1. المقالات
  2. الجزء الاول_زاد المعاد
  3. فصل في هديه في سجود السهو

فصل في هديه في سجود السهو

4857 2007/11/22 2024/11/15

فصل في هديه في سجود السهو


ثبت عنه أنه قال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في الموطأ إنما أنسى أو أنسى لأسن وكان ينسى فيترتب على سهوه أحكام شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة فقام من اثنتين في الرباعية ولم يجلس بينهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام ثم سلم فأخذ من هذا قاعدة أن من ترك شيئا من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهوا سجد له قبل السلام وأخذ من بعض طرقه أنه إذا ترك ذلك وشرع في ركن لم يرجع إلى المتروك لأنه لما قام سبحوا فأشار إليهم أن قوموا واختلف عنه في محل هذا السجود ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن بحينة أنه قام من اثنتين من الظهر ولم يجلس بينهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك وفي رواية متفق عليها يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وفي المسند من حديث يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد ابن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله وصححه الترمذي وذكر البيهقي من حديث عبدالرحمن بن شماسة المهري قال صلى بنا عقبة بن عامر الجهني فقام وعليه جلوس فقال الناس سبحان الله سبحان الله فلم يجلس ومضى على قيامه فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتي السهو وهو جالس فلما سلم قال إني سمعتكم آنفا تقولون سبحان الله لكيما أجلس لكن السنة الذي صنعت وحديث عبدالله بن بحينة أولى لثلاثة وجوه أحدها أنه أصح من حديث المغيرة الثانية أنه أصرح منه فإن قول المغيرة وهكذا صنع بنا رسول الله يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة ويكون قد سجد النبي في هذا السهو مرة قبل السلام ومرة بعده فحكى ابن بحينة ما شاهده وحكى المغيرة ما شاهده فيكون كلا الأمرين جائزا ويجوز أن يريد المغيرة أنه قام ولم يرجع ثم سجد للسهو الثالث أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده وهذه صفة السهو وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام والله أعلم

 


فصل

وسلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر ثم تكلم ثم أتمها ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام والكلام يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع وذكر أبو داود والترمذي أن النبي صلى بهم فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم وقال الترمذي حسن غريب

 


وصلى يوما فسلم وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه طلحة ابن عبيدالله فقال نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة ذكره الإمام أحمد رحمه الله وصلى الظهر خمسا فقيل له زيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم متفق عليه وصلى العصر ثلاثا ثم دخل منزله فذكره الناس فخرج فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم فهذا مجموع ما حفظ عنه من سهوه في الصلاة وهو خمسة مواضع وقد تضمن سجوده في بعضه قبل السلام وفي بعضه بعده وقال الشافعي رحمه الله كله قبل السلام وقال أبو حنيفة رحمه الله كله بعد السلام وقال مالك رحمه الله كل سهو كان نقصانا في الصلاة فإن سجوده قبل السلام وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام وإذا اجتمع سهوان زيادة ونقصان فالسجود لهما قبل السلام قال أبو عمر بن عبد البر هذا مذهبه لا خلاف عنه فيه ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلاف ذلك فجعل السجود كله بعد السلام أو كله قبل السلام لم يكن عليه شيء لأنه عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده لإختلاف الآثار المرفوعة والسلف من هذه الأمة في ذلك وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن سجود السهو قبل السلام أم بعده فقال في مواضع قبل السلام وفي مواضع بعده كما صنع النبي حين سلم من اثنتين ثم سجد بعد السلام على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ومن سلم من ثلاث سجد أيضا بعد السلام على حديث عمران بن حصين وفي التحري يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام على حديث ابن بحينة وفي الشك يبني على اليقين ويسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبدالرحمن ابن عوف قال الأثرم فقلت لأحمد بن حنبل فما كان سوى هذه المواضع قال يسجد فيها كلها قبل السلام لأنه يتم ما نقص من صلاته قال ولولا ما روي عن النبي لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام ولكن أقول كل ما روي عن النبي أنه سجد فيه بعد السلام فإنه يسجد فيه بعد السلام وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام وقال داود بن علي لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع التي سجد فيها رسول الله انتهى وأما الشك فلم يعرض له بل أمر فيه بالبناء على اليقين وإسقاط الشك والسجود قبل السلام فقال الإمام أحمد الشك على وجهين اليقين والتحري فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك وسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم سجد سجدتي السهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور انتهى وأما حديث أبي سعيد فهو إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم وأما حديث ابن مسعود فهو إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليسجد سجدتين متفق عليهما وفي لفظ الصحيحين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين وهذا هو الذي قال الإمام أحمد وإذا رجع إلى التحري سجد بعد السلام والفرق عنده بين التحري واليقين أن المصلي إذا كان إماما بنى على غالب ظنه وأكثر وهمه وهذا هو التحري فيسجد له بعد السلام على حديث ابن مسعود وإن كان منفردا بنى على اليقين وسجد قبل

 


السلام على حديث أبي سعيد وهذه طريقة أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر مذهبه وعنه روايتان أخريان إحداهما أنه يبني على اليقين مطلقا وهو مذهب الشافعي ومالك والأخرى على غالب ظنه مطلقا وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك وبين الظن الغالب القوي فمع الشك يبني على اليقين ومع أكثر الوهم أو الظن الغالب يتحرى وعلى هذا مدار أجوبته وعلى الحالين حمل الحديثين والله أعلم وقال أبو حنيفة رحمه الله في الشك إذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة فإن عرض له كثيرا فإن كان له ظن غالب بنى عليه وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين 

 

 


فصل

ولم يكن من هديه تغميض عينيه في الصلاة وقد تقدم أنه كان في التشهد يومىء ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يجاوز بصره إشارته وذكر البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي أميطي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ولو كان يغمض عينيه في صلاته لما عرضت له في صلاته وفي الإستدلال بهذا الحديث نظر لأن الذي كان يعرض له في صلاته هل تذكر تلك التصاوير بعد رؤيتها أو نفس رؤيتها هذا محتمل وهذا محتمل وأبين دلالة منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بانبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وفي الإستدلال بهذا أيضا ما فيه إذ غايته أنه حانت منه التفاتة إليها فشغلته تلك الإلتفاتة ولا يدل حديث التفاته إلى الشعب لما أرسل إليه الفارس طليعة لأن ذلك النظر والإلتفات منه كان للحاجة لإهتمامه بأمور الجيش وقد يدل على ذلك مد يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها وصاحب المحجن وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه ورده الغلام والجارية وحجزه بين الجاريتين وكذلك أحاديث رد السلام بالإشارة على من سلم عليه وهو في الصلاة فإنه إنما كان يشير إلى من يراه وكذلك حديث تعرض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين فهذه الأحاديث وغيرها يستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة وقد اختلف الفقهاء في كراهته فكرهه الإمام أحمد وغيره وقالوا هو فعل اليهود وأباحه جماعة ولم يكرهوه وقالوا قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها والصواب أن يقال إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهنالك لا يكره التغميض قطعا والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة والله أعلم


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day