره، ولا يجارى في ميدانه، ولا يراد به الرياء والشهرة والصيت!

دهش لكرمه ذاك الرجل حين أتاه، إذ فاق نوال النبي صلى الله عليه وسلم آماله التي عقدها على كرام الناس، حين أعطاه الكريم صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين، لم يحسب عدد رؤوسها عليه!.

فانبهر لسخائه العظيم وهرع لقومه فرحاً مستبشراً بهذا الرزق الواسع الذي غمره بلا أدنى عناء وهو يقول: يا قوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة.

إيهٍ وربي، أيخشى الفاقة من اتصل قلبه بمولاه تعالى، وتعلق فؤاده بمالك الملك جلّ جلاله، فكان يقينه بما في يده سبحانه من خزائن السماوات والأرض، أعظم مما في يده، ورجاؤه بما لديه سبحانه من النعيم المقيم في الجنة أعلى وأغلى مما يراه من متاع الدنيا!. لقد هانت عنده لذة الدنيا وزينتها، فأعطى وأهدى وتصدّق في وجوه الخير والبر، وبلغ من كرمه أن لا يرد سائلاً ما طلبه، بل يعطي تفضلاً بلا سؤال ولا يتبعه بالمنّ والأذى، عطاءً سمحت به نفسه، وجادت به يمينه، ورضيه بلا تردد، ناسباً الفضل كله لله وحده وأنه مجرد قاسم بين الناس حظوظهم.

تعوّد بسط الكف حتى لو أنه      *     ثناها لقبض لم تجبه أنامله

هو البحر من أي النواحي أتيته      *    فلجّته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه       *    لجاد بها فليتق الله سائله(8)

فلا تعجب أن كان جديراً بأن يحضى بمودّة الناس وإعجابهم، وامتلاء قلوبهم من حبّه كما ملأ أيديهم من جوده، قال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ .

وظلّ عطاؤه للمؤلفة قلوبهم في أول الأمر طمعاً في إسلامهم، قال أنس رضي الله عنه: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.(9)

ومن هنا نرى أثر النيّة الصالحة في طرح البركة في العطاء، والهبة، والصدقة، كم تثمر من الآثار الطيبة، والمعاني الخيّرة والأجور المدّخرة التي لا تبلغها لولا الإخلاص لله تعالى، وابتغاء مرضاته.

 


(1) صحيح مسلم ج4، ص1806.

(2) صحيح مسلم ج4، ص1806.

(3) صحيح مسلم ج4، ص1805.

(4) سورة القلم: 4.

(5) سورة الحاقة: 40.

(6) أنظر في هذا الموضوع: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (2/647).

(7) أعلام النبوة للماوردي (ص302).

(8) عزاه بن رجب في لطائف المعارف (ص195) لبعض الشعراء يمدح بها، قال: وما تصلح إلا أن تكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

(9) شرح النووي (15/72).

 



المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day