مَغبون أنت.. لأَنّك ما رَفَعَت عينيك يَوماً نحو الأُفُق..
كي تَرى ما ينتظرك بِصَبرٍ على أطراف وجعك..
لأنّك لا تَعرِفُ كيف تُعيد ترتيب أبجديات الحوادِث والكَلِم..
لِتُدرِك المعنى الذي يجتاز العين ليُهدهِد القلب..
لأَنَّك لم تَرّ في جَنَّتك التي هجرتها أوراق الزُّهور..
مُتَّسَعا لِخيلك الذي أضناه الرُّقودُ والرُّكون..
ولطالما اشتاقَ أن يتذوق الإتجاهات الأربَع..!
لأَنَّكَ ما بَرِحتَ باب الحُزنِ والشَّكوى..
على الذين اجترحوا سيئة خُذلانِكَ تارة.. وهُجرانِك تارة ..
والرَّحيل الباتر دون اختيار..
بجزءٍ منك وورِيَ الثرى معهم.. تارة أُخرى!
لأَنَّك ما عَرَفت من أنت.. وكيفَ تَكون.. ولِمن تُعطي بعضك.. أو كُلّك.. ولِأي غاية..!
أَنّى لعينك أن تَرى.. وغُلالة من دَموع على الدّوام تكسوها..؟!
أَنّى لقلبك أن يَستَكين.. وجمرةُ فيه رابضة.. لا تَهدأ ولا يَخبو وعيدها..
بِحَرق قلبك حتى الثُّمالة.. حتى الشِّغاف.. حتى الوَتين..؟!
أَنّى لِروحٍ حائرة.. تلهو بأَصدافٍ على شاطىء مَهجور..
تَشكو الفاقة.. والدُّر في قَلبِ الظُّلمةِ والأصدافِ يغفو..؟
أنّى لِظالِمٍ نَفسه ومُبعِدها الرّاحة ..
وما رأى في الحِرمانِ من الدُّنيا حَرَماً آمناً يأوى إليه مُتَبَتِّلاً..
جِذره في الأرض وفَرعه في السَّماء..؟!
أنّى لِقَلبٍ السَّعادة.. وما أدرَك.. أَنَّ الذي هو أرحَمُ به من رَحِمِ أُمّه..
وإذ يقطع عَنه عَلائِقَ الفانِية ووَشائجٍ حُبٍ يُعَرقِل المَسير..
فإنّما هو يُدنيه.. ويُلقي إليهِ بِحَبلٍ ويُلقي عليه مَوَدّةً..
من تَمَسَّك بِعُراهُما.. لا انفصامَ بَعدَها..
ولا حُزنٍ ولا خُذلانٍ ولا مَوت.. أَبَدا..!