1. المقالات
  2. الجزء الاول_زاد المعاد
  3. فصل في هديه في الصلاة

فصل في هديه في الصلاة

4908 2007/11/22 2024/03/29

 


فصل في هديه في الصلاة


كان إذا قام إلى الصلاة قال الله أكبر ولم يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية البتة ولا قال أصلي لله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما ولا قال اداء ولا قضاء ولا فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة وإنما غر بعض المتأخرين قول الشافعي رضي الله عنه في الصلاة إنها ليست كالصيام ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية وإنما أراد الشافعي رحمه الله بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا وكيف يستحب الشافعي أمرا لم يفعله النبي في صلاة واحدة ولا أحد من خلفائه وأصحابه وهذا هديهم وسيرتهم فإن أوجدنا أحد حرفا واحدا عنهم في ذلك قبلناه وقابلناه بالتسليم والقبول ولا هدي أكمل من هديهم ولا سنة إلا ما تلقوه عن صاحب الشرع ...

 

وكان دأبه في إحرامه لفظة الله أكبر لا غيرها ولم ينقل أحد عنه سواها وكان يرفع يديه معها ممدودة الأصابع مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه وروي إلى منكبيه فأبو حميد الساعدي ومن معه قالوا حتى يحاذي بهما المنكبين وكذلك قال ابن عمر وقال وائل بن حجر إلى حيال أذنيه وقال البراء قريبا من أذنيه وقيل هو من العمل المخير فيه وقيل كان أعلاها إلى فروع أذنيه وكفاه إلى منكبيه فلا يكون اختلافا ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع ثم يضع اليمنى على ظهر اليسرى وكان يستفتح تارةب اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وتارة يقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيء الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ولكن المحفوظ المحفوظ أن هذا الإستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل وتارة يقول اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وتارة يقول اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن الحديث وسيأتي في بعض طرقه الصحيحة

 

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كبر ثم قال ذلك وتارة يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا سبحان الله بكرة وأصيلا سبحان الله بكرة وأصيلا اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وتارة يقول الله أكبر عشر مرات ثم يسبح عشر مرات ثم يحمد عشرا ثم يهلل عشرا ثم يستغفر عشرا ثم يقول اللهم اغفر لي واهدني ارزقني وعافني عشرا ثم يقول اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة عشرا فكل هذه الأنواع صحت عنه وروي عنه أنه كان يستفتح ب سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ذكر ذلك أهل السنن من حديث علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد على أنه ربما أرسل وقد روي مثله من حديث عائشة رضي الله عنها والأحاديث التي قبله أثبت منه ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي ويجهر به ويعلمه الناس ..

 

 

وقال الإمام أحمد أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي من الإستفتاح كان حسنا وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرتها في مواضع أخرى منها جهر عمر به يعلمه الصحابة ومنها اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن فإن أفضل الكلام بعد القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقد تضمنها هذا الإستفتاح مع تكبيرة الإحرام  ومنها أنه استفتاح أخلص للثناء على الله وغيره متضمن للدعاء والثناء أفضل من الدعاء ولهذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى والثناء عليه ولهذا كان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل الكلام بعد القرآن فيلزم أن ما تضمنها من الإستفتاحات أفضل من غيره من الإستفتاحات ومنها أن غيره من الإستفتاحات عامتها إنما هي في قيام الليل في النافلة وهذا كان عمر يفعله ويعلمه الناس في الفرض ومنها أن هذا الإستفتاح إنشاء للثناء على الرب تعالى متضمن للإخبار عن صفات كماله ونعوت جلاله والإستفتاح ب وجهت وجهي إخبار عن عبودية العبد وبينهما من الفرق ما بينهما ومنها أن من اختار الإستفتاح ب وجهت وجهي لا يكمله وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ويذر باقيه بخلاف الإستفتاح ب سبحانك اللهم وبحمدك فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره وكان يقول بعد ذلك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة وكان يجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفيها أكثر مما يجهر بها ..

 

 


واختلف في الثانية فروي أنها بعد الفاتحة وقيل إنها بعد القراءة وقبل الركوع وقيل هي سكتتان غير الأولى فتكون ثلاثا والظاهر إنما هي اثنتان فقط وأما الثالثة فلطيفة جدا لأجل تراد النفس ولم يكن يصل القراءة بالركوع بخلاف السكتة الأولى فإنه كان يجعلها بقدر الإستفتاح والثانية قد قيل إنها لأجل قراءة المأموم فعلى هذا ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة وأما الثالثة فللراحة والنفس فقط وهي سكتة لطيفة فمن لم يذكرها فلقصرها ومن اعتبرها جعلها سكتة ثالثة فلا اختلاف بين الروايتين وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين من رواية سمرة وأبي بن كعب وعمران بن حصين ذكر ذلك أبو حاتم في صحيحه وسمرة هو بن جندب وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال حفظت من رسول الله سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين ...

 

 

وفي بعض طرق الحديث فإذا فرغ من القراءة سكت وهذا كالمجمل واللفظ الأول مفسر مبين ولهذا قال أبو سلمة بن عبد عبد الرحمن للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال ولا الضالين على أن تعيين محل السكتتين إنما هو من تفسيرقتادة فإنه روى الحديث عن الحسن عن سمرة قال سكتتان حفظتهما عن رسول الله فأنكر ذلك عمران فقال حفظناها سكتة فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أبي أن قد حفظ سمرة قال سعيد فقلنا لقتادة ما هاتان السكتتان قال إذا دخل في الصلاة وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد ذلك وإذا قال ولا الضالين قال وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه ومن يحتج بالحسن عن سمرة يحتج بهذا فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها وكان يطيلها تارة ويخففها لعارض من سفر أو غيره ويتوسط فيها غالبا ...

 

وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة ق وصلاها ب الروم وصلاها ب (   إذا الشمس كورت ) وصلاها ب (   إذا زلزلت ) في الركعتين كليهما وصلاها ب المعوذتين وكان في السفر وصلاها فافتتح ب سورة المؤمنين حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلة فركع وكان يصليها يوم الجمعة ب (   ألم تنزيل ) السجدة  وسورة (   هل أتى على الإنسان ) كاملتين ولميفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين وقراءة السجدة وحدها في الركعتين وهو خلاف السنة وأما ما يظنه كثير من الجهال أن صبح يوم الجمعة فضل بسجدة فجهل عظيم ولهذا كره بعض الأئمة قراءة سورة السجدة لأجل هذا الظن وإنما كان يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدإ والمعاد وخلق آدم ودخول الجنة والنار وذلك مما كان ويكون في يوم الجمعة فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم تذكيرا للأمة بحوادث هذا اليوم كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة ق واقتربت وسبح والغاشية


فصل

وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانا حتى قال أبو سعيد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي في الركعة الأولى مما يطيلها رواه مسلم وكان يقرأ فيها تارة بقدر (   ألم تنزيل ) وتارة ب (   سبح اسم ربك الأعلى ) (   والليل إذا يغشى ) وتارة ب (   السماء ذات البروج ) و (   السماء والطارق ) وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصرت وأما المغرب فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم فإنه صلاها مرة ب الأعراف فرقها في الركعتين ومرة ب الطور ومرة ب المرسلات قال أبو عمر بن عبد البر روي عن النبي أنه قرأ في المغرب ب (   المص ) وأنه قرأ فيها ب الصافات وأنه قرأ فيها ب (   حم ) الدخان وأنه قرأ فيها ب (   سبح اسم ربك الأعلى ) وأنه قرأ فيها ب (   والتين والزيتون ) وأنه قرأ فيها ب المعوذتين وأنه قرأ فيها ب المرسلات وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال وهي كلها آثار صحاح مشهورة انتهى وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائما فهو فعل مروان بن الحكم ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت ..

 

وقال مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله يقرأ في المغرب بطولى الطوليين قال قلت وما طولى الطوليين قال الأعراف وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن وذكر النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين فالمحافظة فيها على الآية القصيرة والسورة من قصار المفصل خلاف السنة وهو فعل مروان ابن الحكم وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها ب (   التين والزيتون ) ووقت لمعاذ فيها ب (  والشمس وضحاها ) و (   سبح اسم ربك الأعلى ) و (   الليل إذا يغشى ) ونحوها وأنكر عليه قراءته فيهاب البقرة بعدما صلى معه ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ بهم ب البقرة ولهذا قال له أفتان أنت يا معاذ فتعلق النقارون وبهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها ...

 

 

وأما الجمعة فكان يقرأ فيها بسورتي الجمعة والمنافقين كاملتين وسورة سبح والغاشية وأما الإقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيها الذين آمنوا ) إلى آخرها فلم يفعله قط وهو مخالف لهديه الذي كان يحافظ عليه وأما قراءته في الأعياد فتارة كان يقرأ سورتي ق واقتربت كاملتين وتارة سورتي سبح والغاشية وهذا هو الهدي الذي استمر عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شيء ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة البقرة حتى سلم منها قريبا من طلوع الشمس فقالوا يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين وكان عمر رضي الله عنه يقرأ فيها ب يوسف والنحل وب هود وبني إسرائيل ونحوها من السور ولو كان تطويله منسوخا لم يخف على خلفائه الراشدين ويطلع عليه النقارون الفجر أي أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وصلاته بعدها تخفيفا ويدل على ذلك قول أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ (   والمرسلات عرفا ) فقالت يا بني لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر ..

 

 

وأيضا فإن قوله وكانت صلاته بعد غاية قد حذف ما هي مضافة إليه فلا يجوز إضمار ما لا يدل عليه السياق وترك إضمار ما يقتضيه السياق والسياق إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفا ولا يقتضي أن صلاته كلها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفا هذا ما لا يدل عليه اللفظ ولو كان هو المراد لم يخف على خلفائه الراشدين فيتمسكون بالمنسوخ ويدعون الناسخ وأما قوله أيكم أم الناس فليخفف وقول أنس رضي الله عنه كان رسول الله أخف الناس صلاة في تمام فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي وواظب عليه لا إلى الشهوة المأمومين فإنه لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها وهديه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا ب الصافات فالقراء ب الصافات من التخفيف الذي كان يأمر به والله أعلم


فصل

وكان لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرا إلا بها إلا في الجمعة والعيدين وأما في سائر الصلوات فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة وكان من هديه قراءة السورة كاملة وربما قرأها في الركعتين وربما قرأ أول السورة وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه وأما قراءة السورتين في ركعة فكان يفعله في النافلة وأما في الفرض فلم يحفظ عنه وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه إني لأعرف النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهن السورتين في الركعة الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة وإذا وقعت و ن في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم يعين محله هل كان في الفرض أو في النفل وهو محتمل وأما قراءة سورة واحدة في ركعتين معا فقلما كان يفعله وقد ذكر أبو داود عن رجل من جهنية أنه سمع رسول الله يقرأ في الصبح ( إذا زلزلت ) في الركعتين كلتيهما قال فلا أدري أنسي رسول الله أم قرأ ذلك عمدا

 


فصل

وكان يطيل الركعة الأولى على الثانية من صلاة الصبح ومن كل صلاة وربما كان يطيلها حتى لا يسمع وقع قدم وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات وهذا لأن قرآن الفجر مشهود يشهده الله تعالى وملائكته وقيل يشهده ملائكة الليل والنهار والقولان مبنيان على أن النزول الإلهي هل يدوم إلى انقضاء صلاة الصبح أو إلى طلوع الفجر وقد ورد فيه هذا وهذا وأيضا فإنا لما نقص عدد ركعاتها جعل تطويلها عوضا عما نقصته من العدد وأيضا فإنها تكون عقيب النوم والناس مستريحون وأيضا فإنهم لم يأخذوا بعد في استقبال المعاش وأسباب الدنيا وأيضا فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمع واللسان والقلب لفراغه وعدم تمكن الإشتغال فيه فيفهم القرآن ويتدبره وأيضا فإنها أساس العمل وأوله فأعطيت فضلا من الإهتمام بها وتطويلها وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها والله المستعان

 


فصل

وكان إذا فرغ من القراءة سكت بقدر ما يتراد إليه نفسه ثم رفع يديه كما تقدم وكبر راكعا ووضع كفيه على ركبتيه كالقابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه وبسط ظهره ومده واعتدل ولم ينصب رأسه ولم يخفضه بل يجعله حيال ظهره معادلا له وكان يقول سبحان ربي العظيم وتارة يقول مع ذلك أو مقتصرا عليه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات وسجوده كذلك وأما حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه رمقت الصلاة خلف النبي فكان قيامه فركوعه فاعتداله فسجدته فجلسته ما بين السجدتين قريبا من السواء فهذا قد فهم منه بعضهم أنه كان يركع بقدر قيامه ويسجده بقدره ويعتدل كذلك وفي هذا الفهم شيء لأنه كان يقرأ في الصبح بالمائة آية أو نحوها وقد تقدم أنه قرأ في المغرب ب الأعراف والطور والمرسلات ..

 

ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن قدر هذه القراءة ويدل عليه حديث أنس الذي رواه أهل السنن أنه قال ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله إلا هذا الفتى يعني عمر بن عبدالعزيز قال  فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات هذا مع قول أنس أنه كان يؤمهم ب الصافات فمراد البراء والله أعلم أن صلاته كانت معتدلة فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وتارة يجعل الركوع والسجود بقدر القيام ولكن كان يفعل ذلك أحيانا في صلاة الليل وحدها وفعله أيضا قريبا من ذلك في صلاة الكسوف وهديه الغالب تعديل الصلاة وتناسبها وكان يقول أيضا في ركوعه سبوح قدوس رب الملائكة والروح وتارة يقول اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وهذا إنما حفظ عنه في قيام الليل ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلا سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كما تقدم وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا واتفق على روايتها العشرة ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة بل كان ذلك هديه دائما إلى أن فارق الدنيا ولم يصح عنه حديث البراء ثم لا يعود بل هي من زيادة يزيد بن زياد فليس ترك ابن مسعود الرفع مما يقدم على هديه المعلوم فقد ترك من فعل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس معارضها مقاربا ولا مدانيا للرفع فقد ترك من فعله التطبيق...

 والإفتراش في السجود ووقوفه إماما بين الإثنين في وسطهما دون التقدم عليهما وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء وأين الأحاديث في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرة وصحة وصراحة وعملا وبالله التوفيق وكان دائما يقيم صلبه إذا رفع من الركوع وبين السجدتين ويقول لا تجزىء صلاة لايقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود ذكره ابن خزيمة في صحيحه وكان إذا استوى قائما قال ربنا ولك الحمد وربما قال ربنا لك الحمد وربما قال اللهم ربنا لك الحمد صح ذلك عنه وأما الجمع بين اللهم و الواو فلم يصح وكان من هدية إطالة هذا الركن بقدر الركوع والسجود فصح عنه أنه كان يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وصح عنه أنه كان يقول فيه اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب

 


وصح عنه أنه كرر فيه قوله لربي الحمد لربي الحمد حتى كان بقدر الركوع وصح عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمكث حتى يقول القائل قد نسي من إطالته لهذا الركن وذكر مسلم عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ثم يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وصح عنه في صلاة الكسوف أنه أطال هذا الركن بعد الركوع حتى كان قريبا من ركوعه وكان ركوعه قريبا من قيامه فهذا هديه المعلوم الذي لا معارض له بوجه وأما حديث البراء بن عازب كان ركوع رسول الله وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء رواه البخاري فقد تشبث به من ظن تقصير هذين الركنين ولا متعلق له فإن الحديث مصرح فيه بالتسوية بين هذين الركنين وبين  سائر الأركان فلو كان القيام والقعود المستثنيين هو القيام بعد الركوع والقعود بين السجدتين لناقض الحديث الواحد بعضه بعضا فتعين قطعا أن يكون المراد بالقيام والقعود قيام القراءة وقعود التشهد ولهذا كان هديه فيهما إطالتهما على سائر الأركان كما تقدم بيانه وهذا بحمد الله واضح وهو مما خفي من هدي رسول الله في صلاته على من شاء الله أن يخفى عليه قال شيخنا وتقصير هذين الركنين مما تصرف فيه أمراء بني أمية في الصلاة وأحدثوه فيها كما أحدثوا فيها ترك إتمام التكبير وكما أحدثوا التأخير الشديد وكما أحدثوا غير ذلك مما يخالف هديه وربي في ذلك من ربي حتى ظن أنه من السنة

 


فصل


ثم كان يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضا وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه الله وهو وهم فلا يصح ذلك عنه البتة والذي غره أن الراوي غلط من قوله كان يكبر في كل خفض ورفع إلى قوله كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه فصححه والله أعلم وكان يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك

 

وأما حديث أبي هريرة يرفعه إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه فالحديث والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة فإن أوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهي عنه وهو فاسد لوجوه أحدها أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولا وتبقى رجلاه قائمتين فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض وهذا هو الذي نهى عنه وفعل خلافه وكان أول ما يقع منه على الأرض الأقرب منها فالأقرب وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى وكان يضع ركبتيه أولا ثم يديه ثم جبهته وإذا رفع رفع رأسه أولا ثم يديه ثم ركبتيه وهذا عكس فعل البعير وهو نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير والتفات كالتفات الثعلب وافتراش كافتراش السبع وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس فهدي المصلي مخالف لهدي الحيوانات

 

الثاني أن قولهم ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة فعلى سبيل التغليب الثالث أنه لو كان كما قالوه لقال فليبرك كما يبرك البعير وإن أول ما يمس الأرض من البعير يداه وسر المسألةأن من تأمل بروك البعير وعلم أن النبي نهى عن بروك كبروك البعير علم أن حديث وائل بن حجر هوالصواب والله أعلم وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله ولعله وليضع ركبتيه قبل يديه كما انقلب على بعضهم حديث ابن عمر إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فقال ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال وكما انقلب على بعضهم حديث لا يزال يلقى في النار فتقول هل من مزيد إلى أن قال وأما الجنة فينشىء الله لها خلقا يسكنهم إياها فقال وأما النار فينشىء الله لها خلقا يسكنهم إياها حتى رأيت أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك فقال ابن أبي شيبة حدثنا محمد ابن فضيل عن عبدالله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي قال إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل ورواه الأثرم في سننه أيضا عن أبي بكر كذلك وقد روي عن أبي هريرة عن النبي ما يصدق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر

 

قال ابن أبي داود حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن فضيل هو محمد عن عبدالله ابن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه وقد روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركعتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين وعلى هذا فإن كان حديث أبي هريرة محفوظا فإنه منسوخ وهذه طريقة صاحب المغني وغيره ولكن للحديث علتان إحداهما أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل وليس ممن يحتج به قال النسائي متروك وقال ابن حبان منكر الحديث جدا لا يحتج به وقال ابن معين ليس بشيء الثانية أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصة التطبيق وقول سعد كنا نصنع هذا فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب وأما قول صاحب المغني عن أبي سعيد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين فهذا والله أعلم وهم في الإسم وإنما هو عن سعد وهو أيضا وهم في المتن كما تقدم وإنما هو في قصة التطبيق والله أعلم وأما حديث أبي هريرة المتقدم فقد علله البخاري والترمذي والدارقطني قال البخاري محمد بن عبدالله بن حسن لا يتابع عليه وقال لا أدري اسمع من أبي الزناد أم لا وقال الترمذي غريب لا نعرفه من حديث أبي زناد إلا من هذا الوجه وقال الدارقطني تفرد به عبدالعزيز الدراوردي عن محمد بن عبدالله ابن الحسن العلوي عن أبي الزناد وقد ذكر النسائي عن قتيبة حدثنا عبدالله بن نافع عن محمد بن عبدالله بن الحسن العلوي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي قال يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل ولم يزد قال أبو بكر بن أبي داود وهذه سنة تفرد بها أهل المدينة ولهم فيها إسنادان هذا أحدهما والآخر عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر عن النبي قلت أراد الحديث الذي رواه أصبغ بن الفرج عن الدراوردي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ويقول كان النبي يفعل ذلك رواه الحاكم في المستدرك من طريق محرز بن سلمة عن الدراوردي وقال على شرط مسلم وقد رواه الحاكم من حديث حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت رسول الله انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه قال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة قلت قال عبدالرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عن هذا الحديث فقال هذا الحديث منكر انتهى وإنما أنكره والله أعلم لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار عن حفص بن غياث والعلاء هذا مجهول لا ذكر له في الكتب الستة فهذه الأحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى...

 

 

 وأما الآثار المحفوظة عن الصحابة فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه ذكره عنه عبدالرزاق وابن المنذر وغيرهما وهو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ذكره الطحاوي عن فهد عن عمر بن حفص ْعن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن أصحاب عبدالله علقمة والأسود قالا حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير ووضع ركبتيه قبل يديه ثم ساق من طريق الحجاج بن أرطاة قال قال إبراهيم النخعي حفظ عن عبدالله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه وذكر عن أبي مرزوق عن وهب عن شعبة عن مغيرة قال سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد قال أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون قال ابن المنذر وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فمن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال النخعي ومسلم بن يسار والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة وقالت طائفة يضع يديه قبل ركبتيه قاله مالك وقال الأوزاعي أدركنا الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال ابن أبي داود وهو قول أصحاب الحديث قلت وقد روي حديث أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي وهو إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه على ركبتيه قال البيهقي فإن كان محفوظا كان دليلا على أنه يضع يديه قبل ركبتيه عند الإهواء إلى السجود وحديث وائل بن حجر أولى لوجوه أحدها أنه أثبت من حديث أبي هريرة قاله الخطابي وغيره الثاني أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم فمنهم من يقول فيه وليضع يديه قبل ركبتيه ومنهم من يقول بالعكس ومنهم من يقول وليضع يديه على ركبتيه ومنهم من يحذف هذه الجملة رأسا الثالث ما تقدم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما الرابع أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ قال ابن المنذر وقد زعم بعض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ وقد تقدم ذلك الخامس أنه الموافق لنهي النبي عن بروك كبروك الجمل في الصلاة بخلاف حديث أبي هريرة السادس أنه الموافق للمنقول عن الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه وعبدالله بن مسعود ولم ينقل عن أحد منهم ما يوافق حديث أبي هريرة إلا عن عمر رضي الله عنه على اختلاف عنه السابع أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم وليس لحديث أبي هريرة شاهد فلو تقاوما لقدم حديث وائل بن حجر من أجل شواهده فكيف وحديث وائل أقوى كما تقدم الثامن أن أكثر الناس عليه والقول الآخر إنما يحفظ عن الأوزاعي ومالك وأما قول ابن أبي داود إنه قول أهل الحديث فإنما أراد به بعضهم وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه التاسع أنه حديث فيه قصة محكية سيقت لحكاية فعله فهو أولى أن يكون محفوظا لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية دل على أنه حفظ العاشر أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره فهي أفعال معروفة صحيحة وهذا واحد منها فله حكمها ومعارضه ليس مقاوما له فيتعين ترجيحه والله أعلم...

 

 وكان النبي يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن ولكن روى عبدالرزاق في المصنف من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله يسجد على كور عمامته وهو من رواية عبدالله بن محرر وهو متروك وذكره أبو أحمد الزبيري من حديث جابر ولكنه من رواية عمر بن شمر عن جابر الجعفي متروك عن متروك وقد ذكر أبو داود في المراسيل أن رسول الله رأى رجلا يصلي في المسجد فسجد بجبينه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله عن جبهته وكان رسول الله يسجد على الأرض كثيرا وعلى الماء والطين وعلى الخمرة المتخذة من خوص النخل وعلى الحصير المتخذ منه وعلى الفروة المدبوغة وكان إذا سجد مكن جبهته وأنفه من الأرض ونحى يديه عن جنبيه وجافى بهما حتى يرى بياض إبطيه ولو شاءت بهمة وهي الشاة الصغيرة أن تمر تحتهما لمرت وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه وفي صحيح مسلم عن البراء أنه قال إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك وكان يعتدل في سجوده ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة وكان يبسط كفيه وأصابعه ولا يفرج بينها ولا يقبضها وفي صحيح ابن حبان كان إذا ركع فرج أصابعه فإذا سجد ضم أصابعه

 

وكان يقول سبحان ربي الأعلى وأمر به وكان يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وكان يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح وكان يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت وكان يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وكان يقول اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي وصوره خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين وكان يقول اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره وكان يقول اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت وكان يقول اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا واجعل لي نورا وأمر بالإجتهاد في الدعاء في السجود وقال إنه قمن أن يستجاب لكم وهل هذا أمر بأن يكثر الدعاء في السجود أو أمر بأن الداعي إذا دعا في محل فليكن في السجود وفرق بين الأمرين وأحسن ما يحمل والإستجابة أيضا نوعان استجابة دعاء الطالب بإعطائه سؤاله واستجابة دعاء المثني بالثواب وبكل واحد من النوعين فسر قوله تعالى ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) البقرة 187 والصحيحح أنه يعم النوعين

 


فصل

وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل فرجحت طائفة القيام لوجوه أحدها أن ذكره أفضل الأذكار فكان ركنه أفضل الأركان والثاني قوله تعالى ( قوموا لله قانتين ) البقرة 238 الثالث قوله أفضل الصلاة طول القنوت وقالت طائفة السجود أفضل واحتجت بقوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وبحديث معدان بن أبي طلحة قال لقيت ثوبان مولى رسول الله فقلت حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله يقول ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة قال معدان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك وقال رسول الله لربيعة بن كعب الأسلمي قد سأله مرافقته في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود وأول سورة أنزلت على رسول الله سورة اقرأ على الأصح وختمها بقوله (   واسجد واقترب ) العلق 19 وبأن السجود لله يقع من المخلوقات كلها علويها وسفليها وبأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع له وذلك أشرف حالات العبد فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة وبأن السجود هو سر العبودية فإن العبودية هي أذل والخضوع يقال طريق معبد أي ذللته الأقدام ووطأته وأذل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجدا

 

 وقالت طائفة طول القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام لقوله تعالى (   قم الليل ) المزمل 1 وقوله من قام رمضان إيمانا واحتسابا ولهذا يقال قيام الليل ولا يقال قيام النهار قالوا وهذا كان هدي النبي فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك بل كان يخفف السنن وقال شيخنا الصواب أنهما سواء والقيام أفضل بذكره وهو القراءة والسجود أفضل بهيئته فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام وذكر القيام أفضل من ذكر السجود وهكذا كان هدي رسول الله فإنه كان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود كما فعل في صلاة الكسوف وفي صلاة الليل وكان إذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وكذلك كان يفعل في الفرض كما قاله البراء بن عازب كان قيامه وركوعه وسجوده واعتداله قريبا من السواء والله أعلم

 


 فصل

ثم كان يرفع رأسه مكبرا غير رافع يديه ويرفع من السجود رأسه قبل يديه ثم يجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى وذكر النسائي عن ابن عمر قال من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه وكان يضع يديه على فخذيه ويجعل مرفقه على فخذه وطرف يده على ركبته ويقبض ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويحركها هكذا قال وائل بن حجر عنه وأما حديث أبي داود عن عبدالله بن الزبير أن النبي كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها فهذه الزيادة في صحتها نظر وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه ولم يذكر هذه الزيادة بل قال كان رسول الله إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه وأيضا فليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلاة وأيضا لو كان في الصلاة لكان نافيا وحديث وائل بن حجر مثبتا وهو مقدم وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه ثم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما عنه وذكر حذيفة أنه كان يقول رب اغفر لي رب اغفر لي وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وهذه السنة تركها أكثر الناس من بعد انقراض عصر الصحابة ولهذا قال ثابت وكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه يمكث بين السجدتين حتى نقول قد نسي نسي أو قد أوهم وأما من حكم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهدي

 

 


فصل

ثم كان ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمدا على فخذيه كما ذكره عنه وائل وأبو هريرة ولا يعتمد على الأرض بيديه وقد ذكر عنه مالك بن الحويرث أنه كان لا ينهض حتى يستوي جالسا وهذه هي التي تسمى جلسة الإستراحة واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة فيستحب لكل أحد أن يفعلها أو ليست من السنن وإنما يفعلها من احتاج إليها على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه الله قال الخلال رجع أحمد إلى حديث مالك ابن الحويرث في جلسة الإستراحة وقال أخبرني يوسف بن موسى أن أبا أمامة سئل عن النهوض فقال على صدور القدمين على حديث رفاعة وفي حديث ابن عجلان ما يدل على أنه كان ينهض على صدور قدميه وقد روي عن عدة من أصحاب النبي وسائر من وصف صلاته لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن الحويرت ولو كان هديه فعلها دائما لذكرها كل من وصف صلاته ومجرد فعله لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة إلا إذا علم أنه فعلها على أنها سنة يقتدى به فيها وأما إذا قدر أنه فعلها للحاجة لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة فهذا من تحقيق المناط في هذه المسألة وكان إذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت كما كان يسكت عند افتتاح الصلاة ..

 

فاختلف الفقهاء هل هذا موضع استعاذة أم لا بعد اتفاقهم على أنه ليس موضع استفتاح وفي ذلك قولان هما روايتان عن أحمد وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة فيكفي فيها استعاذة واحدة أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها ولا نزاع بينهم أن الإستفتاح لمجموع الصلاة والإكتفاء باستعاذة واحدة أظهر للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراة ب (   الحمد لله رب العالمين ) ولم يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت بل تخللهما ذكر فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله أو تسبيح أو تهليل أو صلاة على النبي ونحو ذلك وكان النبي يصلي الثانية كالأولى سواء إلا في أربعة أشياء السكوت والإستفتاح وتكبيرة الإحرام وتطويلها كالأولى فإنه كان لا يستفتح ولا يسكت ولا يكبر للإحرام فيها ويقصرها عن الأولى فتكون الأولى أطول منها في كل صلاة كما تقدم فإذا جلس للتشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه السبابة وكان لا ينصبها نصبا ولا ينيمها بل يحنيها شيئا ويحركها شيئا كما تقدم في حديث وائل بن حجر وكان يقبض أصبعين وهما الخنصر والبنصر ويحلق حلقة وهي الوسطى مع الإبهام ويرفع السبابة يدعو بها ويرمي ببصره إليها ويبسط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى ويتحامل عليها

 

 

وأما صفة جلوسه فكما تقدم بين السجدتين سواء يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة وأما حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه أنه كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى فهذا في التشهد الأخير كما يأتي وهو أحد الصفتين اللتين رويتا عنه ففي الصحيحين من حديث أبي حميد في صفة صلاته فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته فذكر أبو حميد أنه كان ينصب اليمنى وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها ولم يقل أحد عنه إن هذه صفة جلوسه في التشهد الأول ولا أعلم أحدا قال به بل من الناس من قال يتورك في التشهدين وهذا مذهب مالك رحمه الله ومنهم من قال يفترش فيهما فينصب اليمنى ويفترش اليسرى ويجلس عليها وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ومنهم من قال يتورك في كل تشهد يليه السلام ويفترش في غيره وهو قول الشافعي رحمه الله ومنهم من قال يتورك في كل صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما فرقا بين الجلوسين وهو قول الإمام أحمد رحمه الله ومعنى حديث ابن الزبير رضي الله عنه أنه فرش قدمه اليمنى أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته فتكون قدمه اليمنى مفروشة وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه ومقعدته على الأرض فوقع الإختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس هل كانت مفروشة أو منصوبة وهذا والله أعلم ليس اختلافا في الحقيقة فإنه كان لا يجلس على قدمه بل يخرجها عن يمينه فتكون بين المنصوبة والمفروشة فإنها تكون على باطنها الأيمن فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصبا لها جالسا على عقبة ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالسا على باطنها وظهرها إلى الأرض فصح قول أبي حميد ومن معه وقول عبدالله بن الزبير ..

 

 أو يقال إنه كان يفعل هذا وهذا فكان ينصب قدمه وربما فرشها أحيانا وهذا أروح لها والله أعلم ثم كان يتشهد دائما في هذه الجلسة ويعلم أصحابه أن يقولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد ذكر النسائي من حديث أبي الزبير عن جابر قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار ولم تجىء في أول التشهد إلا في هذا الحديث وله عله غير عنعنة أبي الزبير وكان يخفف هذا التشهد جدا حتى كأنه على الرضف وهي الحجارة المحماة

 

ولم ينقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ولا كان أيضا يستعيذ فيه من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيين موضعها وتقييدها بالتشهد الأخير ثم كان ينهض مكبرا على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمدا على فخذه كما تقدم وقد ذكر مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه في هذا الموضع وهي في بعض طرق البخاري أيضا على أن هذه الزيادة ليست متفقا عليها في حديث عبدالله بن عمر فأكثر رواته لا يذكرونها وقد جاء ذكرها مصرحا به في حديث أبي حميد الساعدي قال كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ويقيم كل عضو في موضعه ثم يقرأ ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه معتدلا لا يصوب رأسه ولا يقنع به ثم يقول سمع الله لمن حمده ويرفع يده حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يقر كل عظم إلى موضعه ثم يهوي إلى الأرض ويجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله فيقعد عليها ويفتخ أصابع رجليه إذا سجد ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يقوم فيصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما يصنع عند افتتاح الصلاة ثم يصلي بقية صلاته هكذا حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجليه وجلس على شقه الأيسر متوركا هذا سياق أبي حاتم في صحيحه وهو في صحيح مسلم أيضا وقد ذكره الترمذي مصححا له من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي أنه كان يرفع يديه في هذه المواطن أيضا ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئا وقد ذهب الشافعي في أحد ق

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day