البحث
فصل في أزواجه صلى الله عليه وسلم
فصل في أزواجه صلى الله عليه وسلم
أولاهن خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية تزوجها قبل النبوة ولها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم وهي التي آزرته على النبوة وجاهدت معه وواسته بنفسها ومالها وأرسل الله إليها السلام مع جبريل وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية وهي التي وهبت يومها لعائشة ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات حبيبة رسول الله عائشة بنت أبي بكر الصديق وعرضها عليه الملك قبل نكاحها في سرقة من حرير وقال هذه زوجتك تزوج بها في شوال وعمرها ست سنين وبنى بها في شوال في السنة الأولى من من الهجرة وعمرها تسع سنين ولم يتزوج بكرا غيرها وما نزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها وكانت أحب الخلق إليه ونزل عذرها من السماء واتفقت الأمة على كفر قاذفها وهي أفقه نسائه وأعلمهن بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن ْعلى الإطلاق وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها وقيل إنها أسقطت من النبي سقطا ولم يثبت ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر أبو داود أنه طلقها ثم راجعها ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة وهي آخر نسائه موتا وقيل آخرهن موتا صفية واختلف فيمن ولي تزويجها منه فقال ابن سعد في الطبقات ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها ولما زوج النبي سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال هل جزيت سلمة يقول ذلك لأن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها ذكر هذا في ترجمة سلمة ثم ذكر في ترجمة أم سلمة عن الواقدي حدثني مجمع بن يعقوب عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن رسول الله خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة فزوجها رسول الله وهو يومئذ غلام صغير وقال الإمام أحمد في المسند حدثنا عفان حدثنا حماد بن أبي سلمة حدثنا ثابت قال حدثني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة أنها لما انقضت عدتها من أبي سلمة بعث إليها رسول الله فقالت مرحبا برسول الله إني امرأة غيرى وإني مصيبة وليس أحد من أوليائي حاضرا الحديث وفيه فقالت لابنها عمر قم فزوج رسول الله فزوجه وفي هذا نظر فإن عمر هذا كان سنه لما توفي رسول الله تسع سنين ذكره ابن سعد وتزوجها رسول الله في شوال سنة أربع فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين ومثل هذا لا يزوج قال ذلك ابن سعد وغيره ولما قيل ذلك للإمام أحمد قال من يقول إن عمر كان صغيرا قال أبو الفرج بن الجوزي ولعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنة وقد ذكر مقدار سنة جماعة من المؤرخين ابن سعد وغيره وقد قيل إن الذي زوجها من رسول الله ابن عمها عمر بن الخطاب والحديث قم يا عمر فزوج رسول الله ونسب عمر ونسب أم سلمة يلتقيان في كعب فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ابن يقظة بن مرة بن كعب فوافق اسم ابنها عمر اسمه فقالت قم يا عمر فزوج رسول الله فظن بعض الرواة أنه ابنها فرواه بالمعنى وقال فقالت لابنها وذهل عن تعذر ذلك عليه لصغر سنه ونظير هذا وهم بعض الفقهاء في هذا الحديث وروايتهم له فقال رسول الله قم يا غلام فزوج أمك قال أبوالفرج ابن الجوزي وما عرفنا هذا في هذا الحديث قال إن ثبت فيحتمل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير إذ كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين لأن رسول الله تزوجها في سنة أربع ومات ولعمر تسع سنين ورسول الله لا يفتقر نكاحه إلى ولي وقال ابن عقيل ظاهر كلام أحمد أن النبي لا يشترط في نكاحه الولي وأن ذلك من خصائصه ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة وفيها نزل قوله تعالى ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجنا كها ) الأحزاب37 وبذلك كانت تفتخر على نساء النبي وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ومن خواصها أن الله سبحانه وتعالى كان هو وليها الذي زوجها لرسوله من فوق سماواته وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب وكانت أولا عند زيد بن حارثة وكان رسول الله تبناه فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوه وتزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بني المصطلق فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية وقيل اسمها هند تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وسيقت إليه من هناك وماتت في أيام أخيها معاوية هذا هو المعروف المتواتر عند أهل السير والتواريخ وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمكة ولحفصة بالمدينة ولصفية بعد خيبر
وأما حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي أسألك ثلاثا فأعطاه إياهن منها وعندي أجمل العرب أم حبيبة أزوجك إياها فهذا الحديث غلط لا خفاء به قال أبو محمد بن حزم وهو موضوع بلا شك كذبه عكرمة بن عمار وقال ابن الجوزي في هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبدالله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على إسلامها فبعث رسول الله إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عنه صداقا وذلك في سنة سبع من الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت فراش رسول الله حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان وأيضا ففي هذا الحديث أنه قال له وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم ولا يعرف أن النبي أمر أبا سفيان البتة وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث وتعددت طرقهم في وجهه فمنهم من قال الصحيح أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث قال ولا يرد هذا بنقل المؤرخين وهذه الطريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان وقالت طائفة بل سأله أن يجدد له العقد تطيبا لقلبه فإنه كان قد تزوجها بغير اختياره وهذا باطل لا يظن بالنبي ولا يليق بعقل أبي سفيان ولم يكن من ذلك شيء وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري يحتمل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة فلما ورد على هؤلاء ما لا حيلة لهم في دفعه من سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار وأن يتخذ ابنه كاتبا قالوا لعل هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح فجمع الراوي ذلك كله في حديث واحد والتعسف والتكلف الشديد الذي في هذا الكلام يغني عن رده
وقالت طائفة للحديث محمل آخر صحيح وهو أن يكون المعنى أرضى أن تكون زوجتك الآن فإني قبل لم أكن راضيا والآن فإني قد رضيت فأسألك أن تكون زوجتك وهذا وأمثاله لو لم يكن قد سودت به الأوراق وصنفت فيه الكتب وحمله الناس لكان الأولى بنا الرغبة عنه لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والإشتغال به فإنه من ربد الصدور لا من زبدها وقالت طائفة لما سمع أبو سفيان أن رسول الله طلق نساءه لما آلى منهن أقبل إلى المدينة وقال للنبي ما قال ظنا منه أنه قد طلقها فيمن طلق وهذا من جنس ما قبله وقالت طائفة بل الحديث صحيح ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية أم حبيبة وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة ولا يبعد خفاء التحريم للجمع عليه فقد خفي ذلك على ابنته وهي أفقه منه وأعلم حين قالت لرسول الله هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال أفعل ماذا قالت تنكحها قال أو تحبين ذلك قالت لست لك بمخلية وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على النبي فسماها الراوي من عنده أم حبيبة وقيل بل كانت كنيتها أيضا أم حبيبة وهذا الجواب حسن لولا قوله في الحديث فأعطاه رسول الله ما سأل فيقال حينئذ هذه اللفظة وهم من الراوي فإنه أعطاه بعض ما سأل فقال الراوي أعطاه ما سأل أو أطلقها اتكالا على فهم المخاطب أنه أعطاه ما يجوز إعطاؤه مما سأل والله أعلم وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون ابن عمران أخي موسى فهي ابنة نبي وزوجة نبي وكانت من أجمل نساء العالمين وكانت قد صارت له من الصفي أمه فأعتقها وجعل عتقها صداقها فصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق الرجل أمته ويجعل عتقها صداقها فتصير زوجته بذلك فإذا قال أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أو قال جعلت عتق أمتي صداقها صح العتق والنكاح وصارت زوجته من غير احتياج إلى تحديد عقد ولا ولي وهو ظاهر مذهب أحمد وكثير من أهل الحديث وقالت طائفة هذا خاص بالنبي وهو مما خصه الله به في النكاح دون الأمة وهذا قول الأئمة الثلاثة ومن وافقهم والصحيح القول الأول لأن الأصل عدم الإختصاص حتى يقوم عليه دليل والله سبحانه لما خصه بنكاح الموهوبة له قال فيها ( خالصة لك من دون المؤمنين) الأحزاب 50 ولم يقل هذا في المعتقة ولا قاله رسول الله ليقطع تأسي الأمة به في ذلك فالله سبحانه أباح له نكاح امراة من تبناه لئلا يكون على الأمة حرج في نكاح أزواج من تبنوه فدل على أنه إذا نكح نكاحا فلأمته التأسي به فيه ما لم يأت عن الله ورسوله نص بالإختصاص وقطع لتأسي وهذا ظاهر ولتقرير هذه المسألة وبسط الحجاج فيها وتقرير أن جواز مثل هذا هو مقتضى الأصول والقياس موضع آخر وإنما نبهنا عليه تنبيها ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج بها تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح وقيل قبل إحلاله هذا قول ابن عباس ووهم رضي الله عنه فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالقصة وهو أبو رافع وقد أخبر أنه تزوجها حلالا وقال كنت أنا السفير بينهما وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها وكان غائبا عن القصة لم يحضرها وأبو رافع رجل بالغ وعلى يده دارت القصة وهو أعلم بها ولا يخفى أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت في أيام معاوية وقبرها ب سرف قيل ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل القرظية سبيت يوم بني قريظة فكانت صفي رسول الله فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها وقالت طائفة بل كانت أمته وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفي عنها فهي معدودة في السراري لا في الزوجات والقول الأول اختيار الواقدي ووافقه عليه شرف الدين الدمياطي وقال هو الأثبت عند أهل العلم وفيما قاله نظر فإن المعروف أنها من سراريه وإمائه والله أعلم فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن وأما من خطبها ولم يتزوجها ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها فنحو أربع أو خمس وقال بعضهم هن ثلاثون إمرأة وأهل العلم بسيرته وأحواله لا يعرفون هذا بل ينكرونه والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها وكذلك الكلبية وكذلك التي رأى بكشحها بياضا فلم يدخل بها والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن هذا هو المحفوظ والله أعلم
ولا خلاف أنه توفي عن تسع وكان يقسم منهن لثمان عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية وأول نسائه لحوقا به بعد وفاته زينب بنت جحش سنة عشرين وآخرهن موتا أم سلمة سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد والله أعلم