البحث
فصل في سياق صلاته بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل
فصل في سياق صلاته بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل
قالت عائشة رضي الله عنها ما صلى رسول الله العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات ثم يأوي إلى فراشه وقال ابن عباس لما بات عنده صلى العشاء ثم جاء ثم صلى ثم نام ذكرهما أبو داود وكان إذا استيقظ بدأ بالسواك ثم يذكر الله تعالى وقد تقدم ذكر ما كان يقوله عند استيقاظه ثم يتطهر ثم يصلي ركعتين خفيفتين كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين رواه مسلم وكان يقول تارة إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل وربما كان يقوم إذا سمع الصارخ وهو الديك وهو إنما يصيح في النصف الثاني وكان يقطع ورده تارة ويصله تارة وهو الأكثر ويقطعه
كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده أنه استيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) آل عمران 190 فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نورا واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا واجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا اللهم أعطني نورا رواه مسلم ولم يذكر ابن عباس افتتاحه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة فإما أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة وإما أن تكون عائشة حفظت ما لم يحفظ ابن عباس وهو الأظهر لملازمتها له ولمراعاتها ذلك ولكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل وابن عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته وإذا اختلف ابن عباس وعائشة في شيء من أمر قيامه بالليل فالقول ما قالت عائشة وكان قيامه بالليل ووتره أنواعا فمنها هذا الذي ذكره ابن عباس النوع الثاني الذي ذكرته عائشة أنه كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ثم يتمم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة النوع الثالث ثلاث عشرة ركعة
كذلك النوع الرابع يصلي ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بخمس سردا متوالية لا يجلس في شيء إلا في آخرهن النوع الخامس تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم النوع السادس يصلي سبعا كالتسع المذكورة ثم يصلي بعدها ركعتين جالسا وقال أبو طالب سألت أبا عبدالله إلى أي حديث تذهب في الوتر قال أذهب إليها كلها من صلى خمسا لا يجلس إلا في آخرهن ومن صلى سبعا لا يجلس إلا في آخرهن وقد روي في حديث زرارة عن عائشة يوتر بتسع يجلس في الثامنة قال ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة فأنا أذهب إليها قلت ابن مسعود يقول ثلاث قال نعم قد عاب على سعد ركعة فقال له سعد أيضا شيئا يرد عليه النوع الثامن ما رواه النسائي عن حذيفة أنه صلى مع النبي في رمضان فركع فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم جلس يقول رب اغفر لي رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة وأوتر أول الليل ووسطه وآخره وقام ليلة تامة بآية يتلوها ويرددها حتى الصباح وهي ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) المائدة 118 الآية وكانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع .. أحدها وهو أكثرها صلاته قائما الثاني أنه كان يصلي قاعدا ويركع قاعدا الثالث أنه كان يقرأ قاعدا فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائما والأنواع الثلاثة صحت عنه وأما صفة جلوسه في محل القيام ففي سنن النسائي عن عبدالله ابن شقيق عن عائشة قالت رأيت رسول الله يصلي متربعا قال النسائي لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير أبي داود يعني الحفري وأبو داود ثقة ولا أحسب إلا أن هذا الحديث خطأ والله أعلم
فصل
وقد ثبت عنه أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا تارة وتارة يقرآ فيهما جالسا فإذا أراد أن يركع قام فركع وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله فقالت كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح
فصل
ولم يحفظ عنه أنه قنت في الوتر إلا في حديث رواه ابن ماجه عن علي بن ميمون الرقي حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان عن زبيد اليامي عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله كان يوتر فيقنت قبل الركوع وقال أحمد في رواية ابنه عبدالله أختار القنوت بعد الركوع إن كل شيء ثبت عن النبي في القنوت إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركوع وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع ولم يصح عن النبي في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء وقال الخلال أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قال لأبي عبدالله في القنوت في الوتر فقال ليس يروى فيه عن النبي شيء ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة وقد روى أحمد وأهل السنن من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت زاد البيهقي والنسائي ولا يعز من عاديت وزاد النسائي في روايته وصلى الله على النبي وزاد الحاكم في المستدرك قال علمني رسول الله في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه سمعت رسول الله يدعو قال الترمذي وفي الباب عن علي رضي الله عنه وهذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة ابن شيبان ولا نعرف عن النبي في القنوت في الوتر شيئا أحسن من هذا انتهى
والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر وابن مسعود والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر والرواية عن النبي في قنوت الفجر أصح من الرواية في قنوت الوتر والله أعلم وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وهذا يحتمل أنه قبل فراغه منه وبعده وفي إحدى الروايات عن النسائي كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه وفي هذه الرواية لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت وثبت عنه أنه قال ذلك في السجود فلعله قاله في الصلاة وبعدها وذكر الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة النبي ووتره ثم أوتر فلما قضى صلاته سمعته يقول اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي يوم لقائك نورا قال كريب وسبع في القنوت فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر لحمي ودمي وعصبي وشعري وبشري وذكر خصلتين وفي رواية النسائي في هذا الحديث وكان يقول في سجوده وفي رواية لمسلم في هذا الحديث فخرج إلى الصلاة يعني صلاة الصبح وهو يقول فذكر هذا الدعاء وفي رواية له أيضا وفي لساني نورا واجعل في نفسي نورا وأعظم لي نورا وفي رواية له واجعلني نورا وذكر أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب قال كان رسول الله يقرأ في الوتر ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته في الثانية ويرفع وهذا لفظ النسائي زاد الدارقطني رب الملائكة والروح وكان يقطع قراءته ويقف عند كل آية فيقول الحمد لله رب العالمين ويقف الرحمن الرحيم ويقف مالك يوم الدين وذكر الزهري أن قراءة رسول الله كانت آية آية وهذا هو الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها واتباع هدي النبي وسنته أولى وممن ذكر ذلك البيهقي في شعب الإيمان وغيره ورجح الوقوف على رؤوس الآي وإن تعلقت بما بعدها وكان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقام بآية يرددها حتى الصباح
وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة أيهما أفضل على قولين فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه وتدبره والفقه فيه والعمل به وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه كما قال بعض السلف نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملا ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به والعاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم قالوا ولأن الإيمان أفضل الأعمال وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق كما قال النبي ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر والناس في هذا أربع طبقات أهل القرآن والإيمان وهم أفضل الناس والثانية من عدم القرآن والإيمان الثالثة من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا الرابعة من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا قالوا فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر قالوا وهذا هدي النبي فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقام بآية حتى الصباح وقال أصحاب الشافعي رحمه الله كثرة القراءة أفضل واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنةبعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي وصححه قالوا ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة
والصواب في المسألة أن يقال إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفسية جدا والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة وفي صحيح البخاري عن قتادة قال سألت أنسا عن قراءة النبي فقال كان يمد مدا وقال شعبة حدثنا أبو جمرة قال قلت لابن عباس إني رجل سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين فقال ابن عباس لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ويعيها قلبك وقال إبراهيم قرأ علقمة على ابن مسعود وكان حسن الصوت فقال رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن وقال ابن مسعود لاتهذوا القرآن هذا الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة وقال عبدالله أيضا إذا سمعت الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا ) فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه وقال عبدالرحمن بن أبي ليلى دخلت علي امرأة وأنا أقرأ سورة هود فقالت يا عبدالرحمن هكذا تقرأ سورة هود والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها وكان رسول الله يسر بالقراءة في صلاة الليل تارة يجهر بها تارة ويطيل القيام تارة ويخففه تارة ويوتر آخر الليل وهو الأكثر وأوله تارة وأوسطه تارة وكان يصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر قبل أي جهة توجهت به فيركع ويسجد عليها إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وقد روى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك قال كان رسول الله إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة فكبر للصلاة ثم خلى عن راحلته ثم صلى أينما توجهت به فاختلف الرواة عن أحمد هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه على روايتين فإن أمكنه الإستدارة إلى القبلة في صلاته كلها مثل أن يكون في محمل أو عمارية ونحوها فهل يلزمه أو يجوز له أن يصلي حيث توجهت به الراحلة فروى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن صلى في محمل أنه لا يجزئه إلا أن يستقبل القبلة لأنه يمكنه أن يدور وصاحب الراحلة والدابة لا يمكنه وروى عنه أبو طالب أنه قال الإستدارة في المحمل شديدة يصلي حيث كان وجهه واختلفت الرواية عنه في السجود في المحمل فروى عنه ابنه عبدالله أنه قال وإن كان محملا فقدر أن يسجد في المحمل فيسجد وروى عنه الميموني إذا صلى في المحمل أحب إلي أن يسجد لأنه يمكنه وروى عنه الفضل بن زياد يسجد في المحمل إذا أمكنه وروى عنه جعفر بن محمد السجود على المرفقة إذا كان في المحمل وربما أسند على البعير ولكن يومىء ويجعل السجود أخفض من الركوع وكذا روى عنه أبو داود
( إذا زلزلزت ) و ( قل يا أيها الكافرون ) وروي الدارقطني نحوه من حديث أنس رضي الله عنه وقد أشكل هذا على كثير من الناس فظنوه معارضا لقوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين وقال أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله قال وأنكره مالك وقالت طائفة إنما فعل هاتين الركعتين ليبين جواز الصلاة بعد الوتر وأن فعله لا يقطع التنفل وحملوا قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا على الإستحباب وصلاة الركعتين بعده على الجواز والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم