البحث
معاملة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين
إنَّ أساس علاقة المسـلمين مع غيرهم يتمثَّل في قول الله عزَّ وَجـلَّ: {لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إنَّ الله يحبُّ المقسـطين . إنَّما ينهاكم الله عن الَّذين قاتلوكم في الدِّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولهَّم فأولئك هم الظَّالمون} [الممتحنة:8ـ9].
البر والقسـط مطلوبان من المسلم تجاه كلِّ الناس، ما لم يقفوا في وجهه ويضطهدوا أهله.
ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين منْزلة خاصة في المعاملة، فالقرآن ينهى عن مجادلتهم إلا بالحسنى، ويبيح مؤاكلتهم والأكل من ذبائحهم ومصاهرتهم، وهذا هو أصل التسامح.
ولأهل الذِّمة في دار الإسلام حقُّ الحماية من كلِّ عدوان خارجي، ومن كلِّ ظلم داخلي. يقول رسـول صلى الله عليه وسلم (رواه أحمد في مسنده).
الله عزل وجل: « » (رواه البيهقي وأبوداود).
ويقول عل وجل: « » (رواه الخطيب بإسناد حسن).
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لأهل نجران أنَّه لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).
ودماء أهل الذِّمة وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم معصومة باتّفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع: « » (فيض القدير [6/153]).
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (السنن الكبرى للبيهقي [9/205]).
ويحمي الإسـلام حريَّة حقِّ الاعتقـاد، فلكلِّ ذي دِين دِينه ومذهبه: {لا إكراه في الدِّين} [البقرة من الآية: 256]، وقد اشتمل عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، أنَّ لهم جوار الله وذمَّة رسول الله على أموالهم وملَّتهم وبيعهم.
وصان الإسلام لغير المسلمين معابدهم وشعائرهم، وكل ما يطلبه الإسلام من غير المسلمين أن يراعوا مشاعر المسلمين. يقول المفكر الفرنسي المعروف غوسـتاف لوبون: "إنَّ مسـامحة محمَّد لليهود والنصارى كانت عظيمـة للغاية"، ويقول روبرتسن: "إنَّ المسـلمين وحدهم جمعوا بين الغيرة لدِينهم، وروح التسـامح نحو أتباع الديانات الأخرى".
ولأهل الذِّمة الحقّ في تولّي وظائف الدولة كالمسـلمين، إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية، إذا تحققت فيهم شروط الكفاية والأمانة والإخلاص.
وتتجلَّى سماحة الإسلام في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب يهودًا كانوا أو نصارى، فقد كان صلى الله عليه وسلم يزورهم ويكرمهم ويحنّ إليهم، ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عاد يهوديًا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، فخرج وهو يقول: «البخاري). » (رواه
ومرَّت به صلى الله عليه وسلم جنازة، فوقف لها، فقيل له: إنَّها جنازة يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: « » (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد في مسنده).
وفي يوم الفتح المبين، حين مكَّن الله رسوله الكريم من رقاب مَن آذوه وسـعوا لاغتياله، وقف أمامهم وقال: « » هكذا بمنتهى البساطة ينسى الإسـاءة، ويتجاوز عمَّن دبَّروا أبشع المؤامرات لسفك دمه صلى الله عليه وسلم، ودون أي شرط.
وحين رأى صلى الله عليه وسلم عمَّه حمزة وقد بُقرت بطنه، ومُثّل به أسوأ تمثيل هو وبعض الصحابة، بكى وغضب وعزم على أن ينتقم ويُمثِّل بسبعين منهم إن مكَّنه الله منهم، فنَزلت الآية الكريمة: {َإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النَّحل من الآية: 126].
فآثر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصبر الجميل، وعفوا عمَّا سلف من تمثيل بقتلاهم، فما كان للمؤمنين أن ينْزلوا إلى تلك الهوَّة العميقة من جرائم الحقد الأسود، ولا أن يجرهم عدوهم إلى مثل هذه الميادين الدونية من التعامل، ولو في الحرب.