البحث
سُنَّة الدعاء عند الإفطار
ما أروع عبادة الصيام، وما أعظم أجرها عند الله، وقد خبَّأ الله هذا الأجر لتعظيمه؛ فقال سبحانه في الحديث القدسي -الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ".
ومع ذلك فقد عَرَّفَنا سبحانه بطرفٍ من هذا الأجر في بعض الأحاديث، ومنه أنه يعطينا في كل يوم صيام دعوة مستجابة عند إفطارنا، وهذا ليس خاصًّا برمضان فقط، إنما لمن صام فرضًا أو نفلاً؛ روى البيهقي -بسند صحيح- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ".
وفي تطبيق عملي لهذا الأمر كَانَ عبد اللهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما -راوي الحديث- إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا. وروى ابن ماجه -بإسناد حسن- أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما كان يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أَنْ تَغْفِرَ لِي". ووَرَدَ في شعب الإيمان للبيهقي أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كان يقول: "كَانَ يُقَالُ: إِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً عِنْدَ إِفْطَارِهِ، إِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي دُنْيَاهُ، أَوْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي آخِرَتِهِ".
وقَالَ البيهقي: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ عِنْدَ إِفْطَارِهِ: "يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ اغْفِرْ لِي".
فانظروا عبادَ الله كيف كان الصحابة يهتمُّون بدعوة المغفرة والرحمة؛ ولعلَّ ذلك راجعًا إلى معرفتهم أن الله عز وجل يعتق كل يوم من أيام الصيام عددًا من المسلمين من النار، وذلك لما رواه أحمد وابن ماجه -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ". فأرادوا أن يكونوا من هؤلاء العتقاء، وهي فرصة لا ينبغي لمسلم صائم أن يُضَيِّعها أبدًا.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].