البحث
شهر شعبان... دروس مستفادة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- شعبان بداية عام هجري جديد ترفع فيه أعمال السنة إلى الله -تعالى-،عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)(رواه النسائي، وحسنه الألباني).
2- ولذلك فقد كان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النافلة في شعبان،عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:(فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) (رواه البخاري ومسلم)، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَعْبَانَ)(رواه أحمد والطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره).
3- محاسبة النفس على تقصيرها في العام المنصرم، والعزم على الجد في العام المقبل،قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
قال الحسن البصري:"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".
4- فضل ليلة النصف من شعبان،عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ)(رواه البيهقي والطبراني، وحسنه الألباني)، غير أن فضيلتها لا تعني تخصيص يومها أو ليلتها بعبادة.
5- وجه الجمع بين الإشراك والمشاحنة في الحديث:"أن المشرك قطع الصلة بينه وبين الله -تعالى-، والمشاحن قطع الصلة بينه وبين إخوانه".
وقد جمع الله ذلك في قوله -تعالى-:(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)(النساء:36).
6- مرور سريع على بعض مظاهر الشرك، مثل:دعاء أصحاب القبور، والذهاب إلى السحرة والعرافين، والتحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية، وتعليق التمائم ... الخ.
وبيان أن الشرك سبب لمنع الرحمة في الآخرة أيضًا؛قال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً)(النساء:116).
7- التدابر والتقاطع سبب لمنع تنزل الرحمة والمغفرة، والتواصل والتآلف سبب لتنزلها؛عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ)(متفق عليه)، وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)(متفق عليه).
8- التحذير من الحقد والحسد،عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا. وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)(رواه مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).
وعن ضمرة بن ثعلبة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا)(رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
9- من أعظم المشاحنة بغض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين،قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(الحشر:10)، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ)(متفق عليه).
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
10- من المشاحنة أيضًا البراءة من المؤمنين ومظاهرة الكافرين عليهم،قال -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(المائدة:55)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً)(النساء:144).
وصلِ اللهم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه وسلم.