البحث
ذلكُم اللهُ ربُّكم .. !
قال أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي رحمه الله، في كتابه الفنون :
( لقد عظَّم اللهُ ... ابنَ آدم، حيث أباحَه الشِّركَ عند الإكراه ! فمَن قدَّم حُرمةَ نفسِك على حُرمتِه، حتى أباحَك أن تتوقَّى عن نفسِك، بذِكره بما لا ينبغي له سبحانه؛ لحقيقٌ أن تُعظِّم شعائرَه، وتُوقِّر أوامرَه وزواجرَه !
وعصَم عِرضَك بإيجابِ الحدِّ بقذفِك، وعصَم مالَك بقطع يدِ مسلمٍ في سرقته، وأسقط شطرَ الصلاة في السفر لأجل مشقَّتك، وأقام مسحَ الخُفِّ مقامَ غسْل الرِّجل؛ إشفاقًا عليك من مشقة الخَلع واللبس، وأباحك المَيتةَ سدًّا لرمَقك، وحفظًا لصحتك، وزجرَك عن مضارِّك بحدٍ عاجل، ووعيدٍ آجل، وخرَقَ العوائد لأجلك، وأنزل الكتبَ إليك !
أيَحسُن لك مع هذا الإكرام؛ أن يرَاك على ما نهَاك عنه مُنهمِكًا ؟ ولِمَا أمَرك تاركًا ؟ وعلى ما زجَرك مُرتكبًا ؟ وعن داعِيه مُعرِضًا ؟ ولداعي عدُوه فيك مُطيعًا ؟!!
يَعِظ وهو هو .. وتُهمل أمرَه، وأنت أنت ! حَطَّ رُتبةَ عبادِه لأجلك، وأهبط إلى الأرض مَن امتنع مِن سجدةٍ يَسجدها لأبيك ... !
فإن لم تعتَرف اعترافَ العبد للمَوالي؛ فلا أقلَّ مِن أن تقتضِيَ نفسَك للخالق سبحانه؛ اقتضاء المُكافي المُساوي !
ما أفحشَ تلاعُب الشيطان بالإنسان .. !
بيْنا هو بحضرة الحقِّ، وملائكة السماء سجودٌ له .. تَترامى به الأحوالُ والجهالاتُ؛ إلى أن يوجدَ ساجدًا لصورةٍ في حجر، أو لشجرةٍ من الشجر، أو لشمسٍ أو لقَمر، أو لصورةِ ثَور خَار، أو لطائرٍ صَفَر .. !ما أوحشَ زوال النِّعم، وتغيُّر الأحوال، والحَور بعد الكَور .. !
لا يليق بهذا الحيِّ الكريم، الفاضل على جميع الحيوانات .. ؛ أن يُرَى إلَّا :عابدًا لله في دار التكليف، أو مجاورًا لله في دار الجزاء والتشريف ! وما بين ذلك .. فهو واضعٌ نفسَه في غير مَوضعها ).
انظر: [الدُرر السّنية]
قلتُ :
فانظر .. وتأمَّل .. وتدبَّر؛ كيف يُعاملُك، وكيف تُعامله ؟!
كيف يُقرّبُك .. وأنت تَفرّ منه، وتُؤثر البُعدَ عنه !
كيف سخَّر لك كلَّ شيء .. وأبيتَ أن تُسخّر نفسَك له !
فانزِع ثيابَ كِبرك، واخلع نعال بَطرك، وارفع حجابَ الرّان عن قلبك، وابسط بساط المسكنة، وارتدِ رداء المَكرُمة؛ حتى تَنال المَرحمة !
وابْكِ واخشَع واضطرِب .. واسجُد بقلبك واقترِب !
تَجد اللهَ غفورًا رحيمًا !