البحث
لماذا شهدنا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وبعد:
فإننا -نحن المسلمين- نشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الله إلينا بعثه الله ليبلغنا رسالته بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
ولقد جاءت شهادة كثير من المسلمين بناءً على تصديقهم المطلق لهذا الرجل الكريم، وهذا التصديق قام على الثقة المطلقة به -صلى الله عليه وسلم- لأنه أهل للثقة محقق لمواصفاتها التي يتفق عليها الناس أجمعين.
كما أن هناك من صدّقه بعد أن رأى آيات كثيرة تدل على ذلك مما جاء به أو مما جرى على يديه.
ولكن الغالبية العظمى من المسلمين تشهد أن محمداً رسول الله تصديقاً لقوله وإخباره عن نفسه إنه نبي بناءً على الثقة كما قدمنا.
وأنا والحمد لله من هؤلاء وإن كنت لا أمنع أو أمانع من أن يأتي إنسان بدليل أو برهان حسي أو غيره آية على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
أما إن سألني إنسان عن سبب شهادتي أن محمداً رسول الله فإنني أقول إنه كان صادقاً ولم يكذب قط لا في الجاهلية ولا في الإسلام؛ وهذا يدفعني إلى تصديقه ابتداءً وبداهة، ثم إنني لم أر منه ما يكذب ما قاله أو جاء به سواءً من دعوى النبوة أو من شرائع وأخبار جاء بها وبلغها عن الله تعالى، وإنني أطلب من كل من يكذب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إخباره عن نفسه بأنه نبي أن يأتي بالبرهان على عدم صحة نبوته.
فمن المعلوم عند جميع العقلاء أن الدعوى لا تثبت بنفسها بل لا بد من برهان عليها من خارجها، وليس مجرد دعواهم أنه ليس نبياً تثبت أنه ليس نبياً! بل لا بد من البرهان المبين على زعمهم! وإلا فكيف يريدون من الناس تكذيب رجل أخبر عن نفسه خبراً دون أن يكون لديهم برهان بذلك؟! وكيف يكذبون إنساناً وليس لديهم برهان على تكذيبه؟.
وهنا سيسأل هؤلاء وغيرهم: فما برهانك على أنه كان نبياً؟! فأجيب.
إن برهاني هو ما قدمت سابقاً؛ وهو أنه كان صادقاً لم يكذب قط؛ لا مازحاً ولا جاداً لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ومن هذا حاله فإنني لا أستطيع تكذيبه حتى يأتي البرهان القاطع على كذبه! ولقد بحثت جاداً لسنوات في الشبهات التي أثيرت حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر شبهة علمية واحدة بل كلها إما أكاذيب أو ظنون أو انطباعات نفسية لا تقدم ولا تؤخر.
ثم إنه لم يكن في شخصه صلى الله عليه وسلم ما يمنع من قبول خبره كتغير في عقله أو في خلقه أو حلمه! نعم ادعى الكفار أنه مجنون! ولكن هذه الدعوى منقوضة من أصلها بداهة إذ لو كان مجنوناً لما تبعه أحد ولما اهتم به هؤلاء المشركين (العقلاء)! كل هذا الاهتمام.
ثم إن واقعهم العملي يكذبهم أي أنهم هم أنفسهم كذبوا أنفسهم عندما ادعوا ذلك.
فقد تواتر أنهم حاربوه، وهادنوه وصالحوه، وعاهدوه...الخ من معاملات تدل على أنهم يعلمون أنه ليس بمجنون إذ لا يفعل ذلك مع مجنون إلا من هو أولى بهذا الوصف! وإلا فكيف كتبوا معه المعاهدات والاتفاقيات وهم يعلمون أنه مجنون؟!
هذا بالإضافة إلى أنهم لم يقولوا بجنون أحد من أتباعه! بل تواتر كذلك أنهم كانوا يتعاملون معهم بشتى المعاملات ويحاورونهم...الخ
وأضيف أمراً ثالثاً وهو الدلائل العلمية القاطعة والقرائن التي لم يستطع أحد الطعن فيها والتي تؤكد أنه نبي من عند الله تعالى مثل تصديق الواقع المشاهد لما أخبر به وتأييد الله تعالى له.
فإن قال لي قائل: فما برهانك على أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط؟.
قلت: البرهان على ذلك: أن أحداً لم ينقل عنه -صلى الله عليه وسلم- كلمة واحدة قالها من الكذب! هذا مع توافر الداعي والدافع الشديد لذلك، وبخاصة عند أولئك الذين كانوا يبغضونه وكذبوه وحاربوه.
فالناس في موقفهم من النبي -صلى الله عليه وسلم-، شخصياً أقسام:
1_ قسم يحبونه: وهؤلاء قسمان كذلك.
ا-فقسم آمن به كأبي بكر وعمر وغيرهما.
ب-وقسم لم يؤمن به كأبي طالب، وغيره
2_ وقسم لا يحبونه ولا يبغضونه وهم من لم يكونوا يرون في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأثيراً على مصالحهم.
3-وقسم يبغضونه ويعادونه؛ كأبي جهل وغيره.
فهل يتصور أن يجمع هؤلاء الناس جميعاً على عدم نقل كذبة واحدة -مفترضة- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟.
عم نتصور ألا ينقل المؤمنون به كذبه واحدة -مفترضة- سمعوها من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ذلك سيكون حجة عليهم لا لهم! فالذي يكذب مرة يكذب أخرى والذي يكذب في شيء يكذب في آخر.. وهكذا.
ونتصور ألا ينقل المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يؤمنوا به كذبة مفترضة سمعوها منه فالمحب يحرص أن تكون صورة محبوبه ناصعة جميلة وتمنعه محبته العاطفية له من أن يأتي بما يخدش هذه الصورة.
كما أننا نتصور ألا ينقل المحايدون أية كذبة مفترضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ ليس هناك مايدعوهم إلى ذلك.
نعم نتصور ذلك كله ويمكننا تقبله!
ولكن كيف يمكننا أن نتصور أن يتواطأ المبغضون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- المجاهرون بتكذيبه المدعون أنه كذاب مع غيرهم من الناس فلا ينقل واحد منهم كذبة واحدة مفترضة صدرت عنه -صلى الله عليه وسلم-؟! إن هذا ما لا يمكن أن نتصوره! فإن الداعي لنقل هؤلاء لأية كذبة صدرت عنه -صلى الله عليه وسلم- كبير وإن كذبة واحدة ينقلونها عنه -صلى الله عليه وسلم- تجعل لهم عذراً أمام كل الناس بل أمام الله تعالى نفسه في تكذيبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-! لأن الذي يكذب مرة يكذب أخرى والذي يكذب فيما دون النبوة قد يكذب في ادعائه إياها! هذا بالإضافة إلى أنهم صرحوا بأنه كذاب فكان لا بد من أن ينقلوا برهاناً واحداً على الأقل يؤيد دعواهم.
فلماذا لم ينقل واحد منهم كذبة واحدة عنه صلى الله عليه وسلم؟.
الجواب واضح! فإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لم يكذب قط. فوالله لو أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- كذب كذبة واحدة -وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك- ليطيرن بها الكفار في الآفاق وليبدن بها ويعيدون حتى تبلغ الآفاق كلها! ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فدل قطعاً على أنهم لم يسمعوا منه كذبة واحدة مما يدل قطعاً ويقيناً أنه لم يكذب قط؛ ومن هذا حاله فإن الأصل في إخباره عن نفسه بالنبوة أنه صادق حتى يأتي برهان علمي مبين ودليل قاطع لا يقبل الجدل أو الاحتمال أنه يكذب في دعواه هذه.
وقد بحثنا في جميع أقوال المكذبين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فلم نجد سوى أكاذيب ملفقة، أو انطباعات نفسية لا قيمة لها في سوق الحقيقة
ومن المعلوم أن تكذيب شخص يكون بأحد الأمور التالية:
-فإما أن يأتي بكلمة جاء بها أو قالها تناقض الحقائق المقطوع بها.
-وإما أن يأتي بكلمتين له تناقضان بعضهما بحيث لا يمكن أن يجمع بينهما بشكل من الأشكال.
فهل جاء أحد بشيء من ذلك؟! لا! وحتى هذه اللحظة لم نجد برهاناً علمياً واحداً على تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم-!
هذا مع العلم بأن الأرض تغص بمراكز الدراسات والبحوث المتعلقة بكل شأن من شؤون العلم طبعية كانت أم نفسية أم اجتماعية؛ فهل ظهرت دراسة علمية مبنية على منهج علمي صحيح تكذب كلمة قالها محمد -صلى الله عليه وسلم-؟! لا والله! فعلى أي شيء يدل ذلك؟! أفلا يدل على أن كل ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- حق؟! أم أن هذه المراكز تواطأت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على اختلاف أديان أصحابها والباحثين فيها؟.
وهنا قد يقول قائل: ولكنك لا تزال تعتمد حتى هذه اللحظة على عدم وجود المكذب ولكنك لم تأت بما يدل قطعاً على صدق نبوته أفلا يحتمل أن يكون هناك ما يمنع من صدق نبوته؟! فأقول:
من الحمق أن أفترض شيئاً لا أعلمه وأنكر شيئاً أعلمه! والاحتمال لا قيمة له وهو مجرد وسوسة في النفس لا تقدم ولا تؤخر.
ثم إن عدم العلم هنا هو العلم اليقين عينه! فإن تواطؤا الناس على عدم التكذيب -مع اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ومع وجود الدافع القوي والملح لدى بعضهم على الأقل- يدل يقيناً على الصدق
وصحة ما جاء به.
ومع ذلك فإننا لن نكتفي بهذا البرهان المنهجي الواضح المبين على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحة شهادتنا بأنه رسول الله؛ بل إن لدينا من الأدلة والبراهين الحسية والمتواترة عند الناس أجمعين ما يؤكد ذلك بشكل يقيني لا يقبل الجدل!
فقد جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- بما يؤكد نبوته قطعاً ويقيناً، ومن ذلك القرآن نفسه الذي تحدى البلغاء بأن يأتوا بمثله! وقد تواتر عن العرب أنهم عجزوا عن ذلك.
كما أن كثيراً من الأخبار التي جاء بها القرآن تحققت بطريقة علمية أمامنا وأقر بها المتخصصون، وذلك كقضية نمو الجنين وتطوره، حيث بين لنا المتخصصون الذين جلسنا إليهم ومثلهم لا يحصون ممن قرأناهم وسمعنا لهم دقة وصف القرآن لنمو الجنين وتطوره.
والأمثلة على ما جاء في القرآن من تحديات كثيرة وأكتفي منها بتحدي القرآن لليهود بأن يتمنوا الموت، وأخبرهم بأنهم (لن يتمنوه أبداً) وأنهم أحرص الناس على حياة فهل سجل التاريخ أو سجل أحد من المعاصرين ليهودي أنه تمنى الموت؟! فمن سمع يهودياً تمنى الموت أو سمع من سمع يهودياً أو سمع من سمع من سمعه... فليتفضل بتسجيل شهادته، ولن يكون ذلك يقيناً والحمد لله، ويمكن لأي إنسان يعيش في أرض يقيم فيها يهود أن يتثبت من ذلك بنفسه!
كما جاءت أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤكد نبوته تحقق الناس منها في هذه الأيام مع العلم اليقين بأن إمكانات الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن تسمح بأن يكتشفها كما أشرنا إلى قضية نمو الجنين وتطوره في بطن أمه.
هذا مع أن سيرته صلى الله عليه وسلم هي بحد ذاتها آية معجزة وبرهان مبين على صحة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتأييد الله تعالى له وبلغ القرآن الذي جاء فيه أن الله تعالى سيعصمه من الناس ليبلغ رسالة الله تعالى! ومهما بلغت ثقة إنسان بنفسه فلن يستطيع مثل هذه الثقة المطلقة بأنه لن يقتل وسيبلغ الرسالة التي جاء بها ويبعد الحرس عنه مع كثرة الأعداء وكثرة غزواته -صلى الله عليه وسلم-
وغزواته -صلى الله عليه وسلم- هي آية أخرى! فقد غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرابة الثلاثين غزوة في حياته المباركة، ولم ييأس في سبيل تبليغ رسالة الله تعالى؛ فغزا العرب واليهود والروم كلهم في عقر دارهم! ومع ذلك مكنه الله تعالى وقهر أعداءه ومكنه منهم فقتل من قتل وسبى من سبى وأسر من أسر، وضرب الجزية على من ضرب...
فما الذي منع العرب واليهود والروم وغيرهم من غزوه صلى الله عليه وسلم وقتاله وقتله وسبي نسائه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لولا أن الله تعالى منعهم من ذلك؟! والله إن في ذلك لآية لمن كان يعقل.
بل ما الذي دفع من أسلم من هؤلاء إلى أن يسلم وقد أوذي على يد المؤمنين في نفسه أو في أهله؟.
إنني أضرب مثالاً هو آية أخرى ومعجزة بحد ذاته كذلك، وهو إسلام أمنا صفية رضي الله عنها وهي بنت عدو الله حيي بن أخطب اليهودي! وقد قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أباها وقومها، فكيف أسلمت! وكيف عاشت تحت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم تطلب ثأراً ولم تطلب تخليص نفسها من محمد -صلى الله عليه وسلم- لولا أنها علمت أنه رسول الله حقاً وأن أباها وزوجها السابق وعشيرتها كانوا أعداء لله وأنهم كذبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق.
ومن هنا فإننا نقول لكل كافر بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إننا نؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقد سقنا البراهين على صدق نبوته؛ فهل هناك ما هو غير صحيح منها؟! فبينوه إن كنتم صادقين! وهل عندكم من برهان على عدم صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- في نبوته؟ فسارعوا بإخراجه لنا إن كنتم صادقين! فإن لم تفعلوا -ولن تفعلوا- فإننا ندعوكم بدعاية الإسلام فأسلموا تسلموا ونحذركم من عذاب الله. فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
أشهد أن محمداً رسول الله. والحمد لله رب العالمين