البحث
نماذج مضيئة من صلة المرأة بالله سبحانه
من الجوانب المضيئة في حياة المرأة المسلمة: صِلَتُها الوثيقة بالله سبحانه، وهو جانبٌ غائبٌ عن حياتنا رغم أهميَّته، وقد اعتاد الكاتبون أن يذكُروا نماذج الرجال، ويُغفلوا جانب المرأة، وقد مرَّ معي عددٌ من هذه النماذج، فجمعتها في هذا المقال، ووضعت لها عناوين بارزة، واللهَ أسأل أن ينفع بها، وهي: 1 - "ما كنت لأطيعه في الملأ، وأعصيه في الخلاء": عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلَمَ، قال: "بينما أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعُسُّ المدينة إذ عيي، فاتكأ إلى جانب جدارٍ في جوف اللَّيل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللَّبن فامذُقيه بالماء، فقالت لها: يا أمتاه، أوَ ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بُنيَّة؟ قالت: إنه أمر مناديَه فنادى ألا يُشاب اللَّبن بالماء. فقالت لها: يا بُنيَّة، قومي إلى ذلك اللَّبن فامذقيه بالماء؛ فإنك بموضعٍ لا يراكِ عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبيَّة لأمِّها: يا أمتاه، والله ما كنتُ لأطيعه في الملأ، وأعصيه في الخلاء"[1]. 2 - "رَبِح البيع": عن أنس: "أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لفلانٍ نخلةً، وأنا أُقيم حائطي بها، فأْمُرْه أن يعطيني حتَّى أقيم حائطي بها. فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أعطها إيَّاه بنخلةٍ في الجنَّة))، فأبى. فأتاه أبو الدَّحداح فقال: بِعني نخلتك بحائطي؛ ففعل. فأتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رسول الله، إنِّي قد ابتَعْت النَّخلة بحائطي، قال: فاجعلها له، فقد أعطيتكها. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كم من عذق رداح لأبي الدَّحداح في الجنَّة!))، قالها مرارًا. فأتى امرأته، فقال: يا أمَّ الدَّحداح، اخرُجي من الحائط؛ فإنِّي قد بعته بنخلة في الجنَّة. فقالت: ربح البيع! - أو كلمةً تُشبهها[2]. 3 - "فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه؟": اجتاز أمير بلدة حاتم الأصم على باب حاتم، فاستسقى ماءً، فلما شرب رمى إليهم شيئًا من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهلُ الدار سوى بُنيَّة صغيرة، فإنَّها بكت، فقيل لها: ما يُبكيك؟ قالت: مخلوقٌ نظر إلينا فاستغنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى؟![3]. 4 - "الصَّبرُ على الجوع أيسر من الصَّبر على النَّار": قال بناتُ رجلٍ لأبيهنَّ: يا أبه، لا تُطعمنا إلا الحلال؛ فإن الصَّبر على الجوع أيسَرُ من الصَّبر على النَّار. فبَلَغ ذلك سفيان الثَّوريَّ، فقال: ما لهنَّ رحمهنَّ الله؟[4]. 5- "وعزَّتِك لا زايلتُ بابك وإن طردتَني": عن عفَّان بن مسلم قال: قال لي حمَّاد بن سلمة: ألَحَّ علينا المطر سنة من السِّنين، وفي جواري امرأة من المتعبِّدات لها بنات أيتام، فوكف السَّقف عليهم، فسمعتها تقول: يا رفيق، ارفق بي. فسكن المطر، فأخذتُ صُرَّة فيها دنانير وقرعت بابها. فقالت: اللهم اجعله حمَّاد بن سلمة. قلت: أنا حمَّاد بن سلمة، وأخرجتُ الدنانير، وقلتُ لها: انتفعي بهذه. فإذا صبيَّة عليها مدرعة من صوفٍ تستبين خروقها قد خرجت عليَّ، وقالت: ألا تسكت يا حمَّاد؟ تعترض بيننا وبين ربِّنا؟ ثم قالت: يا أمتاه، قد علمنا أنَّا لمَّا شكَوْنا مولانا أنَّه سيبعث إلينا بالدُّنيا ليطردنا عن بابه. ثم ألصقت خدَّها على التُّراب، وقالت: "أمَّا أنا وعزَّتِك، لا زايلتُ بابك وإن طردتَني". ثم قالت: يا حمَّاد، رُدَّ دنانيرك - عافاك الله - إلى الموضع الذي أخرجتها منه، فإنَّا رفعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ولا يبخس العاملين[5]. 6- "يا نفس، الليلة ليلتك، لا ليلة لك غيرها": عن بكر بن عبدالله المزني قال: كانت امرأة مُتعبِّدة، فكانت إذا أمست قالت: "يا نفس، الليلة ليلتك، لا ليلة لك غيرها؛ فاجتهدي". فإذا أصبحت قالت: "يا نفس، اليوم يومك، لا يوم لك غيره؛ فاجتهدي"[6]. 7 - "هذا طعامٌ قد صار لنا فيه شركاء!": عن العبَّاس بن سهم أنَّ امرأة من الصالحات أتاها نعيُ زوجها وهي تعجن، فرفعت يدها من العجين وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء"[7]. 8 - "هذا زيتٌ قد صار لنا فيه شريك!": وعن ابن روح عن بعض أهل العلم أن امرأةً أتاها نعيُ زوجها والسِّراج يقد، فأطفأت السِّراج، وقالت: "هذا زيتٌ قد صار لنا فيه شريك"[8]. 9 - "إنِّي فيها منذ ستَّة أشهر، وما فرغت من قراءتها": عن عبدالملك بن شبيب، عن رجل من ولد عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: دخلت عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت لي: "يا عبدالرحمن، هكذا تقرأ سورة هود؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر، وما فرغت من قراءتها"[9]. 10 - "قُم يا غافل": عن أبي جعفر السَّائح أنَّه قال: بلغنا عن امرأة مُتعبِّدة كانت تصلِّي الضُّحى مائة ركعة كلَّ يوم، وكانت تقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] بالنَّهار عشرة آلاف مرَّة، وكانت تصلِّي باللَّيل لا تستريح. وكانت تقول لزوجها: قُم، وَيْحك إلى متى تنام؟ قُم يا غافل، قم يا بطَّال، إلى متى أنت في غفلتك؟ أقسمتُ عليك ألا تكسب معيشتك إلا من حلال، أقسمتُ عليك ألا تدخل النَّار من أجلي، برَّ أمَّك، صِل رحِمَك، لا تقطعهم فيقطع الله بك[10]. 11- "اللَّهم أقبِل بما أدبَر من قلبي": عن الوليد بن مسلم قال: كانت امرأة من التَّابعين تقول: "اللهم أقبِل بما أدبَر من قلبي، وافتح ما أُقفل منه؛ حتَّى تجعله هشًّا مرتاحًا لذِكرِك"[11]. 12- "الحمد لله نالوا الفوز": عن جويريةَ بن أسماء أنَّ إخوةً ثلاثة من بني قطيعة شهدوا يوم تُسْتَر؛ فاستُشهدوا. فخرجت أمُّهم يومًا إلى السُّوق لبعض شأنها، فتلقَّاها رجل قد حضر أمر تُستَر؛ فعرَفته فسألته عن بنيها، فقال: استُشهدوا. فقالت: أمُقبلين أم مُدبرين؟ فقال: مُقبلين. فقالت: "الحمد لله نالوا الفوز، وحاطوا الذمار، بنفسي هم وأبي وأمي"[12]. 13- "ما أطيب الطعام عندما ينضج بذكر الله!": • كانت (رابعة) زوجة اﻹمام أحمد بن أبي الحواري إذا طبخت قدرًا قالت: كُلها يا سيِّدي؛ فما نضجت إلا بالتَّسبيح[13]. • حفيد الشيخ المقرئ أبي الحسن الكردي الدِّمشقي رحمه الله يسأل جدَّته: كم يحتاج الأرز بالحليب من الوقت كي ينضَجَ؟ قالت: يحتاج ألف "لا إله إلا الله". وصدق اللهُ القائل:﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]. 14- "يا نفس، كم تنامين!": كانت (رابعة) تصلِّي اللَّيل كلَّه، فإذا طلع الفجر هجعت في مُصلَّاها هجعة خفيفة حتَّى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فَزِعة: يا نفس كم تنامين! وإلى كم تقومين؟ يُوشك أن تنامي نومةً لا تقومين منها إلا لصرخةِ يوم النُّشور[14]. 15- "أنين المرض شكوى؟": قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: كنت مع أبي يومًا من الأيام في المنزل، فدقَّ داقٌّ الباب، قال لي: اخرُج فانظر مَن بالباب؟ فخرجتُ، فإذا امرأة، قال: قالت لي: استأذِن لي على أبي عبدالله - يعني: أباه - قال: فاستأذَنته، فقال: أدخلها. قال: فدخلت، فجلست، فسلَّمت عليه، وقالت له: يا أبا عبدالله، أنا امرأةٌ أغزل باللَّيل بالسِّراج، فرُبَّما طفئ السِّراج فأغزل في القمر، فعليَّ أن أبيِّن غزل القمر من غزل السِّراج؟ قال: فقال لها: إن كان عندك بينهما فرق، فعليك أن تبيِّني ذلك. قال: قالت له: يا أبا عبدالله، "أنين المريض شكوى؟"، قال: أرجو ألا يكون شكوى، ولكنه اشتكاء إلى الله. قال: فودَّعته، وخرجت. قال: فقال لي: يا بُني، ما سمعت قط إنسانًا سأل عن مثل هذا! اتبع هذه المرأة، فانظر أين تدخل. قال: فاتَّبعتُها، فإذا قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث، وإذا هي أخته. قال: فرجعتُ، فقلت له. فقال: مُحالٌ أن تكون مثل هذه إلَّا أخت بشر[15]. 16- "هذا ما لا يكون!": جاء في ترجمة الشَّيخ الصَّالح الثِّقة بدر المغازلي من أصحاب اﻹمام أحمد بن حنبل: أن امرأته باعت دارًا لها بثلاثين دينارًا، فقال لها بدر: نفرِّق هذه الدَّنانير في إخواننا، ونأكل رزق يومٍ بيوم، فأجابته إلى ذلك. وقالت: تزهدُ أنت، ونرغبُ نحن، هذا ما لا يكون![16]. 17- "ذكَّرَني قدومُ هذا الفتى يومَ القدوم على الله تعالى": كانت عجوز قدم بعضُ أقاربها من السفر، فأظهر قومها السُّرور، والعجوز تبكي. فقيل لها: ما يُبكيك؟ فقالت: ذكَّرَني قدوم هذا الفتى يومَ القدوم على الله تعالى"[17]. [1] صفة الصفوة؛ لابن الجوزي 2/ 534. [2] رواه أحمد (12482)، وابن حبان (7159)، والحاكم (2194)، وقال: "صحيح على شرط مسلم". [3] صفة الصفوة 2/ 535. [4] صفة الصفوة 2/ 535. [5] صفة الصفوة 2/ 534. [6] صفة الصفوة 2/ 533. [7] صفة الصفوة 2/ 532. [8] صفة الصفوة 2/ 532. [9] صفة الصفوة 2/ 532. [10] صفة الصفوة 2/ 531. [11] صفة الصفوة 2/ 530. [12] صفة الصفوة 2/ 530. [13] صفة الصفوة 2/ 232. [14] صفة الصفوة 2/ 245. [15] تاريخ بغداد (14/ 436). [16] طبقات الحنابلة (1/ 77). [17] الرسالة القشيرية ص: 666.