1. المقالات
  2. وداع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته دروس، ووصايا، وعبرٌ، وعظات
  3. المبحث الثالث: خير أعماله خواتمها

المبحث الثالث: خير أعماله خواتمها

الكاتب : سعيد بن علي بن وهف القحطاني

 


كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته، وداوم عليه؛ ولهذا قال: ((إن أحب الأعمال إلى اللَّه تعالى ما داوم عليه صاحبه، وإن قلّ)) ([1])، وعن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا، وكان يُعرض عليه القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قُبض فيه عرض القرآن مرتين)) ([2]).

وعن عائشة ’ قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: ((سبحانك اللَّهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك))، قالت: قلت: يا رسول اللَّه، ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: ((جُعِلت لي علامةٌ في أمتي إذا رأيتها قلتها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}([3])، وقد قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لعمر عن هذه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إنها: أجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه، فقال: ما أعلم منها إلا ما تعلم))([4])، وقيل: نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يوم النحر، والنبي صلى الله عليه وسلم في منى بحجة الوداع([5])، وقيل: نزلت أيام التشريق([6])، وعند الطبراني أنها لما نزلت هذه السورة أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشدَّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة([7])؛ ولهذا قالت عائشة ’: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي)) يتأول القرآن([8])، ومعنى ذلك أنه يفعل ما أمر به فيه، وهو قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}([9]).

وخلاصة القول: إن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة، ومنها:

1 - الحث على المداومة على العمل الصالح، وأن قليلًا دائمًا خير من كثير منقطع؛ لأن بدوام العمل الصالح القليل تدوم الطاعة والذكر، والمراقبة، والنية، والإخلاص، والإقبال على الخالق، والقليل الدائم يثمر؛ لأنه يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة([10]).

2 - من أجهد نفسه في شيء من العبادات لا يطيق العمل به خُشِيَ عليه أن يمل فيفضي به ذلك إلى تركه([11]).

3 - الإنسان المسلم كلما تقدم في العمر اجتهد في العمل على حسب القدرة والطاقة، ليلقى اللَّه على خير أحواله؛ ولأن الأعمال بالخواتيم، وخير الأعمال الصالحة خواتيمها([12]).
----------------------
 
([1])  البخاري، برقم 43، ورقم 1151، ومسلم، 1/ 540، و2/ 811، برقم 782، واللفظ له.
([2])  البخاري مع الفتح، 9/43، و4/213، برقم 2044، و4998.
([3])  مسلم، 1/351، برقم 484.
([4])  البخاري مع الفتح، 8/130، برقم 3627.
([5])  انظر: البخاري مع الفتح، 8/734، برقم 3627، وقيل: عاش بعدها إحدى وثمانين يوماً. فتح 8/734.
([6])  انظر: المرجع السابق، 8/130.
([7])  انظر: فتح الباري، 8/130.
([8])  البخاري، برقم 794، ومسلم، برقم 484.
([9])  انظر: شرح النووي، 4/447.
([10])  انظر: فتح الباري 1/103، وشرح النووي 6/318.
([11])  انظر: فتح الباري 4/215.
([12])  انظر: فتح الباري 4/285، و 9/46.

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day